دكتور عبد الله العوضي يكتب:غزة.. إياكم و التهجير الناعم ؟!

الحرب لم تستطع فعل التهجير و هو الهدف الرئيس الذي لم يتحقق رغم الدمار الذي لم نجد له سابقة ، لكنه سبق غيره في الميدان .
وقف اطلاق النار ، عند إسرائيل لا يعني وقف الحرب و هو ما تصر عليه ، و منذ هذا الوقف ، أطلقت صيحات هجير التهجير ، الأشد من الحرب التي أوجعتها في الصميم ما لم يوجعها شيء منذ التأسيس
ما لم تستطع إسرائيل تحقيقه طوال فترة الحرب ، كيف لها أن تصر على التهجير في مرحلة ما بعد الحرب ؟!
تداعيات .. أمنية!
تتحدث إسرائيل و كأن " التهجير " واقع لا محال ، اليوم أو غدا ، فهي
تبحث أمنيًا إمكانية خروج سكان غزة عبر ميناء أسدود ومطار رامون ( يديعوت أحرونوت- 7 / 2 2025 ) , رغم أن مسؤولا كبيرا مسؤول كبير بالجيش حذر من التداعيات الأمنية بعد تصريحات ترامب بخصوص نقل سكان غزة ( القناة 13 الإسرائيلية - 7 / 2 / 2025 ) و مسؤولين آخرين يقولون : إن احتمال موافقة كبار قادة حماس على مغادرة غزة منخفض للغاية وهو ما قد يؤدي إلى استئناف الحرب لأشهر طويلة ( أكسيوس - 7 / 2 / 2025 )
ما الفائدة إذا من العودة إلى الحرب رغم الجهود المضنية التي بذلت من أجل صفقة الرهان ، أليس هذا من العبث ؟!
غزة .. " صفقة عقارية " !
و الأكثر عبثية هو في تصريحات ترامب الذي لم يكمل في ولايته أسابيع قليلة عندما صرح بأننا :
لن نحتاج لنشر جنود أميركيين في غزة، ولن نمول استثمارات في القطاع ، و لا داعي للاستعجال في خطة غزة، ونريد أن نرى استقرارًا طويل الأمد في الشرق الأوسط
و ننظر إلى غزة كـ"صفقة عقارية"، وسنكون مستثمرين في المنطقة ( البيت الأبيض- 7 / 2 / 2025 )
هل رأيتم مأساة شعب تتحول لدى أميركا إلى " صفقة عقارية " تتبادل منافعها كبرى شركات المقالات في العالم ؟!
هل هناك استهتار أكبر بمصير شعب ضحى بقرابة خمسين ألف شهيد من أجل شراء حريته و بناء دولته التي تتغنى بها الأمم من حوله منذ أكثر من سبعة عقود عجاف و أُخر يابسات ؟!
أصحاب الأرض يعولون على العرب و المسلمين للوقوف ضد هكذا مشاريع ، و هو ما صرحت به " حماس " : الموقف الفلسطيني موحد ضد مشروع "ترامب" و"نتنياهو" بتهجير شعبنا وهو مسنود بموقف عربي وإسلامي وعالمي .
الرفض .. الصامد
وقد صرحت الخارجية المصرية قولها بأن : مصر تكثف اتصالاتها مع الدول العربية للتأكيد على رفض أية إجراءات تستهدف تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه ( 7 / 2 / 2025 )
و تبع ذلك موقف جامعة الدول العربية التي صرحت قولها بأن :
ثوابت القضية الفلسطينية تبقى محل إجماع عربي كامل لا يرقى إليه التشكيك ، و أهمها حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة ، و أن طرح "ترامب" ينطوي على ترويج سيناريو تهجير الفلسطينيين المرفوض عربيًا ودوليًا، ومخالف للقانون الدولي، ويمثل وصفة لانعدام الاستقرار ( 5 / 2 / 2025 )
أعرب وزير الخارجية البحريني عن دعم المملكة لعقد قمة عربية طارئة في القاهرة، مؤكدًا أهمية المشاورات السياسية بين الدول العربية لوقف التصعيد في غزة، واستمرار الدعم للقضية الفلسطينية، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وفقًا للقرارات الدولية ومبادرة السلام العربية ( وكالة الأنباء البحرينية - 7 / 2 / 2025 )
فرض .. التهجير؟!
ننتقل إلى ثلاث مستويات سياسية مهمة تناقش فرض التهجير على أساس أنه الطريق نحو السلام الحالم ؟!
المستوى الأعلى عند " نتنياهو " الخبر اليقين : لا حاجة لقوات أميركية في غزة لتنفيذ مقترح "ترامب" ( أيه بي سي نيوز - 6 / 2 / 2025 )
المستوى الثاني المتشكك لدى
وزير الخارجية الإسرائيلي: إسرائيل ليست لديها تفاصيل حتى الآن بشأن خطة الرئيس الأميركي بشأن غزة
أما المستوى المتشدد في التطرف ، فهو لم يخرج من يد
" سموتريتش" بعد .
إخراج الفلسطينيين من غزة هو الحل الوحيد الذي سيجلب السلام والأمن لإسرائيل ( يديعوت أحرونوت - 6 / 2 / 2025 )
هذه المستويات الثلاثة من الطرح ، يمثل إحراجا كبيرا للسلطة أولا ، فلا حول لها في الضفة ، فكيف لها وجه في غزة !
المستفيد الوحيد من هذا التلاعب بالعالم إسرائيل في ظل عدم طرح بدائل بالمقابل ؟!
عرفات .. السلام خدعة ؟!
المقاومة الجهة الوحيدة التي ترفع صوتها و سوطها في هذه المواقف التي يراد من خلالها فرض أجندات سياسية غامضة ، تتوه القضية الفلسطينية برمتها بين ثناياها ؟!
