دكتور عبد الله العوضي يكتب: سوريا من دون .. " أسد " ؟!
فجأة الكل يهرول نحو الخروج من سوريا ، في غضون ساعات من حراك الشعب على الأرض ، و على رأسهم إيران و روسيا و أميركا ، و الجيش السوري حتى الوصول إلى بشار بدون الأسد.
في حين غفلة من النظام ، و جدت سورية الحضارة العريقة نفسها وحيدة تواجه الأعاصير التي هبت عليها منذ قرابة خمسة عشر عاما.
كل شيء غير عربي حاصر الشعب و معه النظام الحاكم ، الذي تعاون مع كل المليشيات و الشبيحة لسحل الشعب و تهجيره إلى مجاهيل العالم .
ماذا أراد الشعب في " إدلب " من النظام السياسي الحاكم ، في العام 2011 ، لا يمكن للعالم نسيان هذا التوقيت ، و قد وصل زلزاله إلى قلب النظام العربي ، و جاءت ساعة ارتداد ذاك الزلزال اليوم ، و لكن المشهد مختلف . !
لقد طالب الشعب النظام و رئيسه كرامة لا مهانة بعدها ، فكان رد النظام مهينا ، بدأ بقطع الإصبع و انتهى بصب براميل البارود على رؤوس الأشهاد ، و لكن الشعب لم يتراجع ، فاستعان النظام بروسيا و إيران و حزب الله و الكثير من المرتزقة من كل حدب و صوب !
مرت السنون العجاف على سوريا التي أشاد بها يوما الرئيس الفرنسي الأسبق ، بأنها أعظم إرث للحضارة الإنسانية ، لا ينبغي التفريط بها .
و لم يستطع النظام الحاكم العودة بسوريا إلى ما قبل 2011 ، و لو رمزيا .
الصمم .. عن صوت العقل
لقد حاول بعض القادة العرب اسماعه لصوت العقل ، و لكن الوقر كان هو المتمكن من أذن النظام ، بل أكثر من ذلك عندما هدد بحرق الدول الناصحة بالتعاون مع النظام الإيراني ، الذي يهرب اليوم من سوريا للتموضع في طهران خشية وصول الحريق إلى عقر داره .
في السنوات الأولى من بداية الحراك الشعبي ، حاول النظام التمسك بالقشة الإسرائيلية ، ففي رسالة تم تسريبها في ذاك الوقت ، كانت خلاصتها موجهة من رأس النظام الحاكم في سوريا إلى "نتنياهو " من سراق " الجولان " يتوسل إليه لمساعدته على البقاء للبقاء في حكم سوريا " اللاذقية " فقط على طائفته " النصيرية " أو " العلوية " ، و لكن كان هذا " الحلم " حصرما عليه ، و ها هو الشعب السوري يعاني من الشتات كالشعب الفلسطيني .
تعالوا بنا نعيد توزيع الشعب السوري الذي يبلغ اليوم قرابة 25 مليون نسمة ، و لكنهم محرومون من أي نَسْمة هواء طيبة مع الأنفاس المكتومة و الأفواه المكممة .
تهجير .. الشعب
فمنذ العام 2011 ، إلى العام الحالي 2024 ، يتوزع الشعب السوري على عدة دول ، منها تركيا بعدد سوريين يقدر بثلاثة ملايين نسمة ، لم يوافق النظام السوري على استعادتهم ، رغم المحاولات التركية التي باءت بالفشل.
أما البقية ، فهم مشردون في داخل الوطن أكثر من خارجه ، ففي درعا و إدلب قرابة خمسة ملايين يعيشون تحت حماية الأتراك و هم معاقبين لدى النظام بتهمة الإرهاب و التمرد و الخروج على النظام الحاكم .
و قرابة المليون لاجئ سوري استقبلتهم ألمانيا في مجتمعها ، و قبلت بتوظيفهم و تعليمهم ، و تحسين أوضاعهم المعيشية للمساهمة في تنمية الحياة الاجتماعية و الاقتصادية.
