الخبير الدولي في الاستدامة وتقييم مخاطر المناخ ورئيس الكرسي العلمي للاستدامة والبصمة الكربونية بالألكسو بجامعة الدول العربية وعضو WG3 بمنظمة الصحة العالمية ومراقب باتفاقية باريس لتغير المناخ بالأمم المتحدة ورئيس وفد مراقبين في COP29
السفير مصطفي الشربيني يكتب : الأرض على حافة الفناء.. الكوارث البيئية تسرع النهاية المظلمة للبشرية!
لقد أصبح كوكب الأرض يقف على حافة هاوية بيئية لا يمكن تجاهلها، فالتحذيرات الأممية تتعالى، والتقارير العلمية ترسم صورة قاتمة لمستقبل البشرية إذا استمر التدهور البيئي على هذا النحو المتسارع، الحرارة تتصاعد، التنوع البيولوجي ينهار، والأنظمة البيئية تُدمر بفعل الأنشطة البشرية الجائرة، في حين أن الاستجابات الدولية لا تزال قاصرة عن مواجهة التحديات، هذا العام شهد سلسلة من الكوارث البيئية والإنجازات المتواضعة، مما يضع البشرية أمام مسؤولية كبرى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومع بداية كل شهر من عام 2024، تزايدت الأدلة على أن العالم يسير بسرعة نحو نقطة اللاعودة، حيث ستصبح الحياة على هذا الكوكب أكثر صعوبة، ليس فقط للأجيال القادمة بل للأجيال الحالية أيضًا.
الحرارة تشتعل في الكوكب والعالم عاجز عن المواجهة كان يناير 2024 صادمًا للبشرية مع توقعات بأن يكون العام هو الأكثر سخونة على الإطلاق، تجاوز درجات الحرارة العالمية الحد المتفق عليه في اتفاقية باريس البالغ 1.5 درجة مئوية، مما أثار قلقًا عالميًا غير مسبوق، الأمم المتحدة وجهت نداءات عاجلة للدول الكبرى للحد من انبعاثاتها، لكن الردود كانت متفاوتة بين وعود جوفاء وتحركات بطيئة، في الوقت ذاته، تصاعدت الانبعاثات في بعض الدول الصناعية، مما أظهر فشلًا واضحًا في الالتزام بالتعهدات المناخية، ومع ذلك، حاولت بعض الدول قيادة المبادرات الإيجابية عبر التوسع في مشاريع الطاقة المتجددة، لكن الصورة العامة ظلت قاتمة، مع بداية عام جديد يعج بالتحديات البيئية.
الأنواع المهاجرة تختفي تحت أعين البشر وكأننا شهود على كارثة حية، أظهر تقرير أممي في فبراير 2024 أن نصف الأنواع المهاجرة على حافة الانقراض، حيث تم تدمير موائلها بفعل الأنشطة البشرية، برنامج الأمم المتحدة للبيئة أطلق مبادرات لإنقاذ هذه الأنواع، لكن الجهود تواجه صعوبات هائلة، في المقابل، سلط نظام جديد يعتمد على الأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي الضوء على ممارسات تجريف الرمال التي دمرت المحميات البحرية، حيث أظهر أن أكثر من 16% من هذه الأنشطة غير القانونية تحدث داخل المناطق المحمية، ورغم إثارة هذا الاكتشاف جدلًا واسعًا، إلا أن التحركات العالمية للحد من هذه الأنشطة ظلت بطيئة ومحدودة التأثير.
العالم يتحد وسط الانقسامات لإنقاذ البيئة شهد مارس 2024 حدثًا هامًا مع انعقاد الدورة السادسة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة، حيث أُقرّت خمسة عشر قرارًا شاملًا لمكافحة التصحر وتقليل التلوث الكيميائي وحماية التنوع البيولوجي، التزمت سبعون دولة بخفض الانبعاثات في قطاع البناء الذي يُعد من أكثر القطاعات تلويثًا للبيئة، لكن غياب آليات التنفيذ أثار القلق، ومع استمرار الانقسامات الجيوسياسية، بدا أن التعاون البيئي العالمي لا يزال هشًا وغير كافٍ للتعامل مع التحديات المناخية المتصاعدة.