تقول " حماس " المتصدرة لمشهد الأحداث منذ ثمانينيات القرن الماضي ، و كانت " فتح " من قبلها على ذات نهج المقاومة ، حتى رمي عرفات رحمه الله " المسدس " من معادلة الصراع ، و رفع بدلا منه " غصن الزيتون " الذي تقوم اسرائيل بحرق شجرته منذ أكثر من سبعة عقود عقوبة العقوق لها ، و بعد فترة " اوسلو " اعترف عرفات قبل موته بأنه " خُدع " في مشروع السلام ، و لا زال نهر " الخداع " يجري بين يدي طلاب السلام وفق النسخة الإسرائيلية ؟!
حماس تعبر عن هذا الموقف بقولها أن : تصريحات "ترامب" مرفوضة قطعًا وغزة لأهلها ولن يغادروها ، و نطالب بعقد قمة عربية طارئة لمواجهة مشروع التهجير ، لأن حديث "ترامب" عن استلام "واشنطن" قطاع غزة بمثابة إرادة معلنة لاحتلال القطاع ، و لا نحتاج لأي دولة لتسيير قطاع غزة ولا نقبل استبدال احتلال بآخر ( 6 / 2 / 2025 )
مصر .. رسائل تطمين !
إسرائيل بكل صفاقة ، تخترق بنود معاهدة السلام مع مصر ، و في نفس الوقت ، تلقت " القاهرة
رسالة من إسرائيل تؤكد التزام "تل أبيب" باتفاقية السلام ، و لكن مصر كذلك حذرت إسرائيل من وضع قيود على عودة الفلسطينيين بعد العلاج بـ"القاهرة" و أكدت لفريق "ترامب" رفضها لأيّ عمليات تهجير من غزة ، و من ناحية أخرى، تلقت " القاهرة" رسائل من أميركا بأن "واشنطن" لا تنوي الصدام معها أو مع الدول العربية ( العربية - 8 / 2 / 2025 )
ترى ما الهدف من كل رسائل " التطمين " التي أرسلت إلى مصر في هذا التوقيت ، و خاصة، بعد أن حمي وطيس " التهجير " و بعد شهور من حرق غزة على رؤوس الأشهاد و الأموات؟!
لماذا إسرائيل تعلق مصيرها بوجود " حماس " شوكة في حلقها ، مع تواجد فصائل معارضة و مقاومة أخرى في كل أنحاء فلسطين الكبرى ؟!
اسرائيل.. للخلف در !
عندما تعود إسرائيل إلى الخلف و إلى عهد ما قبل الاحتلال، سوف تشعر بالأمان الحقيقي و لا تحتاج حينئذ إلى القبة الحديدية و لا إلى الإلكترونية التي لم تنفعها في السابع من أكتوبر 2023 ، عندما تحميها فلسطين دون أن تقتحمها ستكون آمنة مطمئنة يأتيها النوم حتى قرة عينيها، أما بالاحتلال ، فإنا لم نسمع من بعيد و لا من قريب بأن المحتل يهنأ باغتصابه ما لا يملكه و لو بعد حين؟!
فصراخ السفير الإسرائيلي بالأمم المتحدة بأنه : لا مستقبل للشعب الإسرائيلي ما دامت "حماس" في السلطة ( فوكس نيوز - 9 / 2 / 2025 ) ، في مكانه ، نعم قد تنتهي " حماس " كحركة مقاومة ، و لكن فكرة المقامة ذاتها تنتقل عير الأجيال حتى زوال الإحتلال، و هذا من حِكم ستالين و نابليون و آخرين احتلوا الكرة الأرضية في يوم ما و لكنهم اليوم يعيشون في جزر معزولة و منها بريطانيا و غيرها؟!
ليست المقاومة هي الوحيدة في الميدان ترفض التهجير، بل حتى الفكرة ذاتها منبوذة ، لدى الساسة الآخرين في الغرب قبل الشرق !
ليسوا.. دخلاء
الخارجية السعودية ، تنضم إلى الشقيقة الكبرى في الرفض التام ل " التهجير " قسريه و ناعمه ،
المملكة تثمن ما أعلنته الدول الشقيقة من رفض تام حيال ما صرح به "نتنياهو" بشأن تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه .
السعودية تؤكد رفضها القاطع لتصريحات "نتنياهو" وتعتبر أنها تستهدف صرف النظر عن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل تجاه الفلسطينيين في غزة ، و الشعب الفلسطيني صاحب حق في أرضه وليسوا دخلاء عليها أو مهاجرين إليها يمكن طردهم ( 9 / 2 / 2025 )
السلطة الفلسطينية ألقت بنفسها وراء الموقف السعودى المتقدم عليها بخطوة سياسية واضحة من " التهجير "
و لكن " هجير " سياسة السلطة الفلسطينية تحرق غزة من جديد بسبب عدم قدرتها على تحقيق الوحدة الوطنية مع الفصائل التي تحمل السلاح المادي و الفكري والسياسي المختلف عن السلطة التي يقع على عاتقها تحقيق أهداف السلام المنشود، حتى ساعة إعلان الدولة الفلسطينية التي تحتضن الجميع على قدم المساواة؟!
هذا الموقف صرح به مستشار الرئيس الفلسطيني قوله : إننا
نؤكد انحيازنا الكامل للموقف السعودي الصارم و القاطع وحجر زاوية ، أما تصريحات "نتنياهو" فإنها تتناقض مع الشرعية الدولية ، و هو لا يؤمن إلا بالغطرسة والاحتلال ( العربية - 9 / 2 / 2025 )
تنضم تركيا إلى رافضي " التهجير " كفكرة للنقاش ، فضلا عن تحويلها إلى واقع معاش ، هذا ما صرح به أردوغان قوله: نرفض كل دعوات تهجير الفلسطينيين من أراضيهم و كذلك المقترحات التي قدمتها الإدارة الأميركية بشأن "غزة" تحت ضغط الإدارة "الصهيونية" ليس فيها ما يستحق المناقشة ( 10 / 2 / 2025 )
واصلت الخارجية المصرية هذا الرفض القاطع للتهجير ، و وصفت
تصريحات "نتنياهو" بأنها تتضمن ادعاءات وتضليل متعمد ومرفوض يتنافى مع جهود مصر منذ بدء العدوان على "غزة" ، و رفضت
التصريحات التي تستهدف تهجير الشعب الفلسطيني إلى مصر أو الاردن أو السعودية ، و ندعم تمسك أبناء "غزة" بأرضهم رغم كل ما يتعرضون له من أهوال للدفاع عن قضيتهم العادلة والمشروعة ( 10 / 2 / 2025 )
و أضافت " حماس " بأن الفلسطينيين سيفسدون كل خطط التهجير ( 10 / 2 / 2025 ) ، و قد استنكرت تصريحات "ترامب" بشأن "شراء وامتلاك غزة" وهي تصريحات عبثية وتعكس جهلًا عميقًا بفلسطين والمنطقة ( 10 / 2 / 2025 )
أميركا.. متأخرة !
