الجمعة 18 أكتوبر 2024

دكتور عبدالله العوضي يكتب: اقتصاد .. " أشباه الموصلات "

باور بريس

 

هذا النوع من الاقتصاد " المايكروزمي  " الدقيق ، غدى لا يقل أهمية من أي اقتصاد كلي .

إن صح نطلق عليه اقتصاد " أشباه الموصلات " و هو في حقيقته مواصلات إلكترونية ، لا يستغنى عنها أي وسيلة مواصلات في العالم أجمع و إن كان مركزه في " تايوان " إلا أن امتدادها من بكين إلى واشنطن و من ثم إلى العالم أجمع  . 

تايوان .. تعني السيليكون 

هذه الرقائق الإلكترونية الدقيقة أدخلت العالم في فترة الأزمات في حالة صعبة ، بل كل العالم كان يلف يوميا حول جزيرة " تايون " و هي التي لا تغيب يوما عن مسرح الأحداث العالمية ، سواء كان الحدث اقتصادي أو سياسي يحمل رائحة الصراع على هذه الجزيرة بين أميركا و الصين ، لتتحول المشكلة إلى خانة التحديات الجيوسياسية على مستوى العالم.

ما أهمية تايوان للصين ؟ هي البعد الاستراتيجي لها في المحيط الهادي ، و من خلالها يمكن التحكم في الممرات التجارية ببقية المحيطات و البحار . 

بل هي قيمة مضافة للاقتصاد الصيني الذي يعد نقطة القوة المركزية و التي تعمل لها أميركا ألف حساب. 

لو علمنا حجم الناتج الإجمالي لتايوان لأدركنا حقيقة ذلك ، و قد بلغ هذا الناتج حاليا قرابة 600 مليار دولار ، لجزيرة لا تزيد مساحتها عن 36 كيلومتر مربع و عدد سكان لا يتجاوز 23 مليون نسمة تقريبا ، و كان دخل تايوان في يوم من الأيام يفوق الناتج المحلي الاجمالي للصين ذاتها ذات المليار نسمة . 

و هناك مسألة أهم من ذلك ، و خاصة بالنسبة للعالم الأكبر ، و هي أن تايوان تعد أضخم وادي للسليكون ، و أي مساس به تقوم قيامة العالم ، و قد بلغت صادراتها من هذا المنتج حديثا قرابة 118 مليار دولار 40% فقط مصدر للصين   .

الهاجس.. الأوروبي !

أوروبا ليست بعيدة عن مأزق النقص في أشباه الموصلات ، فهي منذ فترة تقوم بإعداد القوانين التي تساعدها على تجاوز هذا الوضع المؤثر في الكثير من منتجاتها الصناعية.

من هذا المنطلق رحبت المفوضية الأوروبية في 19/4/2023 ، بالاتفاق السياسي الذي تم التوصل إليه بين البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشأن "قانون الرقائق الأوروبية"

الذي سيعزز القدرة التنافسية الأوروبية والمرونة في هذا القطاع الاستراتيجي. 

فالنقص الأخير في أشباه الموصلات أبرز اعتماد أوروبا على عدد محدود من الموردين خارج الاتحاد الأوروبي ، فمن خلال هذا القانون يهدف الاتحاد الأوروبي للوصول إلى مضاعفة حصته في السوق العالمية الحالية إلى 20 بالمئة في عام 2030 .

للعلم في هذا العام و ضعت الصين خطتها لتخطي الاقتصاد الأمريكي ، و الحلول محلها في المرتبة الاولى ، بعد نجحت بذلك مع اليابان و قد نحتها عن المرتبة الثانية لكي تحل الصين مكانها و لا زالت محتفظة بتلك المكانة رغم تقلبات الاقتصاد الحادة .

