دكتور عبد الله العوضي يكتب:" نتياهو " قاتل شعب ..ضد الإعتقال
أخيرا تنفس العالم الصعداء ، بعدما صدر قرار محكمة العدل الدولية باعتقال نتنياهو و غالانت ، و كان الرهان السياسي منذ أشهر بأن هذا القرار لن يصدر ، بل البعض كان يرى الاستحالة ، ها قد كسر القرار قيود الاستحالة .
انقلب السحر في هذه المحكمة على الساحر ، كيف لمحكمة أنشئت لمحاكمة كل العالم ، باستثناء أميركا و إسرائيل ، تجرؤ على محاكمة مؤسسيه بجريمة " الإبادة الجماعية " التي حاكمت إسرائيل " النازية " من خلالها ، و اليوم يلتف عصاها على عنق إسرائيل التي تزعم بأنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط القديم ، و لكنها تكره أن تشم رائحة العدالة في أي شيء .
و كان من العدل بالنسبة لنتنياهو الإكتفاء بعدالة محاكم إسرائيل في قضايا الفساد التي تلاحقه و زوجته ، حفاظا على ماء وجهه الذي سكب في الخارج أيضا .
فوز صدور قرار المحكمة ، علق بعض النخب العربية ، بأن تطبيق ذلك من سابع المستحيلات لأنه بحاجة وفق رأيه ، إلى إجماع من مجلس الأمن إضافة إلى إجماع الدول الأعضاء في الجمعية العمومية للأمم المتحدة ؟!
الذي نعرفه بأن محكمة العدل الدولية مؤسسة مستقلة ، بعيدة عن حكم التصويت عليها ، و إلا كانت عدالتها منقوصة.
لو كان هذا مجرد حبر على ورق ، لكان لزاما على الإنسانية جمعاء احترامه ، فكيف و هو حكم يقطع حبال الناس عن رقبة نتنياهو و رفيق دربه في الإبادة ، بشهادة ردود أفعال عقلاء العالم .
لا يمكن للعالم الحر أن يُجمع على نزع الإنسانية من الوجود بيد رجل واحد يسمى " نتنياهو ، و لا يمكن أن تضحي بمصالحها الدولية من شخص سادي الطباع و السلوك .
لا بد من تفعيل دور المؤسسات التي ترسخ سبل الأمن والاستقرار في العالم و محكمة العدل الدولية إحداها ، بل في الأزمات الراهنة من أهمها .
لنرى رد الفعل الإسرائيل الكاره للعدالة التي تتبرأ منها ، بتلبس الظلم المركب و الأعظم .
ننتقل إلى تصريحات نتنياهو حول قرار المحكمة الجنائية الدولية حيث قال : لن يمنعني أي قرار من الدفاع عن إسرائيل، ولن تعترف إسرائيل بقرار الجنائية الدولية ، لأنها تتجاهل جرائم الحرب التي ارتكبت ضد إسرائيل، وتصرفات المدعي العام للجنائية الدولية ضد مفهوم العدالة ، و قد تحولت إلى أداة مواجهة سياسية وفقدت شرعيتها، وعكست الحقائق وأصدرت اتهامات لا أساس لها من الصحة ( 22 / 11 / 2024 )
هذا الرد الجائر ، ينافي الأساس الذي قامت عليه المحكمة و على يد إسرائيل ذاتها ، حتى جاءت ساعة استنكاروجودها و جدواها من الأصل ، فقط لأنها مستها في مقتل .
تعالوا بنا إلى أميركا خط الدفاع الأول عن إسرائيل ، ننظر إلى رد فعلها الأكثر غرابة عن ربيبتها .
نذكر مواقفها المليئة بالمتناقضات المتضاربة " أميركا عن مذكرة اعتقال عمر البشير : يجب احترام قرارات المحكمة و تنفيذها .
أما عن مذكرة بوتين : نقطة قوية للمحكمة و نرحب بالقرار و ندعمه .
و أما عن اعتقال " نتنياهو " : نرفض القرار رفضا قاطعا و المحكمة لا تتمتع بولاية قضائية و التحقيق الجنائي شابته أخطاء مقلقة " ( عماد العلي 21 / 11 / 2024- x )
هل سمعتم في التاريخ السياسي للدول محكمة تصنف بثلاثة أوجه في نفس الجريمة ، مرة قرارها محترم ، و أخرى قوية و ثالثة الأثافي ، المحكمة ليست محكمة في الأصل لأنها تجرأت بالحكم على رجل يمارس النازية على الملأ و ليس خلف الأبواب المغلقة و يأخد حصانته من أميركا .
