الخميس 21 نوفمبر 2024

دكتور عبدالله العوضي يكتب:“ نتنياهو " .. من بعد موسى ؟!!

باور بريس

 

لم يحدث في تاريخ " دولة إسرائيل " ، أن بلغ بقائد فيها مبلغا من الغرور الفاضح و الفارغ كما هو  الحال مع " نتنياهو " في مرحلة مآل إسرائيل الغامض ، و لا " هرتزل " زمانه . 
تأملوا درجة الترقية التي منحها " نتنياهو " لنفسه ، دون أي تدخل من رئيس إسرائيل ، تهيؤوا لشم رائحة الغرور النتنة التي سوف تشعرون بها تلقائيا عندما تعلمون عندما وصف " نتن يا هو " نفسه بأنه أعظم قائد مر على تاريخ بني إسرائيل من بعد النبي موسى عليه السلام فهو يرى نفسه أعظم من كل أنبياء بني إسرائيل الذين جاؤا من بعد موسى بلا ريب .
لقد أنساه هذا الغرور الفج في خضم هذه النشوة المخدرة للحقائق، بأن لكل فرعو ن " موسى " يحيى معه كظله الذي لا خلاص منه .

الإنحدار.. أو الإنهيار!

مع ذهاب " بايدن " عن المشهد السياسي ، سيبدأ مشهد " نتنياهو " في انحدار ، و إذا لم يقبل النزول من الشجرة ، فإن دولة اسرائيل نفسها ستكون معرضة لهذا الإنحدار الذي يليه الإنهيار ، و هذا شيء مختلف عن اليهود غير المتصهينين أنفسهم.
و أحد آثار هذه الحالة النرجسية لنتنياهو، ظهر على لسان وزير الأمن القومي الإسرائيلي الذي علق على هذا الوضع المزري : "نتنياهو" يتصرف وكأننا في حكومة الرجل الواحد، ونحن انضممنا إليها للتأثير لا للتشجيع ( 8 / 7 / 2024 )
يتضح من ذلك ،  أنه لم يستطع أحد من المقربين التأثير عليه إيجابا و قد أصبح بعضهم قرابين لسياساته " الفاشية و النازية " في آن واحد. 
ماذا يعني حكومة " الرجل الواحد " في دولة تغنت منذ عقود بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط أمام الدكتاتورية كما زعمت ، و أنها الواحة الخضراء و غيرها صحراء مقفرة ، هذا الصنم انهدم بعد السابع من أكتوبر 2023 ؟! 
لقد وضع " نتنياهو " دكتاتور القرن  الواحد والعشرين ، جميع حلفائه و أصدقائه في وضع حرج للغاية ، حتى و إن كان البعض منهم يمضي مع غي إسرائيل نتنياهو حد الإغراق . 
و رغم ذلك، فإن بريطانيا ، التي غرست شوكة إسرائيل في فلسطين، تبدي أمرا مختلفا و خاصة بعد مجيء حزب العمال إلى السلطة .
مسؤولون في حزب "العمال" يقو : لا نزال نعتقد أن المحكمة الجنائية الدولية لديها ولاية قضائية على غزة، وهناك توقعات بتخلي بريطانيا عن محاولة تأخير إصدار الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق "نتنياهو" (  ذا غارديان- 8 / 7 / 2024 ) 
و تأكيدا على هذا الأمر ، بريطانيا قد تسحب اعتراضها على سعي الجنائية الدولية لإصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو (  نيويورك تايمز- 25 / 7 / 2024 )
هذا الموقف ، و إن لم يكن دفاعا عن أبرياء غزة ، فإن رمزيته تجاه شخص " نتنياهو " مؤشر على أن إسرائيل تستطيع أن تستمر بدونه.
هذا الشعور كان يملأ قلب نتنياهو خوفا و قلقا هنا احتاط عندما 
قرر عدم التوقف في أوروبا خلال رحلته إلى الولايات المتحدة خوفًا من مذكرة اعتقال تعدّها المحكمة الجنائية الدولية بحقه (  هيئة البث الإسرائيلية - 10 / 7 / 2024 ) 
يجيد نتنياهو فن العرقلة، و يتقن كل أساليب المراوغة السمجة 
مسؤولون أمنيون أبدوا تخوفهم من عرقلة "نتنياهو" الصفقة بسبب خشيته من تفكك حكومته (  هيئة البث الإسرائيلية - 8 / 7 / 2024 ) ، و حركة "حماس " تقول : نتنياهو  ما زال يراوغ وتصريحاته متناقضة بشأن غزة
 ( 9 / 7 /  2024 ) ، و يمعن في محاولات التهجير لإفشال جهود التوصل لاتفاق، ونطالب الوسطاء بالتدخل .
أما رئيس المكتب السياسي لحماس قبل اغتياله في طهران قال بأن: التصعيد العسكري الإسرائيلي قد يعيد المفاوضات إلى المربع صفر ونحمل نتنياهو المسؤولية ( 8 / 7 / 2024 ) 
حتى على المستوى الداخلي و الشخصي ملاحق من قبل الأجهزة الأمنية التي تثبت بأن هناك دولة مؤسسات كبقية الديمقراطيات في العالم الغربي ، إلا أن نتنياهو يعيش وفق نظرية " التغافل  " و لكن إلى متى ؟!
النيابة العامة ترفض طلب "نتنياهو" تأجيل تقديم شهادته في قضايا الفساد إلى ما بعد نوفمبر ( هيئة البث الإسرائيلية - 7 / 7 / 2024 ) 
و النيابة العامة ترد عليه بأنه : إذا كان "نتنياهو" عاجزًا عن القيام بمهامه والمثول أمام المحكمة فليعلن ذلك .  ( 7 / 7 / 2024 ) 
نتنياهو يتصرف بإسرائيل على هواه ، و ليس وفقا لحق منتخبيه الذين يريدون منه التنحي طوعا و ليس كرها أو كُرها .
مظاهرات حاشدة أمام منازل 18 وزيرًا وعضو كنيست من "الليكود" تطالب بإسقاط "نتنياهو" وحكومته وإبرام صفقة (الجزيرة - (  7 / 7 /2024 )