الهند على خط تايوان و الصين 

الدليل من موقع "موني كنترول" الهندي، الذي نشر تقريرًا بعنوان "لماذا يثير بيان الهند بشأن تايوان قلق الصين". جاء فيه: قررت الهند التعبير علنًا ​​عن قلقها بشأن التطورات في مضيق تايوان ، غموض وعدم تطرق بيان "نيودلهي" لموقفها من سياسة "صين واحدة"؛ أثار قلق "بكين"

تكرار الفشل في ظهور البيانات المشتركة بين الهند والصين، قد يرجع إلى التحول في موقف الصين بشأن قضية "كشمير"، وانسجامها بشكل متزايد مع الموقف الباكستاني . 

الطرف الثالث هنا أميركا الحريصة على فرض تواجدها في المحيط الهندي كما هي في المحيطين الهادي و الأطلسي .

ففي هندوستان تايمز ، صرحت كبيرة مديري مجلس الأمن القومي الأميركي  لشؤون الصين: بأن نهج إدارة بايدن تجاه الصين استند إلى تحليل مفاده أن المنافسة بين البلدين عالمية وليست فقط في منطقة المحيطين الهندي والهادئ .

لقد اتخذنا عددًا من الخطوات لتعميق الشراكة مع الهند، حيث إن دورها مهم للغاية في الاستراتيجية الأميركية ، الهند شريكًا مهمًا ليس فقط من حيث صد الصين ولكن أيضًا في مجموعة من القضايا الأخرى، من اللقاحات إلى التكنولوجيا، وكذلك لتعزيز رؤية مختلفة وتأكيدية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ . 

و من مؤشرات هذا التوتر بين الجانبين ما ذكرتها مصادر هندية لوكالة "رويترز": بأن الهند ترغب في منع المستثمرين الصينيين من شراء أسهم في شركة التأمين الهندية العملاقة "لايف إنشورنس كورب" المقرر طرحها للاكتتاب العام، ما يؤكد التوترات بين البلدين .

و تعتبر شركة التأمين المملوكة للدولة من الأصول الاستراتيجية، إذ تستحوذ على أكثر من 60 في المئة من سوق التأمين في الهند بأصول تزيد عن 500 مليار دولار . 

الضجة التي حدثت خلال زيارة نانسي بيلوسي لتايوان و إن غلفت بوقوف أميركا  بجانبها ضد الصين ، و أما الواقع له علاقة بأشباه الموصلات التي كانت سببا رئيسا لوقف الآلة الإلكترونية طوال أزمة " كورونا " 

و فور عودة " نانسي " إلى واشنطن   ، أعلن " بايدن " عن تخصيص 50 مليار دولار للبدء في صناعة تلك الرقائق الالكترونية في أراضيها ، لكي تتجنب المشاكل في فترة الأزمات .

و قد كشفت بعض المصادر الأميركية ، بأن نانسي بحكم وظيفتها قد علمت بأمر تلك المليارات ، فسربت المعلومة إلى زوجها كي يسارع إلى انتهاز فرصة شراء أسهم أشباه الموصلات قبل غيره من رجال الأعمال ، و قد حسب هذا التصرف نقطة سلبية في سجل نانسي رئيس مجلس النواب التي أزيحت عن منصبها بعد ذلك. 

مثلث برمودا .. سياسي 

من الغريب أن أشباه الموصلات هذه لم تستطع أن توصل بين خطوط أميركا و الصين و تايوان ، بل جعلت من هذه الدول الثلاث أشبه بمثلث برمودا سياسي . 

و قد أوضح بنيامين حداد، برلماني فرنسي، في مقال بمجلة "فورين بوليسي" ، عن هذا الوضع بأن تصريحات الرئيس الفرنسي حول ضرورة عدم تبعية أوروبا للولايات المتحدة أو الصين فيما يخص قضية تايوان، لا تعدو أن تكون تعبيرًا علنيًّا عما يفكر فيه الأوروبيون. 

