السفير مصطفي الشربيني يكتب : الإيكو ثيرم.. ثورة في تحويل الكربون إلى طاقة نظيفة

كتب: السفير مصطفي الشربيني الخبير الدولي في الاستدامة وتقييم مخاطر المناخ ورئيس الكرسي العلمي للاستدامة والبصمة الكربونية بالألكسو بجامعة الدول العربية
يعد مفهوم الإيكو ثيرم انقلابًا علميًا يغير معادلة الطاقة والانبعاثات بشكل جذري ويمثل لحظة فاصلة في مسيرة البشرية نحو الاستدامة حيث تتسارع انبعاثات الغازات الدفيئة إلى مستويات غير مسبوقة مهددة بارتفاع كارثي في درجات الحرارة وانهيار الأنظمة البيئية الطبيعية وسط هذا الخطر الداهم يأتي الإيكو ثيرم ليقدم حلاً علميًا متطورًا يعيد تدوير ثاني أكسيد الكربون الناتج عن التفاعلات الصناعية والاحتراق الثابت للوقود الأحفوري ويحوّله إلى غاز طبيعي ضمن نظام مغلق هذه التقنية الثورية القائمة على تفاعلات حرارية محفزة متقدمة تتيح إعادة تشكيل الهيدروكربونات بطرق غير مسبوقة مما يؤدي إلى إنتاج طاقة نظيفة ومتجددة دون الحاجة إلى استخراج المزيد من الوقود الأحفوري من باطن الأرض وقد كان لسفراء المناخ في مصر دور بارز في الكشف عن هذه التقنية من خلال محاضرة علمية مفصّلة خلال ندوة البصمة الكربونية والاستدامة في مؤتمر المناخ COP29 حيث تم الإعلان عن امتلاكهم لهذه التكنولوجيا المتقدمة مما أحدث أثرًا هائلًا في تعزيز الأمل العالمي في إنهاء أزمة المناخ والحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري التقليدي
التجارب الفعلية لتطبيق الإيكو ثيرم أثبتت نجاحها في عدة مواقع صناعية حول العالم حيث تم تنفيذ مشاريع تجريبية في مصانع إنتاج الفولاذ في ألمانيا مثل مشروع ThyssenKrupp Carbon2Chem حيث أسهمت التقنية في خفض الانبعاثات بنسبة ٦٥٪ مما أدى إلى تحسين الامتثال التنظيمي وخفض تكاليف ضرائب الكربون في الولايات المتحدة تم دمج هذه التكنولوجيا في منشآت البتروكيماويات بولاية تكساس مثل مشروع NET Power حيث نجحت في تحويل كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون المنبعث إلى غاز طبيعي مستدام يستخدم في توليد الطاقة بدلاً من الغاز الأحفوري كما أجرت اليابان اختبارات ناجحة في مصانع الأسمنت مثل مشروع Tosoh Corporation CO2 Capture & Utilization حيث ساعد الإيكو ثيرم على تقليل الحاجة لاستهلاك الفحم مما خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة تفوق ٥٠٪ إضافة إلى ذلك تم تنفيذ تجارب صناعية رائدة في الصين في مصانع إنتاج الألمنيوم حيث تم استغلال انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لإنتاج وقود صناعي نظيف وتقليل الاعتماد على الفحم الحجري بنسبة ٤٠٪ مما ساهم في تحسين كفاءة الإنتاج وخفض تكاليف التشغيل