و قد حضرت مؤتمرا هناك عن إعادة التدوير ، و أثناء زيارتنا الميدانية لأحد المصانع ، لفت نظري وجود بعض العمال العرب ، و أثناء السؤال عنهم ، قالوا لنا بأنهم جزء من اللاجئين السوريين الذين نقوم بتوفير الوظايف الملائمة لهم و ذلك بإلزام من الحكومة الألمانية.
و العامل الذي رأيتموه في المصنع هو واحد من خمسة عشر عاملا نوفر لهم كل ما يحتاجون إليه في المجتمع .
و عند السؤال عن راتبه في الشركة أجاب : بأنه يستلم قراية خمسة عشر ألف درهم ، و هو عامل يدوي وظيفته المحددة هو في فصل المواد الصلبة عن المواد الأخرى حتى لا تعلق في المكائن اللينة .
و هناك قرابة ثلاثة ملايين آخرين لاجئين منتشرين في مختلف بلدان العالم ، و هكذا نصل إلى أن قرابة نصف سكان سوريا هجّرهم النظام و النصف عليه دفع ثمن البقاء بين كماشتي الصمت غير المنجي من البطش ، أو التضحية بما تبقى من إنسان سوريا.
الجيش .. لم ينقلب ؟!
لأول مرة في تاريخ سوريا السياسي ، لم ينقلب الجيش على النظام ، و هو أكثر بلد عربي عرف بالانقلابات العسكرية ، بل و لم يحم الجيش النظام من السقوط ، حيث كان أسرع من المتوقع ؟!
وا أسفاه على .. تعليمي !
لجأ بشار إلى روسيا ، دون أن يودع شعبه بكلمة اعتذار عما اقترفه هذا النظام من جرائم تزكم الأنوف و لاتقل عما ارتكبته إسرائيل في غزة لمدة خمسين عاما متتالية .
نذكر هنا بعض المفارقات الصارخة في حكم عائلة الأسد على شعبه فحسب ، حافط الأسد اشتهر ، بقضيتين مزلزلتين ، الأولى التفريط في الجولان ، و الثانية إبادة " حماة " ، عندما قام بدفن ما يقارب 30 ألف من شعبه بالجرافات .
أما بشار الإبن فقد أحرق معظم شعبه بالبراميل الطائرة على رؤوسهم ، في سابقة لم تعرف مثلها عبر التاريخ البشري .
و عندما وصل حريق " الربيع العربي " في 2012 إلى داره مارس كل أنواع الحرب الوحشية ضد الشعب الثائر .
و عندما سئل أستاذه الذي علمه تطبيب العيون ، عن جرائم طبيب العيون ضد شعبه قال : بشار أول طبيب تخرج من بين يدي يفقأ عيون شعبه بدل إعادة البصيرة إليها ، فلا يشرفني ذلك وا أسفي عليه و خسارة تعليمي له ؟!
تغيير الدستور.. لعيون بشار !
بشار الذي حكم سوريا 25 عام ، و من أجله تم تعديل نص دستوري يتعلق بعمر الرئيس الذي يحكم لا بد و أن يبلغ 40 عام ، و كان بشار حينه في عمر 34 ، و تم تعديل النص ، ليحكم رغم أن النظام الجمهوري لا يعطي حق التوريث .
و كانت نتائج الانتخابات سخرية الصحافة العالمية و نسبها غير صحيحة ، و يقال في الدورات الإنتخابية فاز الرئيس بنسبة 99 % ، فبحثت اللجان عن الواحد في المئة ، وجدوه في خانة الأموات ، هكذا كانت تدار الدولة طوال نصف القرن ، يراد اليوم إخراج سوريا من " فرن " النظام السابق بعصى موسى أو بلمسة زر الحاسب الآلى ، فعلى رسلكم أيها المتعجلون ، حتى لا تتعطل عجلة القيادة السياسية المرتقبة من الآن ؟!
حقنة .. مخدرة ؟!