ثمن باهظ تدفعه البيئة مقابل معادن حيوية للطاقة النظيفة في أبريل 2024، برزت أزمة استدامة المعادن الحيوية التي أصبحت ضرورة لتقنيات الطاقة المتجددة، الأمم المتحدة أطلقت مبادرة عالمية لتحسين ممارسات التعدين وتقليل التأثير البيئي لهذه الأنشطة، ورغم أن المبادرة لاقت ترحيبًا واسعًا، إلا أن الدول المنتجة للمعادن أعربت عن مخاوفها من تأثير السياسات الجديدة على اقتصاداتها الوطنية، مما جعل المشهد أكثر تعقيدًا وأظهر التحديات التي تواجه التوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة.
الدول الجزرية تصرخ طلبًا للعدالة المناخية في مايو 2024، اجتمعت الدول الجزرية الصغيرة لتطالب العالم بالعدالة المناخية، وسط تهديدات وجودية ناجمة عن ارتفاع مستوى سطح البحر، وقد تزامن ذلك مع إطلاق الصين وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لصندوق كونمينغ للتنوع البيولوجي لدعم المشاريع البيئية العالمية، لكن في المقابل، صدرت سلسلة من الأحكام القضائية التي تلزم الحكومات باتخاذ تدابير صارمة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، مما عكس تصاعد الضغوط القانونية لتحقيق العدالة البيئية والمناخية.
التصحر يزحف على الكوكب والنظم البيئية تنهار احتفل العالم في يونيو 2024 بيوم البيئة العالمي، مع أكثر من أربعة آلاف فعالية ركزت على استعادة النظم البيئية المتضررة، لكن في الوقت ذاته، أظهرت تقارير أممية أن النزاعات المستمرة في غزة أسفرت عن أزمة بيئية كارثية، حيث التلوث يدمر التربة والمياه ويهدد الحياة بشكل مباشر، وعلى الجانب الآخر، سجلت نيبال تقدمًا استثنائيًا في حماية النمور المهددة بالانقراض، مما جعل يونيو شهرًا متناقضًا بين النجاحات المحدودة والأزمات المتفاقمة.
باريس تعود إلى نهرها الملوث كرمز للأمل وسط الكوارث البيئية، أعاد يوليو 2024 الأمل بعودة السباحة إلى نهر السين لأول مرة منذ قرن، بفضل جهود تنظيف مكثفة، في الوقت ذاته، أصدرت الأمم المتحدة تقريرًا بعنوان "استكشاف آفاق جديدة"، يحدد فيه التحولات التقنية والاجتماعية التي تؤثر على البيئة ويدعو إلى اتخاذ إجراءات استباقية لمواجهة التحديات المستقبلية، مما جعل الشهر نقطة تحول للتفكير في الحلول الممكنة.
معاهدة تاريخية تفتح أبواب العدالة البيئية في أغسطس 2024، تبنّت الدول ميثاق المستقبل الذي يضع أسسًا جديدة لتحقيق العدالة البيئية والتنمية المستدامة، مع التركيز على الحد من التلوث والتحول إلى الطاقة النظيفة، لكن في الوقت نفسه، تصاعدت التحديات مع تقارير تحذر من تزايد مقاومة الجراثيم للمضادات الحيوية، مما أضاف بُعدًا جديدًا للأزمة البيئية التي أصبحت متشابكة مع القضايا الصحية العالمية.