و قادة أوروبا يشعرون بكثير من القلق من السير على قدم وساق إلى جانب واشنطن في صراعها مع الصين، وكثير منهم يرون أن تلك المواجهة هي أكثر ارتباطًا بمخاوف الولايات المتحدة من فقدان تفوقها العالمي، أكثر منها من صنع سياسات دولية سليمة

و يجب أن تعرف واشنطن أن النجاح في مواجهة بكين سيتحقق من خلال صياغة استراتيجية اقتصادية موحدة، إلى جانب الاستراتيجيات العسكرية، كما يجب أن تراعي مخاوف الأوروبيين الذين يسعون لتحقيق التوازن بين المصالح الاقتصادية والأولويات الأخرى . 

الصين ترفع صوت الاقتصاد .. اميركا تدفع بسوط السياسة ؟! 

في إطار الحرب الباردة ، بين أميركا و الصين ، هناك خطة لتضييق الخناق على رئة الصين و شرايينها الاقتصادية في مضيها سراعا على طريق الحرير السريع . 

الصين ترفع صوت الاقتصاد اقتصاد ، و اميركا ترفع سوط السياسة ، هنا مربط الفرس .

إحدى  الوسائل الاقتصادية التي ترفع بها الصين صوتها على أميركا عن طريق عملتها " اليوان " 

و بناء عليه ، تسعى الصين مع جيرانها الآسيويين على تعزيز استخدام العملات المحلية في التجارة الإقليمية والاستثمار؛ لتوفير شبكة أمان مالي أكبر داخل المنطقة ضد الصدمات الخارجية .

سوف تساعد مقايضات العملات الثنائية على تعزيز التكامل الاقتصادي، لا سيما بين الدول الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا "الآسيان"

هذه التطورات ستقلل من استخدام الدولار الأميركي ، ومن تأثير السياسة النقدية الأميركية في آسيا . 

منذ قرابة أربعة عقود قررت الصين القفز إلى خارج سورها العظيم لتشارك العالم في مكونات العظمة  . 

فكانت مبادرة " طريق الحرير " أو الحزام و الطريق هو السور الجديد الذي سيطوق قارات العالم كما هو مخطط في مئوية الصين في العام 2049 . 

و تُدرج بعض التقديرات مبادرة الحزام والطريق كواحدة من أكبر مشاريع البنية التحتية والاستثمارات في التاريخ، والتي تغطي أكثر من 68 دولة، بما في ذلك 65٪ من سكان  العالم و 40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي اعتبارًا من عام 2017. 

الدولة التي تقف على طول الخط في " حلق " الصين هي أميركا ، فهي التي ردت عليها بمبادرة مضادة تسمى "استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة" (FOIP)،  و تشتمل على ثلاث ركائز هي : الأمن، والاقتصاد، والحكم. وفي بداية شهر  يونيو 2019 تمت إعادة تعريف التعريفين العامين لكل من "الحر" و"الانفتاح" في أربعة مبادئ معلنة - احترام السيادة والاستقلال؛ الحل السلمي للنزاعات؛ التجارة الحرة والعادلة والمتبادلة؛ والالتزام بالقواعد والمعايير الدولية.

الصين مذ أعلنت عن خططها لعام 2030 ، كي تصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم متحدية و متخطية أميركا ، حتى صوبت عليها سهام الحرب الباردة من كل الاتجاهات . 

الصين امتداد اقتصادي ، و لا تبحث عن نفوذ سياسي كما هو الوضع مع أميركا و الغرب .

و قد شقت لنفسها طريقا من الحرير تريد أن تلف العالم بحزام الاقتصاد و ليس بسورها العظيم الذي عزلتها عن العالم لقرون  . 

نجحت الصين في الاستحواذ على   ثلثي دولارات العالم ، و قد قلبت ميزان التجارة مع أميركا بمعدل نصف تريليون دولار مقابل خمسين مليار دولار لصالح أميركا . 