حاول بشار في بدايات حكمه اعطاء حقنة مخدرة للشعب السوري ، عندما أعلن زيادة 25 % في رواتب موظفي الخدمة المدنية بالدولة ، و كان ذلك عند العارفين بالأوضاع الاقتصادية في البلد من سخرية قدر هذا الشعب و ضحكة مهينة على ذقنه ، بسبب ضعف العملة السورية مقارنة بأي عملة أخرى و خاصة الدولار الأميركي .
و بعد اثني عشرة عاما من صدور هذا القرار ، استعاد النظام تلك الزيادة من دماء شعبه أضعافا مضاعفة ؟!
و لم يتعلم النظام الدرس جيدا ، فقبل سقوطه بأيام ، أصدر الأسد الإبن قرارا بزيادة رواتب الجيش بنسبة 50 % ، و كانت هذه هي الحقنة الثانية التي اخترقت عظم الشعب السوري إلى عصبه ، فأحرقت النظام ، عندما كشرت المقاومة عن أنيابها ، فأخرجت الأسد من عرينه في رحلة بحث عن قشة روسية لإنقاذه بعد أن باع سوريا الوطن ثمنا بخسا لها ؟!
لسقوط أي نظام سياسي تبعاته ، فالعجلة السورية ليست في صالحها ، حتى لا تضطر لسد فراغ الندامة ، يكفي خمسة عقود من تجربة حزب البعث في العبث بمقدرات الشعب السوري و إهدار ثرواته البشرية و الاقتصادية ، الزاخرة بالتنوع الطبيعي في كافة المواد الكامنة بباطن الأرض و ظاهرها .
سوريا .. ثروات باطنةو ظاهرة
و قد أكد على هذه الحقيقة الخبير
الاقتصادي الأمريكي Jeffrey Sachs البروفسور والمحاضر في جامعة كولومبيا مقالة في وول ستريت جورنال :
إن سوريا من الممكن أن يعيش فيها 80 مليون نسمة بدخل للفرد الواحد ما يعادل دخل الفرد في هولندا وبلجيكا
ثمانية حقول للغاز و البترول ، تسد حاجة الشعب السوري ، و تفيض على غيره ، كانت حكرا على النظام وحده من دون الشعب الذي كان يحاسب على أنفاسه حسابا عسيرا ؟!
هذا على صعيد مخزون الطاقة التي يتصارع عليها العالم ، أينما وجدت .
أما الثروات الأخرى ، فحدث عنها و لا حرج ، سوريا الحضارة الإنسانية منذ القدم ، فيها ثلثي آثار العالم مما تشكل مصدرا للإقتصاد السياحي غير قابل للنضوب و مطمعا لسراق الآثار و هدّاميها إذا ما وقعت في أيدي المتطرفين الذين يحسبونها أوثانا ؟! .
أما المعادن النفيسة و الخامات الثمينة ، فهي لا تحصى ولا تُعد ، فجبال الرخام والحجر والجرانيت الأجود عالمياً حيث يستطيع أن يرصف الكرة الأرضية عشر مرات يمتد من رنكوس حتى سلسلة جبال لبنان الشرقية ، إضافة إلى
الفوسفات السوري و حقول السيلكون الأجود عالمياً .
و معابر استراتيجية توصل الشرق بالغرب مثل معبر باب الهوى الذي يصل تركيا بأوروبا ومعبر نصيب الذي يصل الأردن بالخليج بدخل سنوي يقدر بمليارات الدولارات ، و حدود بحرية مفتوحة ، في أعماقها ثروة سمكية هائلة .
أمام الثروة الزراعية ، تعجز الكلمات عن التعبير ، فسوريا رابع دولة في العالم بزراعة القطن ، وثالث دولة بالعالم بزراعة القمح القاسي الاجود عالمياً ، و ثاني دولة في العالم بإنتاج الزيتون وزيت الزيتون ، و ثالث دولة في العالم بزراعة وتصدير الحمضيات والخضار .
وصلنا إلى مناجم الفحم الحجري في دير الزور ، و مناجم الذهب بحيث هناك مناطق بالمنطقة الشمالية .
و أهم من كل الثروات التي عرجنا عليها و على رأسها و قمتها يأتي
خزان بشري شبابي هائل بحيث أن الشعب السوري 70 بالمئة منه تحت سن ثلاثين سنة .