و لم تستلم الإدارة الأميركية زمام الأمور بعد ، و مع ذلك كشرت عن أنيابها عبر مرشح "ترامب" لمنصب مستشار الأمن القومي حين صرح قائلا : توقعوا ردًا قويًا في يناير المقبل ضد المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة ( 21 / 11 / 2024 )
موقف أميركا المساند لكل ما تقوم بها إسرائيل ضد هذا القرار التاريخي ، جرّأ مجلس الوزراء الإسرائيلي للدعوة إلى فرض عقوبات على السلطة الفلسطينية وتقييد المساعدات الإنسانية ، و تشديد التعامل في قطاع غزة بعد أوامر الاعتقال بحق "نتنياهو" و"غالانت" ( هيئة البث الإسرائيلية - 22 / 11 / 2024 )
تقفز إسرائيل إلى أقصى حدود الظلم عندما ترى صورتها الحقيقية البشعة في مرآة العدالة الدولية ، فتتمادى في بحر ظلمات الظلم المركب الذي لا يمكن لمركب السلام العبور من خلاله بسلام .
ماذا تقول الجنائية الدولية ؟ هناك ثمة أسباب منطقية تدعو للاعتقاد بأن "نتنياهو" و"غالانت" أشرفا على هجمات ضد المدنيين في غزة
و لكن رئيس إسرائيل يرد على ذلك بأن : أمر الجنائية الدولية باعتقال "نتنياهو" و"غالانت" قرار عبثي
أما وزير خارجية إسرائيل فيقول بأن : قرار الجنائية الدولية "لحظة سوداء في تاريخها" ، و زعيم المعارضة الإسرائيلية يصرح بأن : قرار الجنائية الدولية باعتقال "نتنياهو" و"غالانت" مكافأة للإرهاب .
و يدعو " بن غفير" إلى ضم الضفة الغربية ردا على إصدار الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق "نتنياهو" و"غالانت" ( الشرق )
( 21 / 11 / 2024 )
وصف لي أحدهم بأن سلوك إسرائيل بعد غزة 7 أكتوبر 2023 ، كأخ أصغر " المقاومة " صفع أخاه الأكبر مجازا " نتنياهو " بما أن الأخ الأصغر لم يدر له خده لتلقي الصفقة التالية ، قام نتنياهو بحرق " غزة " مقابل تلك الصفعة التي سمتها أميركا دفاعا عن النفس و لو بقطع أنفاس أكثر من مليوني فرد من السكان ، هذه هي العدالة التي تراها إسرائيل منذ أكثر من سبعة عقود ، و لن تتغير في العقود المقبلة ، حتى تصطدم بمن يوقفها عند حجمها الحقيقي و لو بعد حين ؟!
الآن كيف ترد " العدالة الإسرائيلية " على قرار محكمة الجنائية الدولية ؟!
بصفع العالم أجمع انتقاما من صفعة " الأخ الأصغر " ، لقد أفقدت الصفعة الصواب لدى حكام إسرائيل حتى تساوى المتطرفين مع المعتدلين ، حيث ضاقت مساحة الخلاف السطحي فيما بينهم ، و اتحدوا جميعا لرد الصاع ، ليس صاعين فحسب بل ، بغزو الضفة الغربية و ضمها إلى مشروع إسرائيل الكبرى ، و من ثم الإنتقال تدريجيا لتنفيذ الخارطة السياسية الجديدة - القديمة التي عرضها " نتنياهو " على أكبر منصة عالمية في آخر اجتماع للأمم المتحدة ، و العالم كله شاهد على هذا المشروع المعلن بعد أن كان لعقود سرا يتم تداول بعض تفاصيله بين السياسيين من الخواص و المقربين .
نقول هذه الخارطة ليست مجرد سيناريو يتغير كلما تغير اتجاه الريح ، بل خطة ماضية كما مضى " وعد بلفور " و " سايكس بيكو " و معاهدة " سيفر " حين سقوط الخلافة العثمانية ، و الإكتفاء بتركيا العلمانية حاليا .
بريطانيا التي ضحت بجنودها في في الفترة " البرزخية " من احتلاها لفلسطين، و تسليمها لإسرائيل على طبق من ذهب ، تبدو مواقفها السياسية من قرار الإعتقال الذي جعل نتنياهو يصرخ بأعلى صوته في الكابينيت ، معلنا عن احتجاجه أما شعبه الذي يتظاهر من أجل إعادة الأسرى الذين يقتلون بسياسة نتنياهو الغارقة في التطرف في الداخل والخارج على حد سواء .