تاريخيا دخول أميركا على خط الصراع في المنطقة برمتها جاءت متأخرة ، و خاصة بعد تخلي بريطانيا عن امبراطوريتها الإستعمارية و تسليم مفاتيح الأزمات لها ، حتى الأزمات الداخلية في بريطانيا " الجزيرة " كما يطلق عليها بعض المعارضين منها و فيها .
الداخل الأميركي له صوت مختلف عن صدى الحكومة في شأن " التهجير " ، خطة " ترامب "بشأن «غزة» أحدثت ضررًا لا يُمكن إصلاحه ، اقتراح " ترامب " للاستيلاء على «غزة» من شأنه أن يُعطِّل تقريبًا كل أهداف السياسة الخارجية للإدارة الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط.
فكرة استيلاء الولايا المتحدة على الأراضي الفلسطينية قد يُسهم في تجديد شرعية وكلاء إيران في جميع أنحاء المنطقة، إن لم يؤدِّ إلى إشعال حرب إقليمية. يتناقض
اقتراح «ترامب مع الأولويات الإقليمية التي طرحها الرئيس في أجندته منذ ترشُّحِه للانتخابات؛ إذ قد يُغذّي جولةً أخرى من القتال في «غزة»، ويُعرِّض السلام الإسرائيلي مع مصر والأردن للخطر، ويعيد إيران بوصفها فاعلاً أمنيًا مهيمنًا.
كما أن من شأنه أن يمنح الصين وروسيا فرصةً لتنصيب نفسيهما حليفَين موثوقَين للمنطقة والجنوب العالمي، في مواجهة الاستعمار الأميركي الجديد.
( 10 /2 / 2025 ) تحليل تشام هاوس / أحمد أبودوح )
هذا الرأي أخذ في مدى استفادة الدول الكبرى و المناكفة للسياسات الأميركية في المنطقة ، و خاصة في شأن حرب غزة و العودة من جديد لطرح فكرة استعمار الدول ، و قد شرب عليها الدهر و شرب و تمضمض منه و لفظه ؟!
نظرية .. النملة و الفيل !
لكن لا زال صوت الداخل الفلسطيني أكثر قوة من السوط المهلهل الأميركي
هذا ما صرح به خليل الحية، القيادي في "حماس" قوله بأن : مشاريع الولايات و"ترامب" والغرب إلى زوال والشعب الفلسطيني سيفشل كل مخططات التهجير والترحيل ( 10 / 2 / 2025 )
هذا لا يعني بأن الضعيف لا يملك نقاط قوة أمام قوى الهيمنة ، في هذه المرحلة الحرجة من الصراع فإن النملة قد تتغلب على الفيل الأميركي في مواقع لا يخطر على البال ، و هذه من أبسط نظريات السياسة التي تدرس في أرقى الجامعات .
الفوز أيام معدودات، و لكن لا موت يمحو الفوز ، و لا حياة تمحو الهزيمة. لقد "انتصرت النملة " على " الفيل " ، حتى و إن كان انتصارا صغيرا، فبقعة الزيت تعكّر المياه حتى و لو كانت المياه أنهارا .
( المصدر : ص 74 / " رواية: القطائع ثلاثية ابن طولون / ريم بسيوني/ 2022 )
نظريات .. سياسية
في العام الدراسي 1976 - 1977 ،
و بجامعة " العين " درسنا مادة اختيارية في علم السياسة بعنوان " مدخل إلى السياسة " و قد وضعت أمامنا فرشة ثرية با القواعد الدولية التي تتحكم في السياسات حول العالم ، و ما يخص الدول العظمى المسيطرة على دفة الأمور في العالم أجمع ، على سبيل المثال لا الحصر ، قاعدة الغاية تبرر الوسيلة لمكيافيلي في المشهور " الأمير " أو نظرية فرق تسد لكيسنجر صاحب كتاب " انتهز الفرصة " ، أو " الضعيف يداس حتى يزداد ضعفا ، ليس في السياسة صديق حميم و لا عدو لدود ، بل مصلحة أو منفعة مشتركة .. الخ
مع تطور الحياة السياسية للمجتمعات البشرية ، من الطبيعي ان ينبت علم السياسة قواعد أخرى قد تكون أكثر ضررا و خطرا من كل النظريات أو المقولات السابقة
و مما استجد في اللحظة الراهنة ، من أحداث غزة التي ضحت بالغالي في كل جزئياتها ، مقال في الصميم وقع بين يدي ، وددت استحضاره لصلته بموضوعنا الأساسي ، بشيء من التصرف ، و يجيب على هذا التساؤل، هل يقدر ترامب على تهجير الفلسطينيين من الضفة وغزة؟
الإجابة الواضحة: لا ، لكن هل هذا يعني أن مجرد الحديث عن هذه الأفكار بلا تأثير؟ أيضًا لا.
تلاعب .. استراتيجي !
ما يفعله ترامب ونتنياهو ليس مجرد هراء سياسي، بل هو تلاعب استراتيجي محسوب يعتمد على خلق واقع وهمي بحيث تصبح الأفكار المستحيلة قابلة للنقاش، والمشاريع غير القابلة للتنفيذ تبدو وكأنها سيناريوهات مطروحة.
هذه ليست سياسة مرتجلة، بل أسلوب مدروس مستوحى من نظريات سياسية وإعلامية تستهدف إعادة تشكيل الوعي العام ودفع الخصوم إلى مواقع دفاعية بدلًا من إبقائهم في موقع الهجوم.