الصين اليوم ليست الصين بالأمس ، لقد غدت قوة اقتصادية عظمى تريد مشاركة و منافسة القوى الأخرى فيما تتقنها و تجيدها في مرحلتها الراهنة . 

فكلما تقدمت في هذا الاتجاه خطوة ، وضعت أميركا أمامها ملف كرونا ، تايوان ، جزر سليمان و أخيرا و ليس آخرا حرب  " الأوكران  " . 

المواجهة : أميركا و الصين .. ما الحاجة؟

تحولت أشباه الموصلات ، إلى أحد أدوات المواجهة بدل الوصل بين أميركا و الصين ، فحسب وكالة "بلومبيرغ" في 21/10/2022  قالت : إن إدارة "بايدن" تدرس إمكانية فرض ضوابط جديدة على الصادرات التي تتعلق بمجال "الحوسبة الكمومية" و"برمجيات الذكاء الاصطناعي"، وذلك في إطار منع الصين من الوصول إلى بعض من أقوى تقنيات الحوسبة الناشئة، وإعاقة قدرتها على نشر أشباه الموصلات المتطورة في الأسلحة وأنظمة المراقبة .

اميركا و الصين قصة لن تنتهي فصولها ، فهي تبدو مفتوحة على أكثر من جبهة .

لماذا تلجأ أميركا إلى المواجهة و ليس للمكاشفة و المصارحة ، و السعي الجاد إلى طاولة الاقتصاد الذي من قواعده الذهبية أن يكون الطرفين من الرابحين بصرف النظر عن نسبة الفائدة بين الأطراف المتصارعة، و ليس بالضرورة متحاربة ، أضعف الإيمان أن تبقى متحاورة  في  بحر المصلحة . 

فالصين تركت السياسة جانبا في مشروعها "الحريري " ، لأنها تدرك بأنها مفسدة ليس للمرء فحسب ، بل للدول التي تبحث عن مصالحها دون الغرق في البحر اللجي للنفوذ و تبعاته .

نبدأ من الآخر ، و ليس الأخير لأن المشهد متحرك و يبدو أنه لن يقف  قريبا عند منتصف الطريق ، ففي زيارته الحالية طالب وزير الخارجية الأمريكي قادة إسرائيل بالتراجع عن إبرام صفقات تجارية كبيرة مع الصين، محذراً من أنهم "يعرضون رغبة الولايات المتحدة في العمل مع إسرائيل للخطر"، في إشارة واضحة إلى تبادل المعلومات الاستخباراتية بين البلدين .

الذي نعرفه بأن العلاقات الصينية الإسرائيلية قوية ، و ليس هناك ما يعكر صفوها منذ اعترافها كدولة ، و هو ما يثير الشبهات حول أهداف أميركا السياسية لمثل هذه التحركات .  

فالصين أحد الأعمدة الرئيسة في مجلس الأمن ، فالصدام واضح فيه بين الدولتين العظميين .

ويحاول أعضاء مجلس الأمن الدولي 15 ، الاتفاق على نص يهدف إلى دعم دعوة أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة في لوقف إطلاق النار في الصراعات العالمية .

من الغريب أن تكذب أميركا الصين و كأنها هي الوحيدة في هذا المجلس ترى ما معنى أن تفاجئ الولايات المتحدة الأعضاء الآخرين في مجلس الأمن الدولي بعرقلتها التصويت على قرار يدعو إلى وقف لإطلاق النار في مختلف النزاعات في العالم .

لقد أضاعت أميركا سلم الأولويات في الظروف الحرجة و على خط الصراع مع الصين لكي يزيد من حدة الحرب التجارية السابقة . 

روسيا والصين .. التعددية القطبية 

الصين مذ أعلنت عن خططها لعام 2030 ، لكي تصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم متحدية و متخطية أميركا ، حتى صوبت عليها سهام الحرب الباردة من كل الاتجاهات . 

