أحمد الراجحي يكتب: التعدين وحل الأزمة
تابعنا جميعا المؤتمر الصحفى العالمي للسيد رئيس مجلس الوزراء، وما تضمنه من شرحًا وافيًا للحالة الاقتصادية المصرية الراهنة وخطة الدولة المصرية اقتصاديا واستثماريا، خلال السنوات القليلة القادمة، بما سوف تتضمنه من توسيع لقاعدة الملكية فى الأصول الإنتاجية المملوكة للدولة، وجهود الحكومة لرفع حصة القطاع الخاص فى الناتج المحلي لمصر؛ فبدلا من طرح أدوات دين محلية أو خارجية يكون لزاما التشجيع على الاستثمار المباشر.
وأهمية الاستثمار الأجنبي المباشر تعني تدفق رأس المال للتصدير، والذى يختلف تماما عند تدفق رأس المال للتمويل والإقراض والذي فى غالبيته يكون قصير الأجل “الأموال الساخنة”، وهو السبيل الوحيد للحل الدائم للأزمة الاقتصادية المصرية؛ فإذا نظرنا إلى على قطاع التعدين على سبيل المثال، سنجد أن وفرة التدفقات الاجنبيه أهم مزايا الاستثمار التعديني؛ فهو قطاع ذا بنية أساسية ذاتية.
من المزايا المهمة للغاية والتي تتسق مع اللحظة الراهنة، أن شركات التعدين تقوم بإنشاء البنية الأساسية لمشروعاتها عند تحقق الجدوى الاقتصادية، مما يؤدى بشكل مباشر لانخفاض الانفاق الاستثماري الحكومى، ما يؤدى إلى انخفاض عجز الموازنة العامة.
وفى ظل مناخ استثماري جاذب ومشجع، فإن أى استثمار أجنبي يُفضل إعادة استثمار الأرباح داخليا دون اللجوء لتحويلها لوطنه الأم؛ فالتعدين قادر على بناء الاقتصاد المصري ليكون من أقوي اقتصادات العالم والقضاء على البطالة، ويكفى أن نقول إن قطاع التعدين يساهم فى الناتج المحلى للصين بما يزيد عن 626 مليار دولار، وفي أستراليا بلغ 275 مليار، وفي روسيا 91 مليار، وفي الولايات المتحدة وصل 98 مليار دولار، وبينما مصر دولة مؤهلة بما تملكه من شواهد جيولوجية إن تم استغلالها بشكل كفء لتصبح مركزا عالميا للتعدين، بشرط إعادة النظر فى قانون التعدين.
ولا يخفي على أحد أن قانون التعدين يحتاج إلى أن يكون ملائم لرغبة جادة فى جلب الشركات العالمية؛ فالقانون الحالي رغم ما تضمنه من نقلة نوعية مقارنة بالقانون القديم، حيث ولأول مرة تم إلغاء نظام المشاركة فى الإنتاج أو الأرباح واستبدله بنظام الإتاوة والإيجار والضرائب، لكن يحتم علينا أن نقول إنه لا يزال يفتقد للتنافسية.
فمثلا عدم وجود ضمانات للمستثمر لتجديد فترة الاستكشاف بعد أول مدة، وهي ضمانات للحصول على اتفاقية الاستغلال وشروطه بعد انفاق الشركة لعشرات وربما مئات الملايين، كما أن القول بأن مدة الامتياز تكون 15 أو حتي 30 عاما غير كافية؛ فالاستثمار يجب أن يستمر ما دام توفر الخام.
نحن نرى وبدون أى مبالغات أن التعدين قادر على ضح من 70 إلى 80 مليار دولار سنويا فى الاقتصاد المصري، بشرط أن يكون دور الهيئة العامة للثروة المعدنية الأساسي هو إنتاج الدراسات العلمية وتوفير قاعدة بيانات محدثة دوما، لاثبات أن مصر دولة مؤهلة للبحث عن الثروات التعدينية ما يساعد علي جذب المستثمرين، فلا يجب أن يكون دورها مقاول، خصوصا أننا نملك فى مصر قصة نجاح لمنجم السكري الذى نجح فى تحسين موقف مصر و تقليل Country risk الخاص بمصر فى أوساط الاستثمار التعديني من استحالة الاستثمار فيها مهما كانت الامتيازات إلى دولة يمكن الاستثمار فيها بشروط.
يجب الأخذ فى الاعتبار أن بعض المعادن لاتظهر على سطح الأرض، وليس كل ما يظهر اقتصاديا؛ فالمشروع التعدينى يقوم على فكرة بناها الباحث التعديني عبر سنوات من الخبرة المتراكمة فى أماكن عديدة حول العالم، وهي ببساطة أسرار المهنة، فالمستثمر يرغب فى البحث عن معدن معين فى مكان معين بتركيبه جيولوجية معينة، ولا يحتاج لمن يفرض عليه المعدن أو المكان كما هو الحال حاليا، لأن القطاع الخاص هو القادر على تحمل المخاطر والقادر على الاكتشاف والتنمية والإنتاج، ويجب أن يقتصر دور الدولة على الناحية التنظيمية فقط.
لا يجب أن يكون ذلك إلا بالحرص علي شفافية القانون بأن يضمن الأولوية للمتقدم، ويحدد واجبات وإلتزامات المستثمر بوضوح وحزم ولا يسمح بأى استثناءات، وأن يكون التحويل من رخص استكشاف لرخص استغلال تلقائيا، وأن ننتبه لمعادلة هامة وهى أن تقييم المشروع يكون بمدي إضافته للناتج المحلى الإجمالي.
بكل وضوح، إن توفير فرص عمل مشروع يضيف للناتج المحلى 100 مليون ونسبة الدولة 10 % أفضل من مشروع إضافته 50 مليون ونسبة الدولة 50%….
(( عدم فهم هذه المعادلة هي سبب الأزمة وربما تكون الأزمة نفسها ))