أكذب من .. " جوبلز "

في خطابه أمام الكونغرس في يوم الأربعاء الموافق 24 / 7 / 2024 ، الذي وصفته نانسي بلوسي ، بأفشل خطاب في التاريخ، وصف كل المتظاهرين و المعارضين بالمتخلفين بعيدين عن الحضارة سواء في الداخل أو الخارج، فهم أعداء إسرائيل بالمطلق . 
و قد وصف السيناتور " بيرنز " و المرشح الرئاسي الذي انسحب من السباق مبكرا حتى لا يتحمل تبعات المرحلة المقبلة، أطلق على خطاب نتنياهو بأنه مجموعة أكاذيب، أشد خطورة من أكاذيب " جوبلز " في عهد النازية . 
يقول أحد المسؤولين السابقين في وزارة الخارجية الأميركية، لقد فرح نتنياهو كثيرا من أربعين مرة من التصفيق في الكونغرس، و لم يلاحظ بأن المصفقين كانوا من العاملين في الكونغرس و ليسوا من الأعضاء و نقطة القوة الوحيدة التي يملكها فقط " العناد " ؟! 
هذا السلوك المغلف بالعناد يتجاهل الواقع ، رغم أن غالبية ناخبي الليكود يطالبون نتنياهو بالاستقالة وكثير منهم يطالب بأن يتم ذلك بعد الحرب ( صحيفة معاريف الإسرائيلية - 10 / 7 / 2024 )  ، و 56% من الإسرائيليين يريدون التوصل إلى اتفاق لإعادة الرهائن في غزة مقابل إنهاء الحرب والانسحاب من قطاع غزة (   جيروزاليم بوست - 10 / 7 / 2024 )