كيف نفهم خطابهم ؟!
أولًا : نظرية الدخان والمرايا Smoke and Mirrors: هدفها تحويل الوهم إلى حقيقة إعلامية ،
هذه الاستراتيجية تقوم على خلق ضجة إعلامية ضخمة حول شيء غير حقيقي، بهدف تشتيت الانتباه أو تحقيق أهداف غير معلنة ، كيف تُستخدم هنا؟ تكرار الحديث عن تهجير الفلسطينيين رغم استحالة تنفيذه، ليس لأن أحدًا يعتقد بإمكانية حدوثه، بل لجعل الناس يتعاملون معه كأمر مطروح للنقاش بدلًا من رفضه فورًا.
تحويل قضية فشل إسرائيل عسكريًا في غزة إلى نقاش حول (أين سيذهب الفلسطينيون؟) وكأن رحيلهم أمر محتوم والخلاف فقط على الوجهة!
جعل الدول المستهدفة (مصر، الأردن، دول الخليج) تبدو وكأنها في موقف المفاوض على صفقة ما ، بدلًا من كونها ترفض الفكرة من أساسها.
النتيجة؟ الجمهور يبدأ في التعامل مع التهجير كفكرة (مطروحة) بينما هي جريمة حرب مستحيلة التنفيذ.
الأطراف العربية والدولية تُجبر على إصدار تصريحات نفي وتوضيح، مما يجعلها في موقف دفاعي، ويمنح القصة مصداقية زائفة.
النقاش يتحول من (هل يجب وقف العدوان الإسرائيلي؟) إلى (ما البدائل المطروحة أمام الفلسطينيين؟) وهو بالضبط الهدف الحقيقي من هذا التضليل..
ثانيا : نظرية إغراق الساحة Flood the Zone: هدفها السيطرة عبر الفوضى الاستراتيجية ، تعتمد على إغراق الإعلام والرأي العام بوابل من التصريحات والقرارات، بغض النظر عن واقعيتها، بهدف السيطرة على السردية السياسية.
كيف يستخدمها ترامب ونتنياهو؟
ترامب يصدر تصريحات متكررة عن (خطط كبرى) كالتهجير، بناء الجدران، فرض عقوبات، حظر دول، رغم أنه يعلم أنها غير قابلة للتطبيق.
الهدف: إرباك الإعلام والمعارضين، بحيث يصبح من المستحيل الرد على كل تصريحاته أو كشف تناقضاته.
نتنياهو المحاصر سياسيًا بسبب فشل الحرب، يعتمد على إطلاق تهديدات ضخمة ومتكررة، ليس لأنه قادر على تنفيذها، بل لإبقاء الجميع في حالة (رد فعل) بدلًا من التركيز على جرائمه وإخفاقاته.
النتيجة؟ الإعلام والجمهور يجدان نفسيهما مضطرين لملاحقة التصريحات الجديدة، بدلًا من التركيز على الحقيقة الأساسية: إسرائيل فشلت عسكريًا، وترامب يناور إعلاميًا.
كلما زاد الضجيج، كلما أصبح من الأسهل تمرير القرارات الخطيرة وسط الفوضى.
ثالثا : نظرية السردية بالقوة Manufacturing Consent: هدفها؟ التكرار يصنع القبول
هذه الاستراتيجية تقوم على إعادة طرح الأفكار بشكل متكرر حتى تصبح مألوفة، وبالتالي أقل صدمة، وأكثر قبولًا بشكل غير مباشر.
كيف يحدث هذا؟ قبل أشهر كان الحديث عن تهجير الفلسطينيين بهذا الزخم لكن الآن، بسبب تكرار التصريحات، أصبح الأمر يناقش في وسائل الإعلام كأنه خيار ضمن عدة خيارات.
الأمر لا يتعلق فقط بالتكرار، بل بإغراق الساحة بنفس الفكرة من زوايا متعددة: تصريحات أميركية ، تهديدات إسرائيلية، تسريبات إعلامية، تحليلات استراتيجية، حتى يبدو وكأنه واقع لا مفر منه.
هذه الطريقة استُخدمت سابقًا في الحرب على العراق.. حيث تحول أسلحة الدمار الشامل من كذبة إلى ذريعة للحرب، بسبب التكرار المكثف.
النتيجة؟ يصبح (التهجير) فكرة مطروحة على الطاولة، حتى لو كان الرفض العربي والدولي لها قويًا.
يتحول النقاش من هل هذا ممكن؟ إلى ما هي الطريقة الأفضل لتنفيذه؟.. وهو بالضبط ما يسعى إليه ترامب ونتنياهو
الخلاصة: ما يحدث خطير جدًا، لكنه ليس سببًا للذعر، بل سبب لموقف صارم وحازم يرفض حتى التعامل مع هذه الأفكار كنقاش مشروع.
الخطر الأكبر ليس في قدرة ترامب ونتنياهو على تنفيذ مخططاتهم، بل في قدرتهم على جعل الناس يتعاملون معها كأمر ممكن.
المطلوب ليس فقط رفض الفكرة، بل رفض حتى الحديث عنها كخيار سياسي.
عدم الوقوع في فخاخ التصريحات المتضاربة والمناورات الإعلامية، والتركيز على الحقيقة الأساسية: كل هذا مجرد خدعة لحرف الأنظار عن فشل الاحتلال وخلق ضغوط سياسية زائفة.
تذكروا بأن التهديدات ليست خططًا، بل أوراق ضغط. ما يريده ترامب ونتنياهو هو تحويل المستحيل إلى احتمالات وهذا ما يجب محاربته بكشف التلاعب الإعلامي. ( مُنى حوّا - تويتر - 5 / 2 / 2025 )
أخطر .. الخلافات !
ما الغاية من طرح مشروع ترامب عن غزة " صفقة عقارية ، في الوقت الذي لم يتم الإنتهاء من المرحلة الأولى في " صفقة الرهائن " ؟!