هذا الرأس المال البشري و الإجتماعي هو القادر على بناء سوريا الجديدة .
الحذف .. السياسي ؟!
الأمر الذي من المهم التوقف عنده هو تقبل الغرب ل " الجولاني " لقد كان قبل الثامن من ديسمبر مطلوب رأسه بملايين الدولارات لدى الولايات المتحدة بتهمة التطرف القاعدي ، و زعيمهم " بن لادن " كذلك متهم بتدمير برجي نيويورك في 11/9/ 2001 ، و غيرها من الجرائم و العمليات التي صنفت في خانة الإرهاب الدولي ، و لم يسبق ذلك غير " طالبان " أفغانستان و السماح لهم بالحكم .
من هنا ندرك بأن الإرهاب و التطرف لم يعد تهمة ، بل " غول " سياسي يرفع ضد بعض الدول لتركيعها مصلحيا ، و إخضاعها لشروط القوى الكبرى ضد الشعوب المستضعفة و الحكومات الضعيفة عن الوقوف أمام النفوذ الغربي أوروبيا و أميركيا .
تأمل " الحذف السياسي " لدى أميركا التي زعمت في عهد بوش الابن بأن " القاعدة " لم تدمر " البرجين " فحسب ، بل دمرت " الهوية الأميركية " التي من أجلها أعلن عن حرب " صليبية " على " أفغانستان طالبان " ، اليوم جاء دور " القاعدة "النسخة المعَدّلة لكي تحكم سوريا ما بعد الأسد ، بموافقة أميركية خالصة .
ففي "واشنطن بوست" عن مسؤول أميركي قوله بأن : هناك احتمال بحذف "هيئة تحرير الشام" من قائمة الإرهاب من أجل التعامل معها لضمان الاستقرار في سوريا
و أدلى مستشار الأمن القومي الأميركي بتصريح قال فيه بأن : أي بديل سيكون أفضل بكثير من نظام الأسد الذي عذب شعبه .
أما البنتاغون ذكر بأنه : ليس لدينا تواصل مباشر مع هيئة تحرير الشام، ولكن نبعث لها الرسائل عبر نظرائنا وأطراف أخرى .
و مندوبة أميركا بمجلس الأمن قالت باننا : سندعم العملية التي يقررها الشعب السوري بعد نظام الأسد ( 9 / 12 / 2024 )
هل يعقل أي نطام يحكم دولة بدون أي مقدمات توضح بأنه أفضل من النظام السابق ؟!
أما الخارجية الأمريكية فقد صرحت إننا : ندعم المحكمة الجنائية الدولية إذا ما قررت محاكمة الأسد ، و نجري تقييمات مستمرة بناءً على أفعال هيئة تحرير الشام ، و ليس لدينا أي إعلان حاليًا حول تجديد عقوبات "قيصر" من عدمها ( 10 / 12 / 2024 )
و واشنطن تدرس تحديد طبيعة العلاقة مع "تحرير الشام" ( 12 / 12 / 2024 )
إحياء.. "داعش " ؟!
ترى ما الهدف من خلط الأوراق في سوريا التي بدأت تتنفس الصعداء من جراء نظام ظل رابضا على قلب الشعب لنصف قرن ؟!
لماذا في هذا الوقت الحساس في سوريا ، تريد أميركا إدخال أنف " داعش " بعد أن خف مفعوله الإرهابي في الشأن السوري، و تلوح به و تخوف العالم من حولها ؟!
من أين لنا هذا السؤال العريض ؟!