الصمم .. السياسي

و لكن وضع نتنياهو أصبح كمن له أذن من طين و أخرى من عجين ، الصمم السياسي عم و طال أمده و  " كأن في أذنيه وقرا " 
استطلاعات الرأي مؤشر ذو دلالة على الوضع السياسي الداخلي في إسرئيل فمن خلالها يمكن أن نلمح مؤشر التغيير .
و من ذلك استطلاع رأي لـ"القناة 12 الإسرائيلية" تشير إلى أن: 72% يؤيدون استقالة "نتنياهو" و64% يطالبون بصفقة الآن ( 12 / 7 / 2024 ) 
أما استطلاع لمعاريف خلص إلى أن : المعارضة بقيادة غانتس تحصل على 60 مقعدًا في الكنيست مقابل 50 لنتنياهو إذا جرت الانتخابات اليوم ( 12 / 7 / 2024 ) 
نتنياهو يتقطر إصرارا و عنادا للمضي في هذا المسار غير السياسي، بقوله : لن نوقف حرب غزة حتى تحقيق جميع أهدافها .
و قد أبلغ أعضاء وفد مفاوضات التهدئة بغزة أن الحرب لن تنتهي إلا بتحقيق جميع أهدافها ( إعلام إسرائيلي - 4 / 7 / 2024 )
رغم تنبيه وزير الثقافة قوله بأن : إسرائيل فقدت القدرة على الردع، بعد 9 أشهر من الأحداث في جبهات عدة ( 11 / 7 / 2024  )
علما بأن طوفان الأقصى ، قد أكمل سنته الأولى في يوم الأحد الموافق 6 / 10 / 2024 ، ترى أين تلاشي حلم أو وهم نتنياهو في التخلص من المقاومة في عدة أيام ، طالت عليه نحسات للسنة الثانية و ليس اليوم التالي ، كيف و قد فتح على نفسه جبهة جنوب لبنان قبل يتعافا من صداع غزة و صدعها  .
أصبحت يد نتنياهو أطول من يد الحكومة ذاتها ، و هي مليئة بالحجارة التي يضعها أمام أي خطوة للحل أو للانفراج الجزئي .
هذا ما نقل عن مسؤول سياسي قوله بأن: القرار بشأن الصفقة المحتملة في يد "نتنياهو" في النهاية ( القناة  12 الإسرائيلية  - 11 / 7 / 2024 ) 
و في ذات الوقت ، نقلًا عن إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الأسبق قوله بأن: "نتنياهو" قد ينسف صفقة الرهائن بعد كلمته في الكونغرس (  القناة 12 الإسرائيلية - 7 / 7 / 2024 )

حجرين .. لا شرطين ؟!

كيف ؟! الجواب لدى موقع "واللا" الإسرائيلي الذي أورد  بأن : المحادثات التي جرت في القاهرة ناقشت شرطين ( أي حجرين أو صخرتين صلدتين ) وضعهما "نتنياهو" ، لم تكن ضمن الصفقة المقترحة .  ( 8 / 7 / 2024 )
هكذا دأب منذ " الطوفان " في سنته الاولى و مع دخله السنة الثانية أشد و أنكى ، حتى نال شرف لقب " المعرقل الأول " في تلك الحكومة المنفردة به لا بغيره . 
و تأكيدا على ذلك فإن مكتب نتنياهو يصدر قائمة شروط "غير قابلة للتفاوض" قبيل المحادثات المرتقبة في القاهرة والدوحة ( إعلام إسرائيلي - 8 / 7 / 2024 )
بل أصر على إبلاغ المبعوث الأميركي الخاص للشرق الاوسط بذلك بلا مواربة• 
مكتب " نتنياهو " يقول : إنه التقى بالمبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط وأكد التزامه باتفاق وقف إطلاق النار المحتمل "شرط الحفاظ على الخطوط الحمراء الإسرائيلية" (  الحرة - 10 / 7 / 2024 )
هذا الشرط الذي يلفه الغموض من كل نواحيه، لأن كل خطوة إيجابية عند العالم، يعتبر لدى نتنياهو خط أحمر، لذا تحولت هذه الخطوط إلى دائرة صفرية عند الإقتراب من الحل . 
فلنستمع إلى مسؤولين في الدفاع قولهم بأن: "نتنياهو" أضاف مبادئ تتجاوز الاتفاقات مع الوسطاء ما قد يعطل التوصل إلى اتفاق ( القناة 12 الإسرائيلية -  12 / 7 / 2024 ) 
و عن مصدر مطَّلع قوله بأن: إصرار "نتنياهو" على آلية منع عودة المسلحين سيعطل المفاوضات، ونحن على بعد خطوة لإعادة 20 إلى 30 رهينة على قيد الحياة (القناة 12 الإسرائيلية -  12 / 7 / 2024 ) 
و هكذا يضع الحبل على الجرار ،  عندما طالب"نتنياهو" بمنع عودة المسلحين إلى شمال غزة قد يعرقل المحادثات ( موقع  " اللا " الإسرائيلي - 13 / 7 / 2024 )
نتنياهو" يتشدد في موقفه ويعرض مطالب لم تكن موجودة ويتنكر لتعهدات قدمتها إسرائيل ( هآرتس - 13 / 7 / 2024 )
حتى في تفاصيل الشأن الداخلي ورد عن الرئيس السابق لـ"الشاباك" بأنه: يجب منع "نتنياهو" من تعيين رئيس جديد للجهاز لأنه سيكون تعيينًا حزبيًا سياسيًا (  القناة 12 الإسرائيلية - 13 / 7 / 2024 )
و الملاحظ أنه استخدم صيغة الوجوب ، دلالة على أهمية الأمر الذي يترك للتسييس الخارج عن مصلحة الدولة.