الخلاف الأخير بخصوص صفقة "غزة" من أخطر الخلافات حتى الآن ويبدو وكأن كل شيء أصبح موضع شك ( فايننشال تايمز- 11 / 2 / 2025 )
مصر تبلغ البيت الأبيض أنها لا تنوي أن تكون شريكًا في مقترح "ترامب" ( إذاعة الجيش الإسرائيلي - 11 / 2 / 2025 )
و الرئيس المصري لن يحضر أي محادثات في البيت الأبيض إذا كان جدول الأعمال يشمل تهجير سكان غزة ( رويترز - 12 / 2 / 2025 )
نقلًا عن الرئيس الفرنسي: لا يجب التعامل مع "غزة" كصفقة عقارية ( سي إن إن - 12 / 2 / 2025 )
أما رئيس الوزراء اللبناني صرح قائلا بأنه : مجرد التفكير في نقل سكان "غزة" لمصر والأردن مسألة خيالية ( 12 / 2 / 2025 )
فمن باب أولى أن تكون المقاومة أكثر تمسكا بالارض التي رويت بدماء أكثر من خمسين ألف شهيد و ثلاثة أضعافهم جرحى و مرضى و مدفونين تحت الأنقاض لا نعرف شيئا عن أوضاعهم.
صرحت " حماس " : نجدد رفضنا لتصريحات الرئيس الأميركي بشأن تهجير شعبنا من قطاع غزة تحت ذريعة إعادة الإعمار ( 12 / 2 / 2025 )
و نقدر موقف السعودية ومصر والأردن المعارض لتهجير سكان غزة، وزير الخارجية المصري: الخطة الجاري إعدادها بشأن عملية التعافي المبكر وإعادة إعمار غزة تضمن بقاء الفلسطينيين على أرضهم ( 13 / 2 / 2025 )
موقف .. السلطة ؟!
من المهم بمكان الإشارة إلى موقف الحكومة الفلسطينية من كل ما يجري في غزة لأنها المعنية أساسا بتوفير كل متطلبات الحياة الأساسية للشعب الفلسطيني كله حتى من هم في الشتات و هذا هو منطق الدول و إلا سيبقى الغموض في التعاطي مع القضية الفلسطينية سيد الموقف ؟!
الحكومة الفلسطينية صرحت قائلة : ننسق مع الدول العربية لمنع تهجير سكان غزة ، و المرحلة تحتاج لهدوء لبحث بدائل للرد على خطة ترامب ، و كذلك نجري اتصالات مع الفصائل الفلسطينية بشأن مستقبل غزة و على حماس التجاوب مع المقترحات العملية بشأن إدارة غزة ( العربية - 13 / 2 / 2025 )
متلازمة فتح و حماس ، لا بد من أن تنتهي قبل أن تنهي القضية الفلسطينية بنتيجة صفرية لكلا الطرفين المتنازعين حتى اللحظة الراهنة.
الحل سياسي و ليس عقدي ، لا بد من الإقرار بأن فتح السلطة الفلسطينية هو مشروع دولة غزة و الضفة الغربية، و لكن حماس حركة لابد و أن تعمل تحت مظلة الدولة و إن كان لديها تحفظات على بعض سياساتها الداخلية و الخارجية ، فهذا الفراغ السياسي استغلته إسرائيل ضد إقامة دولة تجمع كل الفرقاء تحت سقف واحد .
التشديد.. على الرفض
ترامب اقترح على الأردن و مصر استقبال الفلسطينيين و هو ما قوبل برفض حاد من الطرفين.
الاجتماع العربي الوزاري الأخير في القاهرة شدد على رفض أي محاولات لتهجير الفلسطينيين.
دول عربية رفضت محاولات تهجير الفلسطينيين و خطة الرئيس الأميركي للاستيلاء علي قطاع غزة .
تأكيد موقف الأردن الراسخ بضرورة تثبيت الفلسطينيين على أرضهم و نيل حقوقهم المشروعة وفقا لحلّ الدولتين.
محاولة التأثير على الإدارة الأميركية لتبني حلول سياسية قائمة على الشرعية الدولية و حل الدولتين.
زيارة ملك الأردن تظهر كمدافع رئيس عن الحقوق الفلسطينية في المحافل الدولية. مما يعزز صورته كدولة محورية في حل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي .
قدرة الأردن على الحفاظ على موقفه الرافض للتهجير مع استمرار التعاون مع الولايات المتحدة ستكون محط أنظار المراقبين.
تؤكد الزيارة على أهمية الدور الأردني في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس. ( 11 / 2 / 2025 -مركز الإمارات للبحوث والدراسات الاستراتيجية )
و لكن لدى الزعماء و القادة ، رفض هذا اللوي لأعناق القرارات الجائرة لا تمضي هكذا بدون رفض و استنكار صادق .
لقد كان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة "حفظه الله"، أثناء لقائه بوزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية واضحا في حديثه و رؤيته للقضية الفلسطينية عندما تطرق سموه إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك، والتطورات في منطقة الشرق الأوسط خاصة المستجدات في الأرض الفلسطينية المحتلة، والمساعي المبذولة تجاه الأزمة في قطاع غزة وتداعياتها على السلام والاستقرار والأمن الإقليمي .
حيث أكد سموه على موقف دولة الإمارات الثابت الرافض لأي محاولات تهدف إلى تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه ، وشدد على ضرورة أن ترتبط عملية إعمار غزة بمسار يؤدي إلى السلام الشامل والدائم الذي يقوم على أساس "حل الدولتين" ( وام - 19 / 2 / 2025 )
و قد علق د . أنور قرقاش عبر منصة إكس قوله بأن : دولة الإمارات، وانطلاقًا من الحكمة والمسؤولية والالتزام الثابت، تؤكد موقفها الذي شدد عليه صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، في حديثه مع وزير الخارجية الأمريكي: رفض تهجير الشعب الفلسطيني، وضرورة ربط إعمار غزة بمسار يحقق السلام الدائم وفق حل الدولتين، مع أهمية العمل المشترك لتجنب توسيع الصراع حفاظًا على السلم الإقليمي .
رسالة الإمارات مع الحقوق العادلة ورفع المعاناة الإنسانية ودعم مسار السلام والاستقرار والازدهار ( 19 / 2 / 2025 )
التركيز على العرَض .. ليس المرض؟!