عندما تعلن أميركا على أن واشنطن تبادلت رسائل مع فصائل "إدارة العمليات" من خلال تركيا ، و قد حذرت فصائل "إدارة العمليات" من التحالف مع "داعش" ، إلا أن فصائل "إدارة العمليات" طمأنت واشنطن بألا نية لديها بالسماح لداعش بالتدخل ( نيويورك تايمز - 9 / 12 / 2024 )
كيف لسوريا أن تستقر ، بعد عودة أميركا إلى تكبير صورة " داعش " صنيعتها لوقت الحاجة ، هذا ما تقوم به القيادة المركزية الأمريكية التي صرحت بأنها: نفذت غارة بمحافظة "دير الزور" في سوريا قتلت عنصرين من "داعش" بينهما قيادي ، أثناء محاولة " داعش" تحرير أكثر من 8000 عنصر محتجز في سوريا، وسنستهدف تلك العناصر بقوة ، و لن نسمح لتنظيم "داعش" باستغلال الوضع الحالي في سوريا وإعادة تنظيم صفوفه .
لماذا تحاول أميركا تحويل أنظار العالم إلى " داعش " في الوقت الذي تحتل إسرائيل فيها المنطقة العازلة بمساحة اقتربت من 250 كيلومتر ، و تخلصت من 85 % من قوة الجيش السوري الذي كان يعد أقوى جيش بعد الجيش العراقي إبان حكم صدام الذي وقف به أمام إيران في حرب الخليج الأولى ؟!
أميركا تدعم .. " قسد " ؟!
بعد أربعة أيام من سقوط النظام ، أفصحت أميركا على لسان وزير خارجيتها عن تحيزها و دعمها
لقوات سوريا الديمقراطية في إطار مساعيها لمكافحة تنظيم الدولة .
هنا تزيد أميركا المشهد إرباكا ، و خاصة و أن تركيا الحليفة في حرب مستمرة مع هذه القوات الكردية و إن كانت سورية ، فهي تهيئ لنفسها موضع قدم لصالح تأسيس دولة كردية على حساب ثلاث دول محيطة بسوريا بما فيها سوريا ذاتها ، إضافة إلى العراق و تركيا .
مرة أخرى تتخذ أميركا تنظيم الدولة مبررا لتقديم العون اللازم لتلك القوات ، و كأن تركيا ليست شريكة رئيسة في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بما فيها الإرهاب الصادر من قبل قوات سوريا الديموقراطية.
و كذلك توجد الولايات المتحدة الأميركية المبرر اللازم لإسرائيل عن ضرورة دخولها المنطقة العازلة في سوريا رغم وجود المحرم الأممي ، لأنها كانت قلقة من سيطرة مجموعات متطرفة عليها ، إذا فما دور هيئة تحرير الشام في منع حدوث تلك السيطرة المشكوك في أمرها ، و السماح لمن احتل " الجولان " لأداء هذا الدور في الوقت الذي يتم تشكيل نظام سياسي جديد؟!
و على أساس أن سوريا لديها فرصة بأن تحظى بحكومة لا يهيمن عليها دكتاتور . ( 12 / 12 / 2024 )
و لدى جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي أيضا ما يقوي هذا التعاون مع " قسد " بقوله أن : الشرق الأوسط تغير بشكل كبير خلال الـ 15 شهرًا الماضية ، و نحن ملتزمون بشراكتنا مع "قسد" في سوريا وهي شراكة مهمة ، لأن الوضع في سوريا يحمل مجموعة من المخاطر "بما فيها احتمال تقسيم الدولة" ( 12 / 12/ 2024 )
هذه أول إشارة واضحة للتقسيم ، من بعد إصرار الدول العربية على وحدة الأراضي السورية و عدم السماح بمس سيادتها لعودتها إلى الإستقرار السياسي في أسرع وقت حفاظا على سلامة أمن المنطقة ككل .
هذا النوع من " الإرباك السياسي " يتم في ذات الوقت الذي تعلن فيه واشنطن عن تبادلها رسائل مع فصائل "إدارة العمليات" من خلال تركيا .
إذا كانت تركيا دولة مفصلية في هذه البقعة المشتعلة من المنطقة العربية، فلماذا توجع خاصرتها في الشمال عبر " قسد " ؟!