مقتل أسيرة بمنطقة تتعرض لضربات إسرائيلية شمال غزة ، و
لا يزال الخطر محدقًا بحياة أسيرة أخرى كانت مع الأسيرة التي قتلت شمال قطاع غزة
" مجرم الحرب" نتنياهو وحكومته وقادة جيشه يتحملون المسؤولية الكاملة عن حياة أسراهم . ( حماس - 23 / 11 / 2024 )
و لم يحرك هذا القتل العشوائي للأسيرة شعرة الإنسانية لدى نتنياهو من أجل شعبه ، فضلا عن الشعب الفلسطيني ، و نقلًا عن مسؤولين إسرائيليين قولهم :
يبدو أنه من غير المرجح أن يتم التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار في غزة في أي وقت قريب ، أما •" نتنياهو" فقد رفض إنهاء الحرب مقابل صفقة الرهائن مدعيًا أنها السماح لبقاء "حماس" تشير إلى هزيمة إسرائيل ( أكسيوس - 23 / 11 / 2024 )
بعد إعلان "حماس" عن مقتل أسيرة.. تظاهرات حاشدة في "تل أبيب" تطالب بإطلاق سراح الأسرى ( الحدث - ( 24 / 11 / 2024 ) و مستشارا الأمن القومي لبايدن وترامب يبحثان في أول اجتماع لهما الحرب في "غزة" وقضية الرهائن ( أكسيوس - 24 / 11 / 2024 )
ترى كيف تعاملت بريطانيا مع قرار اعتقال حليفها التاريخي من قبل ولادة أميركا السياسية و الدولة العظمى بعد الحرب العالمية الثانية، أما من قبل ذلك فلم يكن لها نفود كبريطانيا كنفوذ العظمى .
المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني " ستارمر "صرح قوله بأنه: سيواصل الحديث مع "نتنياهو" بعد إصدار مذكرة اعتقال بحقه ، لأنه من المهم أن نجري حوارًا مع إسرائيل للتوصل إلى حل دبلوماسي للحرب و سوف نواصل الحديث مع الحلفاء للتوصل لوقف إطلاق النار ( 22 / 11 2024 )
أما ما يتعلق بموقف الحكومة البريطانية ذاتها فإنها ذكرت قولها :
سنمتثل بالالتزامات القانونية المتعلقة بالمحكمة الجنائية الدولية . ( 22 / 11 / 2024 ) .
من المواقف التي ينبغي ألا تنسى، ولا تذهب سدى في عالم الندرة ، و هي التي ترسم الفوارق الحقيقية و الفواصل القاطعة لمعادن الشعوب بعيدا عن رسميات الحكومات و الأنظمة السياسية، الموقف الثابت للمرشح الأميركي الرئاسي في انتخابات 2024 ، عندما اعلن انسحابه من السباق فورا من أجل " غزة " العزة و قد نال بيرني ساندرز، السيناتور الأميركي نفحة من تلك الكرامة حيث أعلن عن دعمه قرار الجنائية الدولية بحق "نتنياهو" و"غالانت" ( 22 / 11 / 2024 ) ، بدون أدنى تردد أو شائبة تحفظ .
أغرب موقف أوروبي في أزمة غزة ، هو من ألمانيا التي ذاقت وبال أمرها خسرا بسبب النازية التي تدفع الثمن لإسرائيل ضريبة " الهولوكوست " المختلف في تفاصيله بين كتاب الغرب أنفسهم من حد الإنكار إلى التحقيق .
يقول مطرب ألماني شاب في مقابلة لإحدى القنوات في بلده : نعم أنا من أسرة يهودية و لكني ملحد ، و مع ذلك مستغرب من موقف حكومتي المؤيد لإسرائيل فيما تمارسه من " نازية " أشد مما قام به هتلر ضد اليهود، و الأكثر غرابة هو في ممارسة ذات السلوك " الهتلري " ضد شعب لا علاقة له بالهولوكوست ؟!