لا زال ترامب يركز على العرَض و ليس المرض ، إسرائيل مع أميركا الداعمة لها بلا أدنى قيد على جرائمها هي المرض ، و الدمار الذي لن يتوقف بإعمار غزة مرات و مرات هو العرض الذي يراه العالم من دون حس و هو في نفس الوقت جس نبض ، التهجير الذي يدفع به ترامب دفعا بمبررات واهية جزء من هذا الجس ؟!
من هنا ترامب في لقائه الأخير مع ملك الأردن، يرى أن الأمر سيكون أفضل إذا أمكن نقل الفلسطينيين من غزة إلى مناطق أكثر أمنًا .
أما العاهل الأردني رد على ترامب قوله : إنه يفضل بقاء الفلسطينيين في أرضهم مع تخصيص المزيد من الأراضي لاستخدامها في مشاريع التنمية الجديدة ( البيت الأبيض - 12 / 2 / 2025 )
و تأكيدا على ذلك وزير الخارجية الأردني: رفض تهجير الفلسطينيين هو موقف أردني ثابت ( 14 / 2 / 2025 )
و قد صرح ممثل الكويت الدائم ورئيس المجموعة العربية في الأمم المتحدة بان : تهجير الفلسطينيين من "غزة" مرفوض تمامًا ( 14 / 2 / 2025 )
هذا الموقف الصلب من العرب ، هو الذي، يجعل من الطرف الآخر مراجعة حساباته " الربحية " من وراء القضية الفلسطينية .
التهجير.. الكلي ؟!
ترامب لديه خطة " تهجير " الشعب الفلسطيني كله و ليس سكان غزة فحسب، و تاريخ أميركا مع الهنود الحمر لا يخفى على كل الطلبة الذين تخرجوا من المدارس الأميركية.
ترامب ليس على عجل من أمره ، بل هو يضع كذلك خطة زمنية من 5 - 15 سنة قادمة .
و هذا الزمن كفيل بتضييع جذور القضية الفلسطينية بين مختلف الدول ، و إلا سلاح الإبادة الجماعية تشهر في وجوههم من جديد ؟!
لقد رمت أميركا كرة " التهجير " في الملعب العربي الذي لا نعرف خطوطها بعد و هذا ما تحدث به
وزير الخارجية الأميركي عندما قال :
إذا كانت لدى الدول العربية خطة أفضل بشأن غزة فهذا أمر جيد ، و
أي خطة تترك "حماس" في غزة ستسبب مشكلة لأن إسرائيل لن تتسامح مع ذلك .
و قد تفضلت أميركا على العرب كما ذكر الوزير قائلا : و سنمنح البلدان العربية فرصة للتوصل إلى خطة بشأن غزة وأعتقد أنهم يعملون بحسن نية ، و نأمل أن يكون لديها خطة جيدة حقًا بشأن غزة وأن يقدموها إلى الرئيس ترامب ( 14 / 2 / 2024 )
متى كان من قواعد السياسة " حسن نوايا " ، الأرض في غزة ملتهبة ، و مع ذلك شعبها على أتم الاستعداد في هذه المرحلة الحرجة من محنة ما فوق الصعبة ، للعيش في خيام مهترئة على أن يهجر بحجة " الإعمار " ، بل له القدرة على العيش في ركام غزة الذي يعتبر " جنة " مقارنة بجحيم " التهجير " ، هذا هو شعور السكان .
الإعمار.. خطة مصرية
وزير خارجية أميركا يضع بين يدي الدول العربية خطة مبطنة بالتهديد الصريح ، إسرائيل لكم بالمرصاد و لن تتسامح مع " حماس " التي قبلت الخطة المصرية لإعمار غزة ، لماذا تدخل أميركا على الخط ، لكي تنفذ سياسة شراء غزة بدل المساهمة في تعمير ما دمرته طفلها المدل . و كشفت المصادر عن التفاصيل المتعلقة بخطة مصر لإعمار قطاع غزة. حيث قالت بأن الخطة تعتمد على تجهيز مناطق آمنة داخل القطاع، بعد أول ستة أشهر؛ لنقل السكان لها ثم توفير مساكن آمنة ووحدات سكنية خلال 18 شهرا. و خطة مصر تتضمن رفع الركام من بعض مناطق غزة في أول 6 أشهر ونشر مستشفيات ومدارس متحركة بها ، وتخطط مصر لجلب 24 شركة عالمية و18 مكتبا استشاريا لإنجاز مشروعات غزة بدعم عربي و أوروبي ( العربية - 13 / 2 / 2025 )
و فيما يلي مزيد من التفاصيل عن الخطة المصرية التي تقف ضد التهجير ، بالبدء في الإعمار دون أي تأخير .
الخطة المصرية بشأن غزة تتضمن إعادة الإعمار خلال فترة تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات دون تهجير السكان ، و تتضمن العمل على مرحلتين لإزالة ورفع الأنقاض وبناء مجمعات سكنية ، و ستبدأ عملية إعادة الإعمار من رفح وجنوب قطاع غزة وتنتهي في شمال قطاع غزة . ( الشرق - 18 / 2 / 2025 )
و كذلك الدول العربية ستطلع أميركا على خطة إعمار "غزة" قبل نهاية هذا الشهر ( العربية - 17 / 2 / 2025 )
" حماس " .. خارج الإدارة
" حماس" تؤكد عدم مشاركتها في إدارة القطاع خلال المرحلة القادمة، وإنها ملتزمة بالاتفاق بمراحله الثلاث ، و هناك اتصالات مصرية مكثفة لتشكيل لجنة مؤقتة للإشراف على عملية إغاثة وإعادة إعمار القطاع ( القاهرة الأخبارية - 16 / 2 / 2025 )
و هي النقطة التي أشار إليها د . أنور قرقاش :الدعوة العقلانية للأخ أحمد أبو الغيط، أمين عام الجامعة العربية، بتنحي "حماس" عن إدارة غزة في محلها ، مصلحة الشعب الفلسطيني يجب أن تتقدم على مصلحة الحركة، خاصة في ظل الدعوات لتهجير الفلسطينيين من غزة، وما ترتب على قراراتها من حرب دمرت القطاع ومزقت نسيجه الإنساني والاجتماعي ( منصة إكس - 14 / 2 / 2025 )
ما يدور على أرض غزة من خلال برنامج الإعمار و الإلتزام بالإتفاق و ابتعاد " حماس " عن إدارة القطاع ، كل ذلك لا يرضي غرور نتنياهو و كبريائه ، و الذهاب بعيدا عكس ما يدعو إليه العالم الحر بكل قواه السياسية .