أميركا من ناحية أخرى أيضا تصرح على لسان خارجيتها بأننا : ندعم بقوة الانتقال السلمي للسلطة إلى حكومة سورية مسؤولة عبر عملية شاملة بقيادة سورية ، أما وزير دفاعها يقول : بحثت مع نظيري التركي التطورات في سوريا واتفقنا على أهمية التزام المعارضة بحماية المدنيين ( نيويورك تايمز - 9 / 12 / 2024 )
لماذا لم تتخلى أميركا ع النظام السوري منذ البداية، بعد أن كاد النظام من إبادة الشعب بأكمله ، و زاد حرصها اليوم على أهمية الحفاظ على الذين تبقوا من المدنيين على قيد الحياة بعد أن مسح النظام دفتر قيد الملايين بعد أن دمر ممتلكاتهم ؟!
الموقف .. الفرنسي
بعد أميركا ، يأتي دور فرنسا لكي تكون لها يد داعمة ، و هذا ما أكده
وزير الخارجية الفرنسي بأن : فرنسا ستدعم عملية الانتقال السياسي في سوريا من خلال إرسال موفدًا دبلوماسيًا إلى دمشق .( 9 / 12 / 2024 )
عندما نقول فرنسا ، لأنها أدرى بالشؤون السورية من غيرها و من أميركا كذلك.
نظرا لتاريخها الإستعماري الطويل ، يوم أن لم تكن لأميركا صوتا مسموعا و لا أمرا مطاعا و لا حول لها و لا قوة .
و أضافت الخارجية الفرنسية قولها بأننا : ندعم عملية انتقال سياسي سلمي وممثل للجميع في سوريا ( 12 / 12 / 2024 )
و هو عين ما دعى إليه وزير الخارجية التركي لتشكيل حكومة "تضم الجميع" في سوريا ، في اليوم الثاني من عملية التحرير .
( 9 / 12 / 2024 )
سقوط .. طال انتظاره!
أما موقف الأمم المتحدة فهي ترى بأن سوريا بحاجة إلى قانون لمحاسبة الذين ارتكبوا جرائم مروعة بمن فيهم "الأسد"
تقول بأن القانون وحده يجب أن يسود الموقف من النظام و رجالاته و ليس الانتقام و التشفي ، حتى لا تعود الدائرة على " المنتصرين " المنتشين ، فالسياسة لا تدار بعشوائية ردود الأفعال فهذا عبث قد مارسه النظام السابق ؟!
و فيما يتعلق بالموقف الأوروبي فقد صرح في أول يوم من سقوط النظام وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي بأن : سقوط الأسد "إيجابي" و"طال انتظاره" ( 8 / 12 / 2024 )
و في تصريح لدبلوماسي أوروبي قوله بأننا سنتواصل مع "هيئة تحرير الشام" ، و هذا لا يعني اعترافًا بها ، و سنتعامل بحذر بشأن الوضع في سوريا ( العربية - 13 / 12 / 2024 )
روسيا " الحميمية " !
أما روسيا الحليف الحميم الذي يسيطر على قاعدة " الحميمية " ، في تصريح مبدئي للكرملين قوله بأنه : من السابق لأوانه الحديث عن الحفاظ على وجود عسكري روسي في سوريا . ( 9 / 12 / 2024 )
و بعد أن سلمت إيران " الأسد " للريح صرح وزير الخارجية الإيراني بأنه : لن يكون سهلًا أن تتفق الجماعات المختلفة في سوريا على مستقبل الحكومة ( نيويورك تايمز- 9 / 12 / 2024 )
و كأن إيران الحليف الإستراتيجي الأول للنظام السابق قبل روسيا بعقود كانت حريصة على مستقبل سوريا .
الإعتدال .. و العدالة
و الخلاصة التي نريد أن نصل إليها واضحة فيما ذهب إليه الدكتور أنور قرقاش: لا شك أن المشاعر تختنق حول سوريا الشقيقة؛ وسط مشاهد قاسية للمعاناة الإنسانية، لكن الأمل يبقى في قدرة السوريين وإرادتهم على تجاوز تاريخهم المؤلم والحفاظ على وحدة ترابهم، وذلك بدعم من العرب يتكامل مع مشروع مدني معتدل يحترم التنوع ويركز على التنمية والعدالة والمصالحة ( 10 / 12 / 2024 )