و الحرب في أوكرانيا زادت عليها الكيل لأنها  لم تدن روسيا  في مجلس الامن ، و هي ليست وحيدة في هذا الموقف و لكنها الحليفة الكبرى لها . 

الصين امتداد اقتصادي ، و لا تبحث عن نفوذ سياسي كما هو الوضع مع أميركا و الغرب .

و قد شقت لنفسها طريقا من الحرير تريد أن تلف العالم بحزام الافتصاد و ليس بسورها العظيم الذي عزلتها عن العالم لقرون عددا . 

نجحت الصين في تحييد الأيديولوجيا لصالح الانفتاح على الآخر ، و ملأت بذلك ثلثا دولارات العالم في خزائنها ، و قد قلبت ميزان التجارة مع أميركا بمعدل نصف تريليون دولار مقابل خمسين مليار لصالح أميركا ، أنظر إلى الفارق في حجم الصادرات الصينية أمام الواردات الأميركية للصين .

لقد وصل قطار طريق الحرير منذ فترة وجيزة إلى بريطانيا التي أقدمت فترة امبراطوريتها الشاسعة على محاربة الصين عبر رش شعبها بمبيدات المخدرات . 

الصين اليوم ليست الصين بالأمس ، لقد غدت قوة اقتصادية عظمى تريد مشاركة و منافسة القوى الأخرى بما تتقنها في مرحلتها الراهنة . 

الصين و روسيا ماذا تريدان ، يقول 

وزير الخارجية الروسي : روسيا والصين وشركاءهما سيتحركون معًا نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب وعادل بناء على نتائج "المرحلة الخطيرة التي يمر بها تاريخ العلاقات الدولية" 

لقد جاء في تقرير لـ"ساوث تشاينا مورنينغ بوست"، بعنوان "يجب أن تبقى الصين بعيدة عن الحرب" ما يؤكد على هذه التعددية ، يمكن للصين أن ترفع من مكانتها الدبلوماسية وأن تُظهر حسن النية للعالم، ولكن ليس من خلال الانضمام إلى الغرب لمواجهة روسيا بل من خلال تقديم مساعدات ضخمة وبرنامج قروض بدون فوائد .

و حرص الصين على بناء النهج المسالم واضح في كلمة وزير الخارجية الصيني عندما أكد على أن العلاقات الصينية الأوروبية مبنية على أساس الاحترام المتبادل ولدينا تعاون وثيق ، و 

للصين وروسيا شراكات استراتيجية وعلاقاتنا هي من الأكثر أهمية عالميًا . 

لقد عززت الحرب في أوكرانيا مفهوم الحرب الباردة ضد روسيا و الصين في ذات الوقت و نلاحظ ذلك في تقرير لـ"ذا دبلومات"، بعنوان "غزو ​​أوكرانيا: ما هي الدروس التي تتعلمها الصين؟":

كانت التصريحات العلنية لبكين غامضة؛ حيث أعربت عن تفهم المخاوف الأمنية لروسيا، وامتنعت عن وصف العمل العسكري بأنه "غزو" .

و بدافع الحاجة إلى مواجهة الولايات المتحدة بشكل مشترك، اختارت الصين تشكيل تحالف استراتيجي مع روسيا .

وضع الغزو الروسي "بوتين" في دائرة الضوء القاسية للرأي العام الدولي؛ ما خفف من المشكلة الدبلوماسية المتمثلة في اعتبار الصين أكبر تهديد للعالم الديمقراطي في السنوات الأخيرة.

روسيا و الصين لا تقبلان بعد الآن أن تعيشا على هامش العالم فهما قوتان مؤثرتان لا يستهان بهما في رسم خارطة العلاقات الدولية .

هذا ما ركز عليه بوتين خلال محادثات افتراضية مع نظيره الصيني :

التنسيق الروسي الصيني على الساحة الدولية أصبح عاملًا للاستقرار في العالم ، و العلاقة بينهما نموذج حقيقي يحتذى به في القرن الحادي والعشرين . 