خطاب نتنياهو لم يتغير عن موقفه المشوب بالصدمة المرتجة في السابع من أكتوبر 2023 ، و كأن الزمن توقف لديه عند تلك اللحظة التاريخية الفارقة .
لا زال نتنياهو يصر على قول تجاوزه الفعل الفلسطيني :
سنقضي على القدرة العسكرية لـ"حماس" و عازمون على تحقيق أهدافنا في "غزة" ، و سنحارب كل من يعادي المصالح الإسرائيلية والأمريكية و كذلك سنعمل على تنفيذ رؤية الرئيس "ترامب" لقطاع "غزة" ( 16 / 2 / 2025 )
فرنسا .. " الغموض الإستراتيجي " ؟!
لقد أدركت فرنسا ، بأن ترامب يرمي أحجار السياسة الغامضة و ليس أحجار الشطرنج في وجه الجميع سواء في أوروبا أو الشرق الأوسط .
لقد صرح ماكرون بذلك في قوله بأن : مخططات "ترامب" بشأن "غزة" و"غرينلاند" أمثلة على حالة غموض استراتيجي شديد يعيشها العالم الآن . ( فايننشال تايمز - 14 / 2 /2024 )
تعتقد بأن على أوروبا التي غدت مستاءة من قرارات ترامب الفجائية ، دور هام رفع هذا الغموض الإستراتيجي ، إذا كان فعلا يصل ضرره إلى العالم كله ، فقط من مصلحة دولة واحدة مقابل عشرات الدول التي من حقها معرفة و فك رموز هذا الغموض الإستراتيجي الذي يوقع العالم في عمق سياسي بلا قاع ؟!
هل لأميركا سابقة في استخدام أسلوب " الغموض الإستراتيجي " من قبل هذه اللحظة التي ، بدأ الغرب يشعر بسياطها و يسمع صوتها من خارج الكواليس و ليس من خلفها كما في السابق ؟!
المثال الواضح قبل هذا الوقت الذي أصبح فيه ترامب يقذف الآخرين بلا أدنى تحفظ و لا شيء من اللباقة أو الكياسة فضلا عن رائحة مقبولة للسياسة؟!
يتضح ذلك بالفعل، من خلال علافة أميركا بالصين ، و خاصة مشكلة " تايوان " التي تخرج على السطح فترة و تختفي فترات !
اليوم ، الغموض هو سيد الموقف ، لقد ذهب ديفيد جيتر، في مقاله بمجلة "ذا دبلومات"، في هذا الاتجاه عندما أشار إلى أن : الرد الضعيف من جانب الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا سيشجع الرئيس الصيني على القيام بالسيطرة العسكرية على الجزيرة ، لأن جذور الغموض الاستراتيجي موجودة في قانون العلاقات مع تايوان لعام 1979، والذي ينص على أن الولايات المتحدة ستحتفظ بالقدرة على الدفاع عن تايوان ولكنها لا تحدد ما إذا كانت الولايات المتحدة ستتدخل عسكريًا أم لا !
و قد سمح هذا الغموض الاستراتيجي للولايات المتحدة بحماية علاقاتها الطبيعية مع الصين. كما ساعد في منع قادة تايوان الأكثر ميلًا إلى الاستقلال من افتراض أن واشنطن ستتدخل عسكريًا في حالة الاستقلال .
طوال هذه السنوات لم تتحرك الصين باتجاه أي دولة بينها حدود جيوسياسية ، بمعنى أنها لم تستغل هذه الظروف لممارسة سلوك " الغزو " ، لأنها آثرت " الغزو " الاقتصادي لقارات العالم ، بدل الغرق في المستنقع العسكري الذي يكتنفه الغموض أكثر من أي مجال آخر ، خاصة إذا كان الحسم غامضا و الكوارث واضحة .
يبدو أن هذه الإستراتيجية الغامضة لن تقف عند " تايوان " ،بل هي في طريقها للاعتداء على حقوق الآخرين!
نموذج آخر لهذا الغموض " المخطط " ، هو في التناقض الصارخ بين خطاب الحكومة الأميركية و المؤسسات الدستورية الأخرى .
هذا تصريح السيناتور الاميركي ليندسي غراهام: لا توجد رغبة تذكر بمجلس الشيوخ في "استيلاء" أميركا على غزة بأي حال ، و العاهل الأردني أكد لي أن الخطة التي ستقدمها الدول العربية للرئيس ترامب واقعية ( 18 / 2 / 2025 )
من غرائبية أميركا بث هذا النوع الخطاب السياسي الذي لا تخرج من خلاله بأي نتيجة ، غزة عند ترامب " صفقة عقارية " و عند إسرائيل " تهجير طوعي " و ما عند أصحابها غير مهم ؟!
" التهجير الطوعي " ؟!
أما الطرف المعني مباشرة بهذه الحرب و التهديد بها كلما خفت أوارها لديه سلسلة مشاريع لا تتوقف عند نقطة فوق السطر ، لأن التمادي مذهبه و سلوكه المستدام حتى في وقت السلم المؤقت لمن يدعي السلام الدائم !
تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي و هو يعلن عن إنشاء إدارة خاصة للتهجير الطوعي من غزة ، يلبس الحق الفلسطيني بالباطل الصهيوني ؟!
مسؤول إسرائيلي يقول بأن الوفد الإسرائيلي للمفاوضات سيتجه إلى مصر لبحث إدخال البيوت المتنقلة لقطاع غزة ( واللا - 18 / 2 / 2025 )
هل سمعتم عن دولة تحارب شعبا معزولا عن كل سبل الحياة الكريمة و يعيش تحت احتلال لا يؤمن بشيء اسمه " قانون الإحتلال " نعم هناك احتلال ، لكن بلا قانون هكذا إذا ؟!