من تدمير غزة.. للحتلال " فيلاديلفيا " !

و لم يدع نتنياهو مجالا لأي مرونة سياسية، لقد قال : لن أتراجع عن مقترح "بايدن" ولكن لن أتنازل لـ"حماس" عن أيّ شيء ، نحن الآن في مرحلة تقدم إيجابي في الحرب، وليس من الصائب وقفها الآن ،  قمنا باحتلال محور "فيلادلفيا" ومعبر "رفح"، رغم "الرفض الأميركي " ، الأميركيون يعرفون أن الاغتيالات جزء من سياستنا، ولسنا مضطرين لإخبارهم بكل شيء ، علينا الانتظار حتى نهاية الحرب لإجراء أيّ تحقيقات بشأن "7 أكتوبر" و على الإعلام الإسرائيلي التحدث عن الوحدة وعدم الدعوة  للتظاهرات. ( 13 / 7 / 2024 ) 
قادة إسرائيل أنفسهم ليسوا على مسافة واحدة مع نتنياهو ، فهم أشد تذمرا منه من غيرهم سو في الداخل أوالخارج .
قادة الوفد الإسرائيلي المفاوض يوجهون انتقادات لاذعة لـ"نتنياهو" في اجتماعهم به؛ بسبب خلافٍ حول عودة سكان غزة إلى شمال القطاع ( قناة 13 الإسرائيلية - 14 / 7 / 2024 ) 
و خلاف بين "نتنياهو" وقادة الأجهزة الأمنية بشأن بقاء قوات الجيش في محور "فيلادلفيا" (  هيئة البث الإسرائيلية- 14 / 7 / 2024 ) و كذلك مسؤولون أمنيون يقولون بأن: حديث "نتنياهو" عن التزامه بمقترح "بايدن" غير دقيق بعد إدخاله شروطًا تعرقل الصفقة ( يديعوت أحرونوت- 15 / 7 / 2024 ) 
و لا مجال حتى للتعبير عن هذا الإستياء ، لأن قوات الأمن للشعب الإسرائيلي بالمرصاد، فهي تعتقل عددًا من المتظاهرين "المطالبين بإبرام صفقة تبادل الأسرى"، وإسقاط حكومة "نتنياهو" (  القناة 12 الإسرائيلية- 15 / 7 / 2024 )
و هذا التحرك على الأرض للتعبير أمر عادي و دستوري منذ قيام دولة الاحتلال، و لكن اليوم رئيس الحكومة وحده يجرّم فاعليه قبل فاعليته.
و تبريره جاهز مسبقا عندما يذكر بأنه: علينا زيادة الضغط وكلما ازداد سنحصل على صفقة تحرر أكبر عدد ممكن من المختطفين ( القناة 14 الإسرائيلية - 16 / 7 / 2024 ) و يصر على رفض انسحاب الجيش من محور "فيلادلفيا" (  هيئة البث الإسرائيلية - 16 / 7 / 2024 ) 
و نقلًا عن مسؤول أمني قولهم بأن : "نتنياهو" اتهم رؤساء الأجهزة الأمنية بفرض مخطط "بايدن" عليه (  القناة 13 الإسرائيلية - 17/ 7 / 2024 )