لكن أميركا لا زالت ماضية في أحاديتها و لا تقبل بالتنازل لصالح التعددية وهي بالمرصاد أمامهما و هذه خلاصة تقرير مجلة  "ذا ناشونال إنترست"، بعنوان "لماذا تدفع أمريكا روسيا والصين معًا؟":

يمكن للدبلوماسية الأمريكية أن تمنع الصين وروسيا من التقرب من بعضهما البعض ، و هما 

تعملان معًا بطريقة أكثر تضافرًا لمعارضة الموقف العالمي للولايات المتحدة . 

الصين.. و الانفتاح 

ما هو السبب الرئيس لتبوء الصين المكانة الإقتصادية الراهنة، خلال ثلاثة عقود مضت من هذا التطور الذي أذهل خبراء الإقتصاد وعلماء المستقبليات.

وقد كانت تعاني من قبل تحديات عدم توافر الموارد اللازمة لتلبية احتياجات قرابة مليار ونصف مليار نسمة، ، وهي المعروفة  بسياسة الطفل الواحد وسمي في علم الإجتماع والسكان  لاحقا ب ' الطفل القنبلة ' ، حتى أطلقت سراح الطفل ' الثاني ' في العام 2015 ، استدراكا للحاجة الماسة إليه وكأنه ماسة .

فالصين لم تعد حمراء، فهي تبحث لمستقبلها عن ألوان خضراء ومستدامة كحال الدول المتقدمة في اقتصادها، وقد تحولت من صناعة التقليد إلى صناعة الإبتكار بالأصالة، وليس بالنيابة عن أحد في الدول الصناعية المعروفة وخاصة السبع الكبار.

لقد ارتفع دخل الفرد في الصين من حافة ال 40 دولار في السنة إلى سعة ورغد ال 8000 دولار في العام 2015 وهي بذلك انتشلت الملايين من وهدة الفقر والعوز.

وفي خارج عالمها، وفرت حوالي 13 مليون فرصة عمل للآخرين، ولم يتحقق لها ذلك باعتراف أحد خبراء الداخل الصيني، إلا باعتماد مبدأ سمي ب ' إصلاح الصين بالإنفتاح '

من بعد ذلك فأينما توجهت ترى ماركة ' صنع في الصين، و في رحلة بحث قصيرة خلال الشبكة العنكبوتية تكتشف موقعا لبيع كل ما يدور في خلدك من السلع والمنتجات الصينية وهو الأكبر على مستوى العالم ، يباع من خلاله قرابة مليار بضاعة ، يمكن لأي شخص التعامل معها والتفاعل كيفما شاء ، للقيام بشراء متطلباته ابتداء من حليب ' الأمهات ' الطازج ، إلى الطائرات بدون طيار ' الدرون ' .

نلفت النظر إلى نظرية إصلاح الإقتصاد بالإنفتاح، مقابل بعض الدول الملاصقة للصين التي تعتاش على الإنغلاق منذ عقود ولم تع الدرس الصيني وعلى رأسها كوريا الشمالية.

فالأداة الإقتصادية التي تعاملت بها الصين، مع كافة دول العالم رغم اختلاف توجهاتها السياسية  للكثير منها، إلا أنها بالإقتصاد العابر لحدودها، ملتزمة بالإنفتاح على الآخر المختلف ، وهو بمثابة العامل الجوهري لنجاحها ، خاصة في أفريقيا التي تعد المصدر  الرئيس لإمدادها بالموارد الفقيرة في باطنها.

دخلنا أحد المراكز التجارية في أستراليا للتسوق فراعنا أسعارها الموغلة في الغلاء، وخاصة عندما ألقينا نظرة عابرة على بلد الصناعة فكانت المفاجأة بأن كلها من صنع الصين

فبسؤال المشرف على المبيعات، أكد لنا هذه الحقيقة وأن هذه السلع صينية ولكن بمواصفات أسترالية ، لذا أسعارها عالية نسبيا مقارنة ببضائع الدول الإخرى.