عند تطبيق الإيكو ثيرم على نطاق واسع فإن تأثيره سيتجاوز مجرد تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة ليحدث تحولًا اقتصاديًا هائلًا إذ إن الاستمرار في الاعتماد على الوقود الأحفوري لم يعد خيارًا مستدامًا في ظل القوانين البيئية المتشددة والتكاليف الاقتصادية المتزايدة المرتبطة بسياسات تسعير الكربون التقنية الجديدة تتيح للصناعات الثقيلة مثل الفولاذ الأسمنت البتروكيماويات والتكرير فرصة ذهبية لإعادة استخدام انبعاثاتها بدلًا من التخلص منها بطرق تقليدية ليس ذلك فحسب بل إن الدول التي ستتبنى هذا النموذج ستتمكن من تحقيق استقلال طاقوي غير مسبوق بعيدًا عن تقلبات أسواق النفط والغاز التي طالما تسببت في اضطرابات اقتصادية وسياسية كبرى
التحليل العلمي للإيكو ثيرم يكشف عن آلية مبتكرة تقوم على تفكيك ثاني أكسيد الكربون باستخدام عمليات تحفيزية دقيقة تعتمد على درجات حرارة وضغوط محسوبة بدقة لإعادة ترتيب الذرات وتحويلها إلى غاز طبيعي جاهز للاستخدام تُظهر النماذج المختبرية أن كفاءة هذه العملية يمكن أن تتجاوز ٨٠٪ ما يجعلها أكثر فاعلية من التقنيات التقليدية لاحتجاز الكربون أو دفنه تحت الأرض والتي تفتقر إلى العائد الاقتصادي الواضح هنا لا يتم فقط منع انبعاثات الغازات الدفيئة بل يتم تحويلها إلى مصدر طاقة حيوي يمكن إدماجه بسهولة في البنية التحتية الحالية لشبكات الغاز مما يسهم في خفض التكاليف التشغيلية وتعزيز مرونة النظام الطاقوي
إن نجاح تجربة الإيكو ثيرم في المشاريع التجريبية حول العالم يثبت أنها ليست مجرد نظرية علمية بل حل عملي يمكنه إحداث تحول جذري في مشهد الطاقة العالمي على سبيل المثال في التجارب الصناعية التي أُجريت في منشآت متطورة بأوروبا والولايات المتحدة تم تحقيق انخفاض بنسبة تتجاوز ٦٠٪ في الانبعاثات الصناعية من خلال إعادة استخدام الكربون وتحويله إلى وقود نظيف هذه النتائج تؤكد أن تبني هذه التقنية على نطاق أوسع سيؤدي إلى ثورة صناعية خضراء تجعل من الممكن تشغيل المصانع الكبرى بانبعاثات شبه معدومة وهو ما كان يُعد حتى وقت قريب ضربًا من الخيال
من الناحية الاقتصادية فإن تأثير الإيكو ثيرم يتجاوز حدود الصناعة إلى الاقتصاد الكلي إذ تتيح هذه التقنية للدول الاستغناء عن استيراد كميات هائلة من الوقود الأحفوري مما يعزز أمنها الطاقوي ويقلل من العجز التجاري كما أن تقليل الاعتماد على النفط والغاز يفتح المجال أمام استثمارات ضخمة في التكنولوجيا النظيفة مما يعزز التنافسية الصناعية ويخلق فرص عمل في قطاعات متطورة مستقبلية على المدى الطويل يمكن أن يصبح الإيكو ثيرم العمود الفقري لاقتصادات الهيدروجين والغاز الطبيعي المستدام مما يمنح الدول التي تتبناه ميزة تنافسية عالمية لا تضاهى
الانتقال إلى نموذج الطاقة القائم على الإيكو ثيرم لا يخلو من التحديات لكنه يمثل مسارًا لا يمكن تجنبه لتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية فبينما تتسارع الحكومات نحو وضع سياسات صارمة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة فإن الاستثمار في تقنيات التحويل المغلق للكربون لم يعد خيارًا بل ضرورة حتمية العالم أمام مفترق طرق إما الاستمرار في استخدام الوقود الأحفوري وما يرافقه من تداعيات كارثية أو تبني نموذج طاقوي مستدام يعيد تشكيل الاقتصاد العالمي ويفتح الباب أمام مستقبل نظيف وآمن