و العوالم الثلاثة ، الغربي ، الإسلامي و العربي عاجز عن إلزام هذا الإحتلال الوجودي بأي شيء له علاقة بأي قانون و لو من باب المجاز اللغوي و ليس السياسي!
للمحتل الحق في هدم أبراج على رؤوس الأبرياء ، ليمن عليهم بعد التخلص منهم قتلا متعمدا بتصريح لإدخال البيوت المتنقلة إلى قطاع غزة ما هذا " الكرم " الصهيوني المبني على التذاكي الاصطناعي و هو لا يختلف عن عملية التغابي السياسي ؟!
لم نسمع عبر التاريخ عن من يهجر وطنه طوعا لا كرها ؟!
لو قامت مراكز الأبحاث باستطلاع آراء الموجودين في كافة بلدان العالم عن سبب تواجدهم خارج أوطانهم الأم لوجدوا بدل السبب الواحد أسباب شتى تشيب منها رؤوس الولدان و تشيخ الشبان ؟!
و عندما وصل الدور على " القانون " ماذا حدث ؟!
خلافات بين المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية ووزير خارجيتها بشأن خطة ترامب لترحيل سكان غزة ،
المستشارة القضائية أكدت ضرورة إعداد رأي قانوني بشأن خطة ترامب وإجراء مناقشات منظمة ( القناة 13 الإسرائيلية - 19 / 2 / 2025 )
القضاء الذي يتربص برئيس الحكومة الدوائر لإخضاعه للمحاكمة في قضايا الفساد ، يبحث في ذات الوقت عن مخرج قانوني يلقي بظلال الشرعية لتنفيذ رغبات و أهواء ترامب التنفيذية ؟!
كيف تلوي إسرائيل ذراع القانون ليصير قرار دولة أخرى ساري المفعول في مجتمعه ؟!
ترامب .. و الفعل العجاب ؟!
ترامب يقوم بفعل عجاب هذا " كيف له أن يمتلك " غزة " ، و من أعطاه هذا الحق ؟!
للأسف أميركا لم تدرك حتى اللحظة بأن الصراع ليس " حمساويا " و لا فتحاويا " و لا فصائليا ، الصراع الحقيقي حول القضية الفلسطينية التي أخذ من عمر الزمان الحالي أكثر من سبعة عقود ، و من قبل أخذت من عهد نور الدين زنكي ثمانية عقود حتى بعث الله من يسوم اليهود سوء العذاب على يد صلاح الدين الأيوبي ، هذا تاريخ لا يمكن مسحه و لا مسخه و لا تشويهه بجرة قلم ترامب ، فمن لا يعرف التاريخ و لو ملك أميركا يظل طفلا في المعرفة .
المسلمون موعودون ممن لا يخلف الميعاد و في سورة الإسراء بأن القدس سيعود إلى أيدي المستحقين من المؤمنين بالقضية الفلسطينية اعتقادا جازما ، فبناء المنتجعات على شواطئ غزة لا يعني أن السلام قد حل و الوئام قد عم العالم .
السياسة هي أخذ و عطاء و ليس بيع و شراء ، و هل كل شيء في هذه الحياة قابل لمنظومة العقار في الإقتصاد؟!
الوطن هو الاستثناء الوحيد ، غير خاضع لسوق الطفرة و الكساد ، نعم الوطن يمكن احتلاله ، و يمكن تدميره و لكن لا يقسم على السماسرة في سوق النخاسة العالمية!
ننتبه جيدا لما يقوله ترامب
الولايات المتحدة ستمتلك غزة حسب خطتي، ولن تكون هناك "حماس" ، غزة مدمرة تمامًا، ولو منح سكانها حرية الاختيار سيغادرونها .
فوجئت بعدم ترحيب الأردن ومصر بالخطة التي طرحتها ، خطتي بشأن غزة جيدة، لكن لن أفرضها وأوصي بها فقط ، غزة تمتاز بموقع رائع، وتخلي إسرائيل عنها سابقًا موضع تساؤل ( 21 / 2 / 2025 )
سنة و نصف الحرب المدمرة و بأسلحة أميركية من أجل التهجير القسري و لم يتحقق هذا الهدف الذي ظل حصرما و شوكة في حلق نتنياهو و اليوم الدور على ترامب !
من الذي منع سكان غزة أثناء الإبادة الجماعية من الخروج الإختياري ، ما هي الدول التي فتحت أحضانها لاستقبال أكثر من مليونين فلسطيني حتى لا يبادوا ثم يعودوا ؟!
يفترض من ترامب أن يفاجأ بترحيب الأردن و مصر للتهجير و ليس العكس ، الدولتان السد المنيع الذي ظل صامدا ضد كل أشكال التهجير ، طبعا و من ورائهما دول عربية أخرى .
و الأغرب من سلوك ترامب الذي يريد أن يحوله إلى قرارات تنفيذية ، هو استغرابه من تخلي اسرائيل عن هذه القطعة الجميلة من فلسطين عبق التاريخ في كل أطواره .
هذا السؤال يطرح على شارون " حكيم " إسرائيل الذي أدرك ما لم يستطع إدراكه نتنياهو، عندما خرج من غزة و أمر قادة اسرائيل بعدم الاقتراب منها و لكن أبى نتنياهو إلا أن يحرق غزة و يدفع الثمن الذي لا يجرؤ على الإفصاح عنه بعد أن ربط الحرية و الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط التي كانت إسرائيل تتباها بها ، لقد اختفى كل ذلك تحت ركام و أنقاض غزة !
العربية و الإسلامية لوجود البقعة المبارك في القدس القلب النابض للعالمين، فتحريرها من دنس الصهيونية و أعوانها ليس موكولا بيد حزب أو حركة أو سلطة سياسية، بل هي أكثر من كل ذلك.
فلسطين كذلك ليست ملكا خاصا و خالصا للفلسطينيين فحسب، فهي أقدس موروث للأمة