الأحد 22 ديسمبر 2024

دكتور عبد الله العوضي يكتب:مصر..نبض الحياه

باور بريس

في أسفاري أحب أن أكون في المدن الحية ، و التي لا تنام حتى إذا انطفأت عنها الأنوار لأي ظرف كان .
مررنا في الحارة التي تؤدي إلى سيدنا الحسين ، توقفنا برهة عند مجموعة من الناس تطرب المارين طوعا .
ثم تحركنا لتناول شاي كشري من بين الزقاق حتى منتصف الليل ، و أثناء العودة مررنا بذات المكان الذي سمعنا فيه الطرب الجميل على أوتار العود العربي الأصيل ، و قد خيم الظلام على المغنين و لكنهم رغم ذلك مستمرين في إدخال السعادة على قلوب المارين .
انشغلنا فجأة بتوديع بعض أعضاء الوفد الإعلامي ممن استدعى مغادرتهم في وقت مبكر من الفجر ، ثم تحركنا مع البقية لاستكمال برنامجنا الترفيهي الحر .
و نحن في طريقنا لقضاء سهرة " نيلية " على ظهر  أحد المراكب المعروفة ، تذكرت بأني قد نسيت الكتب التي اشتريتها من مكتبة مدبولي تحت طاولة الشاي ، فقرر السائق العودة ، فقلت له لا تفعل فإن الكتب في مأمن  لن ياخذها أحد ، و هذا هو السر الذي جعل بعض الدول الغربية تنشئ مكتبات على قارعة الطريق ، بدون تواجد  عامل ، أي بمعنى أمين مكتبة أمناء كما هو دارج .
بعد قضاء سهرة ممتعة ، عدنا أدراجنا إلى حيث المقهى الذي نسينا فيها الكتب ، فإذا هي كاملة غير منقوصة فقلنا " ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين " على أنفسكم أولا ثم على متاعكم  و مُتعكم  . 
و من الأمسيات التي لن تنسى في منتجع " ريكسوس " بالغردقة ، تناول وجبة العشاء في المطعم البرازيلي الذي قدم لنا كل أنواع اللحوم بنكهات مختلفة ، حتى أن أحد أعضاء الوفد علق قائلا : لقد أصبت بالتخمة و لكننا مستمرين من لذة الطعام .
فعلقت قائلا : ما تفعله يتطابق تماما مع نظرية امتداد شهوة البطن و لو كنت متخما .
و كانت المفاجأة السارة عندما دخل العاملين إلى المطعم و هم يصفقون و يغنون و يحملون بين أيديهم كعكة عيد ميلاد لم نكن نعرف لمن ، حتى اقتربوا من إحدى الزميلات ، فكأننا جميعا ولدنا في تلك الليلة ، هذا الشعور ألقى على الجميع ظلالا من السعادة و الحيوية ، بأن الحاضر و القادم أحلى ، هذا و قد امتد بنا السمر و السهر على أنغام الفن البرازيلي الأصيل . 
من لا يملك الوقت لزيارة كل معالم مصر ، ففي الغردقة تختصر المسافات و توفر الأوقات ، بمجرد دخولك حديقة " مِني مصر " تكون مصر كلها أمام ناظريك و بين يديك .
لقد بنى القائمون على هذا الصرح المميز مجسمات لكل المعالم و الآثار المشهورة بمصر في مساحة ساعتين ، فالأهرامات  شاخصة أمام الزائر بحجم 1 / 25 من حجمها الطبيعي و هذا المقاس الهندسي تم اعتماده مع كل المعالم  تباعا  ،  من الأزهر الشريف ، برج القاهرة ، قناة السويس ، نهر النيل .. ألخ . 
و في اليوم الثاني من برنامج الندوات ، كان الحديث مفعما عن الإعلام السياحي و أهميته في رفد الاقتصاد و تقارب الشعوب .
و كان ضمن توصياتي في الندوة  أن تبادر مصر بتوسعة دائرة " مِني مصر " إلى " مِني عرب " . 
بل يمكن أن تضم كذلك مع الأيام "مِني العالم الإسلامي " و أيضا العوالم التي أصبحت قرية عالمية . 
و هي عملية مكملة لتأصيل التعايش بين شعوب الأرض و تدخل في تكامل الحضارات الإنسانية و عرضها وفق أدوات العصر في ساحة كبرى تقرب القاصي و تحضن الداني .
أينما ذهبت و مع من تحدثت ، تجد أمامك من يسمعك نبضا للحياة  في المجتمع ، من دون تكلف و لا تصنع  ، فالفطرة الصافية و النقية هي الغالبة في جميع المواقف ، الوحشة ليس لها مكان من الإعراب  ، فالوحدة لا تجد لها طريقا للعبور ، فهي تختفي عن قارعة الطريق .