بالإنفتاح قادت الصين نهضتها الحديثة وحازت في خزائنها معظم دولارات أميركا التي تخوض معها اليوم معركة الضرائب التجارية بحمائية لم نشهدها من قبل.

ومع ذلك ، الصين ماضية في طريق من الحرير تعيد من خلاله بناء شبكة تجارية  تلف بها العالم كما يلف سورها العظيم الكرة الأرضية مرتين ، وقد دفعت القسط الأول بمقدار 200 مليار دولار لتقوم بتوحيد أكثر من 60 دولة بالإقتصاد بعد أن فرقتهم السياسة والأيديولوجيات. 

الصين .. و حجر تايوان !

هل تعود تايوان للصين كما عادت هونج كونج في العام 1997, كأحد نتائج الغزو الروسي لأوكرانيا أم أنها ستبقى الحجر الذي يعرقل حركة طريق الحرير حول العالم  ؟ 

ظروف عودة الابنة هونج كونج إلى  الصين الأم مختلفة عن اليوم ، فقد كانت طريقة عودتها سلسة ، لأنها جاءت في فترة تخلت بريطانيا عن مستعمراتها ، و ليس شيئا من ذلك حاصل الآن . 

أما اليوم ، فالغموض هو سيد الموقف ،  لقد ذهب ديفيد جيتر، في مقاله بمجلة "ذا دبلومات"، في هذا الاتجاه عندما أشار إلى أن : الرد الضعيف من جانب الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا سيشجع الرئيس الصيني على القيام بالسيطرة العسكرية على الجزيرة ، لأن جذور الغموض الاستراتيجي موجودة في قانون العلاقات مع تايوان لعام 1979، والذي ينص على أن الولايات المتحدة ستحتفظ بالقدرة على الدفاع عن تايوان ولكنها لا تحدد ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتدخل عسكريًا أم لا !

و قد سمح هذا الغموض الاستراتيجي للولايات المتحدة بحماية علاقاتها الطبيعية مع الصين. كما ساعد في منع قادة تايوان الأكثر ميلًا إلى الاستقلال من افتراض أن واشنطن ستتدخل عسكريًا في حالة الاستقلال . 

المقارنة بين روسيا و الصين هنا قد تكون  غير دقيقة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار سلوك روسيا العسكري و السياسي منذ غزو الإتحاد السوفييتي لأفغانستان و جورجيا و الشيشان و ضم جزيرة القرم حتى حانت ساعة أوكرانيا  .

طوال تلك السنوات لم تتحرك الصين باتجاه أي دولة بينها حدود جيوسياسية ، بمعنى أنها لم تستغل هذه الظروف لممارسة سلوك " الغزو " ، لأنها آثرت " الغزو " الاقتصادي لقارات العالم ، بدل الغرق في المستنقع العسكري الذي يكتنفه الغموض أكثر من أي مجال آخر ، خاصة إذا كان الحسم غامضا و الكوارث واضحة ، مثال أوكرانيا التي خسرت حتى الآن أكثر من 600 مليار دولار ، هذا من غير خسائرها في المجالات الأخرى . 

 إذا ، ما هي استراتيجية الصين مع تايوان ؟ من الواضح أنها مصرة على استعادتها  ، و لكن ليس بأي ثمن ،  أي أنها لن تخوض حرب طاحنة لاسترجاعها عنوة ، بل عبر القنوات السياسية و الدبلوماسية ، لأنها لم تقطع العلاقة معها في أي وقت . 

الهدف الرئيس للصين ، عودة تايوان تحت جناحيها ، و تقبل بالحكم الذاتي و التعايش معها بنظامين سياسيين . 

هذه المرونة تعطيها حرية الحركة في محيطها و تخفف عنها حدة الضغوط الغربية في المحافل الدولية .