أسامة سماحة يكتب: الحاجة إلى ناقد مجتمعي للنهوض بالمجتمع المصري
المجتمع المصري، كغيره من المجتمعات العربية، يواجه تحديات كبيرة ومتنوعة تشمل الأوضاع الاقتصادية، التراجع التعليمي، ضعف البنية الثقافية، والمشكلات الاجتماعية المتزايدة. ورغم وجود محاولات للإصلاح في بعض القطاعات، إلا أن غياب “ناقد مجتمعي” موضوعي وشامل يجعل العملية الإصلاحية غالبًا غير مكتملة أو قصيرة الأمد.
الناقد المجتمعي ليس مجرد فرد ينتقد السلبيات، بل هو صوت واعٍ ومصلح يعمل على تشخيص المشكلات، توعية المجتمع، وتقديم حلول فعّالة. وفي السياق المصري، هناك حاجة ملحة إلى هذا الدور أكثر من أي وقت مضى، نظرًا للظروف الاقتصادية والاجتماعية المعقدة التي يعيشها.
لماذا يحتاج المجتمع المصري إلى ناقد مجتمعي؟
1. تشخيص القضايا الهيكلية
يعاني المجتمع المصري من قضايا جذرية تشمل الفقر، البطالة، تراجع جودة التعليم، وضعف الرعاية الصحية. دور الناقد المجتمعي هو تسليط الضوء على هذه المشكلات بموضوعية، وربطها بالأسباب الحقيقية، بدلًا من التركيز على المظاهر السطحية.
2. تطوير وعي شعبي واسع
المجتمع المصري يتمتع بتاريخ طويل من الوعي الحضاري، لكن هذا الوعي قد تراجع بفعل الإعلام الموجّه وغياب التثقيف. هنا يأتي دور الناقد المجتمعي لرفع الوعي لدى المواطنين وتعريفهم بحقوقهم وواجباتهم، وحثّهم على المشاركة في التغيير الإيجابي.
3. كسر ثقافة الاستكانة
أحد أبرز المشكلات هو انتشار ثقافة “الرضا بالأمر الواقع”، مما يؤدي إلى قبول الأوضاع المتردية باعتبارها قدراً لا مفر منه. الناقد المجتمعي يعمل على تحفيز الناس للخروج من هذه العقلية والبحث عن حلول جذرية لتحسين ظروفهم.
4. مواجهة الفساد والمظاهر السلبية
الفساد الإداري، والمحسوبية، وانعدام الشفافية في بعض المؤسسات تُعدّ تحديات كبرى تعوق التنمية. الناقد المجتمعي يبرز هذه الممارسات ويناقش آثارها على المجتمع، داعيًا إلى إصلاحات هيكلية في النظم والسياسات.
ما الذي يمكن أن يقدمه ناقد مجتمعي لمصر؟
1. تشجيع النقاش العام
المجتمع المصري بحاجة إلى فضاءات للنقاش المفتوح والصريح حول قضاياه، بعيدًا عن التوجيه أو التخوين. الناقد المجتمعي يمكن أن يكون جسرًا بين الأفراد والحكومة، ينقل مطالب الناس، ويشرح سياسات الدولة بأسلوب موضوعي ومبسط.
2. اقتراح حلول عملية
النقد وحده لا يكفي؛ الناقد المجتمعي عليه أن يقدم بدائل واقعية وقابلة للتطبيق في مجالات التعليم، الصحة، الاقتصاد، وغيرها.
3. إعادة بناء الهوية الثقافية
المجتمع المصري يمتلك رصيدًا ثقافيًا وحضاريًا غنيًا، لكن كثيرًا من هذه القيم تراجع بفعل العولمة والانشغال بالصراعات اليومية. الناقد المجتمعي يعمل على إعادة إحياء هذه القيم وغرسها في الجيل الجديد.
4. إشراك الشباب في عملية التغيير
يمثل الشباب النسبة الأكبر من سكان مصر، ومع ذلك يواجهون تحديات كبرى مثل البطالة وضعف المشاركة السياسية. الناقد المجتمعي يمكنه توجيه طاقة الشباب نحو التفكير النقدي والمشاركة الفاعلة في قضايا مجتمعهم.
كيف يمكن تحقيق دور الناقد المجتمعي في مصر؟
1. دعم حرية التعبير
لا يمكن أن يظهر ناقد مجتمعي فعّال بدون فضاء من الحرية يتيح له التعبير عن رأيه بموضوعية وأمان.
2. إيجاد منصات مستقلة
وجود وسائل إعلام ومنصات فكرية مستقلة يساعد على نشر الأفكار النقدية، ويمنح الناقد المجتمعي صوتًا يصل إلى جميع شرائح المجتمع.
3. تعزيز التعليم والتثقيف
إعادة بناء منظومة التعليم في مصر لتشمل قيم التفكير النقدي والتحليلي من شأنه أن يُنتج أجيالًا قادرة على ممارسة النقد البنّاء والمشاركة في الإصلاح.
4. دعم المبادرات الشعبية
تشجيع المبادرات التي يقودها الأفراد والمجتمعات المحلية لإصلاح مشكلاتهم بأنفسهم، مع وجود دور توجيهي للناقد المجتمعي لتطوير هذه المبادرات.
ختامًا
المجتمع المصري، بموروثه الثقافي وحضارته العريقة، قادر على النهوض والتغلب على التحديات. ولكن هذا يتطلب وجود أصوات نقدية واعية ومؤثرة، تعمل على إحياء القيم الإيجابية، وتحفيز المجتمع على تجاوز مشكلاته. “الناقد المجتمعي” ليس مجرد شخص ينتقد، بل هو مصلح ومفكر يزرع الأمل ويقود التغيير، وهو ما يحتاجه المصريون اليوم لاستعادة ريادتهم في العالم العربي والإسلامي.