و عندما حان وقت الإفصاح عن موقفها تجاه قرار المحكمة باعتقال نتنياهو أفادت الحكومة الألمانية بأنها : من أكبر الداعمين للمحكمة الجنائية الدولية ، و
سندرس خطواتنا بعناية بعد قرار الجنائية اعتقال قادة في إسرائيل ، و أبت الإعلان عن موقفها بشأن قرار الجنائية إلا عندما تقترب زيارة "نتنياهو" و"غالانت" ، لأن لديها
روابط فريدة ومسؤولية كبيرة تجاه إسرائيل . ( 22 / 11 2024 )
و هكذا بدى موقفها معلقا بقرب الزيارة و ليس بتحقيق العدالة ؟
أما فرنسا ، فكان موقفها أكثر اعتدالا ووضوحا من ألمانيا التي تتصرف بغرائبية غير معهودة في تاريخها السياسي المعاصر .
صرحت الخارجية الفرنسية بقولها أن: مذكرتا الاعتقال ضد "نتنياهو" و"غالانت" هما إضفاء لطابع رسمي على الاتهام .
بمعنى أن هذه الإتهامات تقف على قاعدة صلبة من الناحية القانونية و الأخلاقية .
و قوّت السويد الموقف الفرنسي ، عندما أعلنت وزيرة خارجيها عن موقف بلادها صراحة بأننا : ندعم مع الاتحاد الأوروبي العمل المهم للمحكمة الجنائية الدولية ونحمي استقلاليتها ونزاهتها .
لقد أكدت على ثلاثة أسس رافقت أحكامها السابقة و الراهنة ، في استقلالية سيادتها و في نزاهتها و بعدها عن الأهواء . و هو ما جعل من عملها مهما للغاية في وقت تتمادى فيه إسرائيل باستخدام سلاح الإبادة الجماعية باعتداءاتها على جميع الفلسطينيين ، و ليس " المقاومة " وحدها كما تزعم و تفتري على العآلم كذبا و دجلا .
و وضعت النرويج ثقلها و ثقتها الكاملة بعمل المحكمة الدولية عندم صرح وزير خارجيتها قائلا بأن : الجنائية الدولية تقوم بدور حاسم في ضمان المساءلة عن الجرائم ولدي ثقة أنها ستمضي قدمًا .
أما إيطاليا فقد أكدت على لسان
وزير دفاعها قوله إنه: سيتعين علينا اعتقال "نتنياهو" إذا زار إيطاليا ( 21 / 11 / 2024 )
فهي لن تتراجع أو تتهاون في اعتقال " نتنياهو " إذا لامست قدماه الأراضي الإيطالية.
لأول مرة في تاريخ إسرائيل " نتنياهو " يواجه العالم الحر كله و ليس أصحاب الحق الشرعي فحسب ، هذا ما ذهب إليه وزير الخارجية الإسرائيلي بعد أن قال : أعربت لوزير خارجية هولندا عن الخيبة من إعلانه عن احترام قرار الجنائية الدولية ( 21 / 11 / 2024 )
أما العدالة " المقلوبة " في إسرائيل ، يتصدرها تصريح وزارة العدل الإسرائيلية عندما أشارت إلى أنه : جرى إخطار الجنائية الدولية بنية إسرائيل تقديم استئناف ضد أوامر الاعتقال بحق "نتنياهو" و"غالانت" ونتوقع من استئناف الجنائية تصحيح الخطأ الجسيم وإبطال أو تعليق أوامر الاعتقال .
و قد ذهب وزير الخارجية الإسرائيلي أبعد من ذلك عندما وصف قرار المحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل بأنه سيقوض مصداقيتها ، و نعتقد أن الكونغرس الأميركي سيقر تشريعًا ضد الجنائية الدولية ومن يتعاون معها .
( 28 / 11 / 2024 )
سوف تسعى اسرائيل محاكمة العالم كله في رحلة البحث عن العدالة الدولية إذا مسته شعرتها و هي أحد من حد السيف القطع بالحق سواء مع حكومة " نتنياهو " أو أي قضية مستجدة تعرض عليها ، لأن سيف العدالة و لو كانت نسبية أحد من كل آلات الحرب الإسرائيلية المستخدمة في حرب الإبادة الجماعية في غزة و من يمشي على خطاها في معركة تحرير الشعوب من نير النازيين الجدد .
و إن لم يمض قرار محكمة العدل الدولية قدما نحو التنفيذ النهائي ، فإن للتاريخ حكما أكثر عدالة و قطعا ، لأنه لا يحابي أحدا و لا يقف مع دولة ضد أخرى ، و هي سنة الكون في قوله تعالى " و تلك الأيام نداولها بين الناس " ، " و من أصدق من حديثا " .