أزمة الغازات الدفيئة تُهدد بكارثة لا مفر منها في سبتمبر 2024، أظهر تقرير فجوة الانبعاثات أن العالم يتجه نحو ارتفاع كارثي في درجات الحرارة قد يصل إلى 3.1 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، مما دفع الأمم المتحدة إلى دعوة عاجلة لتخفيض الانبعاثات بأكثر من 40% بحلول عام 2030، كما كشف تقرير آخر عن التأثيرات البيئية المتزايدة للذكاء الاصطناعي، مما جعل الشهر صرخة تحذير قوية للحكومات والشركات للتحرك الفوري.
الميثان يفضح الخطر المستتر داخل الغلاف الجوي أكتوبر 2024 كان شهرًا محوريًا مع إطلاق نظام مراقبة جديد كشف عن أكثر من 1200 تسرب كبير للميثان، أحد أقوى الغازات الدفيئة، في نوفمبر، شهد مؤتمر التنوع البيولوجي اتفاقًا تاريخيًا لتمويل مشاريع حماية الطبيعة، مما عزز الأمل بتحقيق أهداف الحفظ العالمية، لكنه أكد أيضًا أن الطريق لا يزال طويلًا أمام مواجهة التحديات البيئية.
الجفاف والتصحر يهددان الحياة والمستقبل معًا في ديسمبر 2024، خصصت الأمم المتحدة 12 مليار دولار لمكافحة التصحر والجفاف، بينما أصدرت تقارير تحذر من أن مليون نوع يواجه خطر الانقراض، مما يؤكد الحاجة الملحة إلى تغييرات جذرية في السياسات البيئية، ومع نهاية العام، برزت الحاجة إلى تحركات سريعة وشاملة لإنقاذ الكوكب من المصير المظلم الذي يلوح في الأفق.
آثار الحروب على البيئة تكون مدمرة وغير قابلة للتعويض، إذ تؤدي إلى تدمير هائل للنظم البيئية وتفاقم التلوث، مع تداعيات بعيدة المدى على صحة الإنسان والحياة البرية، في حالة غزة، يمكن القول إن ما يحدث هو "اغتيال بيئي" بكل معنى الكلمة، القصف العشوائي والعمليات العسكرية تدمّر البيئة المحلية بشكل شامل، من خلال تدمير الأراضي الزراعية، وتلويث المياه والهواء، وإلحاق أضرار جسيمة بالمحميات الطبيعية، بالإضافة إلى ذلك، يتسبب هذا التدمير في تلوث التربة والمياه الجوفية والسطحية، مما يعرض حياة السكان للخطر، هذه الانتهاكات البيئية لا تمثل فقط انتهاكًا للحقوق الإنسانية الأساسية، بل تمثل أيضًا خرقًا فاضحًا لكافة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تحظر استهداف البيئة أثناء النزاعات المسلحة، مثل اتفاقية جنيف لعام 1977 التي تمنع تدمير البيئة بشكل يهدد حياة المدنيين، إن هذه الممارسات التي تشهدها غزة تعد بمثابة اغتيال للبيئة بكل معاييرها، وتعرض المنطقة لمستقبل بيئي قاتم لا يمكن تجاهله.
حيث تصاعدت التحديات البيئية والمناخية خلال عام 2024 إلى مستويات خطيرة، مما يضع البشرية أمام مسؤولية كبرى لا تحتمل التأجيل، الكوكب يختنق، والطبيعة تُحتضر، والأنظمة البيئية على وشك الانهيار الكامل، في ظل هذا الواقع، يجب أن تكون الاستجابة الدولية شاملة وقوية وعاجلة، لأن أي تأخير يعني مزيدًا من الكوارث التي لن يسلم منها أحد، إن لم يتم اتخاذ خطوات جريئة لتحويل التعهدات إلى أفعال، فإن الأجيال الحالية والقادمة ستواجه مستقبلًا قاتمًا، حيث تصبح الحياة على كوكب الأرض أكثر صعوبة وقسوة، الآن وأكثر من أي وقت مضى، يجب أن يتحد العالم لإنقاذ الكوكب قبل أن يفوت الأوان.