دكتور عبد الله العوضي يكتب: ترامب .. ظاهرة أمريكية !
قبل ثمانية أعوام و في مثل هذا التاريخ 6 / 11 / 2016 ، كنت ضيفا على الهواء عبر إحدى القنوات الفضائية، و قد حسمت النتائج لصالح ترامب أيض خلافا لكل التوقعات التي كنت أتابعها حتى ساعة متأخرة من تلك الليلة.
و كنت حتى آخر لحظة أقلب في صفحات مذكرات هيلاري كلنتون " خيارات صعبة " ، و كانت في ذلك الوقت أقرب إلى الفوز من ترامب .
و كانت محاور اللقاء كلها تصب في خانة هيلاري ، و عند وصولي إلى الأستوديو كان المعنيين عن إعداد هذا الحوار يعيدون بوصلة البرنامج باتجاه معاكس ، و قد أعددت نفسي في حال فوز هيلاري ، و لكن جرت رياح الانتخابات الرئاسية بما لا تشتهي السفن .
استطيع القول بأني دخلت البرنامج بلا محاور ، و كل ما هنالك أسئلة المقدم المفاجئة ' هل توقعت فوز ترامب ؟! قلت :
لقد أجاب بوش الإبن على هذا السؤال قائلا : الواقع هو في توقع ما لا يُتوقع !
بالمقابل من كان يتوقع فوز أوباما " الأسود " للجلوس في البيت الأبيض لفترتين رئاسيتين!
هذه هي ميزة الديمقراطية الأميركية التي لا شبيه لها و لا في أوروبا ذاتها .
فأجبت بلا مثلما لم أفاجأ بانتخاب أوباما الأكاديمي وريجان السينمائي وروزفلت الصحفي، فهذه أميركا التي لم يدرك البعض حقيقة السياسة التي تديرها وتدير العالم من حولها للدوران في فلكها .
إلتقيت على هامش أحد الإجتماعات الرسمية مع مسؤول إعلامي كبير في إحدى الشركات الإعلامية الضخمة وكان ترامب هو موضوع الحديث وشعور هذا المسؤول بالخجل من كون ترامب رئيسهم .
فخالفته هذا الشعور العاطفي أو الأخلاقي الذي لا مجال له في سياسات الدول التي تتأسس على البراجماتية والمصالح التي لا علاقة لها بالصداقة ولا بالعداوة ، فهي مجرد مصالح متبادلة منزوعة منها دسم الأخلاق والقيم المتعارف عليها في الحياة اليومية لأفراد المجتمع .
فأشرت إلى أن ترامب في رأي يكفي أنه رفع القدس والقضية الفلسطينية إلى قمة عناوين الصحف والمجلات و عبر كافة وسائل التواصل الإجتماعي التي ترامب ذاته لا تغفل عيناه عنها ، فبعد غياب هذه القضية المحورية للعالم أجمع بلا استثناء عن الساحة الدولية وخاصة عند حلول " الربيع العربي " الذي جر على الأمة العربية والإسلامية ويلات فوضى الدمار وذهاب الإستقرار أدراج الرياح العاتية بصريرها المدوي ولم نجد له حتى اليوم مداويا، رغم صوته المدوي .
نؤكد القول بأن أميركا المتفردة بحكم العالم ليست ترامب مهما أوتي من مال قارون وصلاحيات فرعون هذا الزمن .
فأميركا الحقيقية ليست في شخص ترامب ، بل في أكبر ثلاث مؤسسات تدير أميركا إلى التقدم وهي متمثلة في وزارة الخارجية والدفاع والكونجرس فمن يملك قدرة التأثير عليها ، لديه الإمكانية على اتخاذ القرار الذي قد يفاجئ العالم في قوة مفاعيله على مجريات السياسة الدولية .
من هنا تأتي قوة اللوبي الصهيوني ، المستفيد الأكبر من الديمقراطية ومعه الشريحة المسيحية المتصهينة وأباطرة المال الذين يتبرعون لبقاء إسرائيل و إطالة أمد تطاوله على من تريد بمليارات الدولارات سنويا بالإضافة إلى المعونة السنوية الحكومية التي تقدر بثلاثة مليارات دولار .
ويكفي أن أحد أصحاب المليارات أخذ على عاتقه بناء السفارة الأميركية في القدس بمبلغ يقارب نصف مليار دولار .
وهذا لا يعني أن اللوبي الصهيوني يلعب دور المتفرج أمام هذه المؤسسات التي تمثل أهم ركائز الدولة العميقة في أميركا، بل هو من يلعب في " عبها " ويستخرج منها ما يمكِّن إسرائيل في تماديها أمام كل من يقف على طريقها وإن كانت أميركا ذاتها .
أميركا ليست فندقا ضمن امبراطورية ترامب المالية ، بل هي شعب يحاسب ويسائل رئيسه كلما انحرف عن البوصلة المحددة منذ التأسيس ، والشعب لديه أدواته الشرعية وفقا للدستور وليست الفوضى الخلاقة ضمن أدوات تغيير الحكام ، بل عبر صناديق الإقتراع .
نقول سياسةً ما دام الجمهوريين أغلبية في الكونجرس ومجلس الشيوخ فسياسات ترامب ماضية ولن يؤثر بوتين عليه لشبهة التدخل في الإنتخابات الرئاسية .
البعض في العالم الثالث لم يدرك حتى هذه اللحظة بأن النظام السياسي الأميركي لا يولِّد دكتاتور ، وإن كان ترامب يملك صلاحيات كبيرة ولكن صلاحيات الشعب أكبر من صلاحياته أو أي رئيس مقبل ، حتى يتغير الدستور الذي لم يتغير منذ النشأة الأولى وخلال أكثر من مائتي عام إلا مرات قليلة للضرورة القصوى .
وهذا الأمر يدرس في المناهج الأميركية بدءا من المرحلة الإبتدائية في كتاب بعنوان " السياسي الصغير " .
فبناء على ما تقدم ، ترامب اليوم أقوى وقد انتخب لفترة ثانية مثل أوباما وكلنتون وبوش الإبن فكلهم واجهوا أزمات كبرى .
ننتقل سريعا إلى بعض ردود فعل دولية ، و هي لا زالت في بدايتها ، فهذه رئيسة وزراء إيطاليا تقول بأن : لدينا علاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة وسنعززها الآن بشكل أكبر ، و أما أمين عام حلف الناتو صرح بأن: ترامب أظهر قيادة أميركية قوية طوال فترة ولايته الأولى ، و أردف " زيلينسكي" قوله مهنئا ترامب على فوزه "المذهل" في الانتخابات .
و على هذا المنوال ذكر رئيس الوزراء البريطاني في قوله بأنه : يتطلع إلى العمل مع ترامب في السنوات المقبلة، وستستمر العلاقات بين البلدين في الازدهار ،
والخارجية الصينية عبرت عن فوز "ترامب" في قولها : نأمل في التعايش السلمي مع أميركا .