الخميس 24 أبريل 2025

السفير مصطفي الشربيني يكتب : وقود ذهبي من المخلفات الخضراء... ثورة الإيثانول الحيوي من قش الأرز

السفير مصطفي الشربيني
السفير مصطفي الشربيني


تحويل قش الأرز إلى وقود سائل يمثل أحد الحلول الابتكارية والواعدة ضمن استراتيجيات التحول نحو الطاقة المتجددة والحد من الانبعاثات الكربونية ويُعد قش الأرز من المخلفات الزراعية الوفيرة في الدول المنتجة للأرز مثل مصر والهند وبنغلاديش حيث يُقدر إنتاج مصر وحدها من قش الأرز سنويًا بملايين الأطنان والتي غالبًا ما يتم حرقها في الحقول مسببة تلوثًا بيئيًا خطيرًا يُعرف بالسحابة السوداء لكن الاتجاه الجديد نحو استخدام هذه المخلفات في إنتاج الإيثانول الحيوي يفتح آفاقًا واعدة للاقتصاد الأخضر

يعتمد تحويل قش الأرز إلى إيثانول على عمليات بيولوجية وكيميائية متقدمة تبدأ بجمع القش وتنظيفه وتجفيفه ثم مروره بمرحلة ما قبل المعالجة مثل التقطيع والمعالجة القلوية لفك الروابط بين اللجنين والسليلوز ثم يتم تكسير السليلوز إلى سكريات بسيطة باستخدام إنزيمات معينة مثل السيليولاز ليتم بعد ذلك تخمير السكريات باستخدام خمائر مثل خميرة السكاروميسيس سيريفيسيا لإنتاج الإيثانول الحيوي

وبعد التخمير تأتي مرحلة التقطير لاستخلاص الإيثانول النقي الذي يمكن استخدامه كوقود بديل للسيارات أو مزجه مع البنزين لتقليل الانبعاثات وتوفر هذه العملية عدة فوائد منها تقليل الحرق العشوائي وتحسين جودة الهواء وتوفير فرص عمل ريفية وتحقيق قيمة اقتصادية من المخلفات الزراعية وتساهم كذلك في تحقيق أهداف التنمية المستدامة مثل الهدف السابع المتعلق بالطاقة النظيفة والهدف الثالث عشر المتعلق بالعمل المناخي

لكن هذا التحول يتطلب توافر بنية تحتية مناسبة واستثمارات في تقنيات المعالجة والتقطير إلى جانب السياسات المشجعة من قبل الدولة مثل الحوافز الضريبية والدعم الفني للمزارعين ومن الجدير بالذكر أن هناك تجارب رائدة في هذا المجال مثل مبادرة بعض الجامعات والمراكز البحثية المصرية لتطوير وحدات إنتاج إيثانول من قش الأرز باستخدام تقنيات منخفضة التكلفة

وقد أظهرت التجارب الميدانية أن الطن الواحد من قش الأرز يمكن أن ينتج نحو ٢٢٠ لترا من الإيثانول الحيوي وفقًا لكفاءة التخمير المستخدمة كما أن استخدام هذا الوقود لا يتطلب تغييرات كبيرة في محركات السيارات مما يسهل من اعتماده على نطاق واسع ويُشكل هذا الحل حلقة وصل بين قطاع الزراعة والطاقة ويعزز الاقتصاد الدائري

يتم إعادة استخدام المخلفات الزراعية في دورة إنتاج مستدامة تقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري وتقلل من الانبعاثات الكربونية والميثانية الناتجة عن تحلل القش في الحقول ومن التحديات التي تواجه هذا المسار صعوبة جمع القش من الحقول وتخزينه دون تدهور إضافة إلى الحاجة لأنظمة نقل فعالة من مواقع الإنتاج إلى وحدات المعالجة

تكلفة الإنزيمات المستخدمة تمثل تحديًا اقتصاديا يتطلب تطوير إنزيمات محلية أو تحسين كفاءة التخمير ومن المتوقع أن تلعب التقنيات الحيوية الحديثة مثل التعديل الوراثي للميكروبات دورًا مهمًا في تحسين مردود إنتاج الإيثانول وخفض التكاليف ويجدر الإشارة إلى أن هذا المسار يُعد أكثر استدامة من إنتاج الوقود الحيوي من المحاصيل الغذائية لأنه لا يؤثر على الأمن الغذائي ولا يستهلك أراضٍ زراعية إضافية مما يعزز من قبوله البيئي والاجتماعي

يُعتبر إدماج المجتمعات المحلية والمزارعين عنصرًا حيويًا في نجاح هذا النموذج حيث يمكن إشراكهم في مراحل الجمع والمعالجة مما يرفع من مستوى الدخل المحلي ويقلل من معدلات الفقر الريفي وعلى المستوى الإقليمي يمكن لمصر والدول العربية التعاون في إنشاء مراكز إقليمية لتحويل المخلفات الزراعية إلى وقود حيوي وتبادل الخبرات والدعم الفني والتمويلي بما يعزز من الأمن الطاقوي العربي ويقلل من التبعية للوقود الأحفوري المستورد ومن الضروري أيضًا إدماج هذا التوجه ضمن السياسات الوطنية للطاقة وتحديث استراتيجيات الطاقة المتجددة بما يتماشى مع التزامات اتفاقية باريس للمناخ وتوصيات القمم المناخية العالمية مثل قمة شرم الشيخ للمناخ COP27 وقمة دبي COP28 وأخيرًا فإن استغلال قش الأرز في إنتاج الإيثانول الحيوي يمثل فرصة استراتيجية لتحقيق الأمن البيئي والطاقة المستدامة والتنمية الريفية المتكاملة ويتطلب تضافر جهود الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني والجامعات لتوفير إطار تنفيذي فعّال ومستدام لهذه المبادرة الحيوية