ضيق .. القانون

بدأ نتنياهو يضيق بأي شيء اسمه " قانون " يقيد حركته وفقا لدستور الدولة التي يرأس حكومتها بانفراد ، و دون اعتبار للأفراد الذين من حوله أو أي مسؤول آخر في الحكومة أو الدولة.
فهو الآن يدرس سن قانون تشكيل لجنة تحقيق تختار أعضاءها أغلبية نيابية بـ"الكنيست" وليس رئيس المحكمة العليا ( كما هو المعتاد ) و كذلك يبحث عن طرق وبدائل للتهرب من تشكيل لجنة رسمية للتحقيق في إخفاق 7 أكتوبر (  موقع واللا الإسرائيلي - 17 / 7 / 2024 ) 
في الوقت الذي تريد الحكومة إعادة الرهائن مرحليا وفق بنود الاتفاق التي وضعت بين الطرفين، نتنياهو يذهب عكس الطريق ليصطدم بكل أعضاء حكومة الحرب المصغرة .
فهو وحده فحسب يرى ، و كأن شركاءه في عمى : الآن هو الوقت المناسب لتكثيف الضغط من أجل إعادة جميع الرهائن وتحقيق أهداف إسرائيل في الحرب 
" الكابنيت" اجتمع أيضا لبحث صفقة التبادل وسط موقف "نتنياهو" الداعي لمزيد من الضغط العسكري ، و يساعدنا بمطلبنا بالإفراج عن أكبر عدد من المحتجزين بالمرحلة الأولى .
( هيئة البث الإسرائيلية - 17 / 7 / 2024 ) 
يجد هذا الموقف المتصلب ردا من رئيس الموساد على "نتنياهو" قائلا بأن: إصرار "نتنياهو" على نقاط جديدة في المفاوضات مع "حماس" قد يحبط الاتفاق( 18 / 7 / 2024 ) ، و قد تابع بعض المسؤولين في المجلس السياسي الأمني الإسرائيلي قولهم بأن :  " نتنياهو" يخوض معركة مماطلة يمكن أن تُعَرِّضَ الاتفاق للخطر  (  القناة 12 الإسرائيلية - 19 / 7 / 2024 )

مواقف " زئبقية " !

لقد احتار الوسطاء من مواقفه " الزئبقية " و التي لا يستطيع أحد الإمساك بها فبمجرد الوصول إلى خط النهاية ، تبدأ الكرّة من جديدة .
أخبروا الوسطاء  "حماس" بألا تتأثر بتصريحات "نتنياهو" عن المفاوضات؛ فبعضها لأغراض سياسية فقط ، أما القرار بشأن المفاوضات فبيد "نتنياهو" وهو متمسك بموقفه (  هيئة البث الإسرائيلية - 18 / 7 / 2024 ) 
منذ أن تحرك قطار المفوضات ، فإن دور نتنياهو كان في إخراجه عن مساره و ليس الوقوف في محطاته ، ذكر مسؤول بأن : "نتنياهو" أضاف شرطًا جديدًا وهو الحصول على أسماء الأسرى الأحياء الذين سيفرج عنهم ، هذا و قد أبلغ  الوسطاء أن البقاء في محور فيلادلفيا ضغط على حماس لتنفيذ المرحلة الثانية (  هيئة البث الإسرائيلية - 29 / 7 / 2024 ) 
و صرح رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي بأن : "نتنياهو" وحكومته فشلا في تطوير استراتيجية للخروج من غزة  ( 24 / 7 / 2024 ) 
و يضيف " أكسيوس" نقلًا عن مسؤولين أميركيين بأن بايدن  أبلغ نتنياهو بأنه ليس هناك وقت لإضاعته في التوصل لاتفاق ووقف إطلاق النار .
و نقلًا عن مسؤولين إسرائيليين: ضغوط داخلية مستمرة على "نتنياهو" لإظهار مرونة لإتمام الاتفاق (  نيويورك تايمز- 28 / 7 / 2024 ) و  الآلاف يشاركون في تظاهرة في "تل أبيب" للمطالبة برحيل "نتنياهو" وإبرام صفقة تبادل (الحدث - 28 / 7 / 2024 ) 
نتنياهو استبعد كل مبادئ السياسة الدولية في مواجهة كل من يقف أمامه من أجل رغباته الشخصية للبقاء على سدة الرئاسة أطول فترة ممكنة.
فالواقعية ذهبت معه في أدراج الحرب غير المتناظرة و لا بالمتكافئة و لا المتقابلة كما هي بين الدول و هي بالنظامية ، فهي عبثية و وحشية إلى درجة أن القناصة الإسرائيليين يرفّهون عن أنفسهم بقنص الخرفان مع الإنسان.

تذكرة .. روسيا

و تقوم روسيا بتذكير نتنياهو بأهمية العامل الواقعي لوقف هذا الإستهتار بكل شيء.
صرح وزير الخارجية الروسي بذلك أثناء قوله بأن : تدمير حماس كليًا ليس واقعيًا كما يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي ( 28 / 7 / 2024 ) 
حتى المخطوفين الإسرائيليين ، لم يعد يعنيه مصيرهم ، فعن مصدر أمني قوله بأن : "نتنياهو" اتخذ قرارًا بالتخلي عن المخطوفين رغم رغبة كل الأطراف في إبرام صفقة(   القناة 13 الإسرائيلية - 4 / 8 / 2024 )
و هو ما أكده أيضا مسؤول إسرائيلي آخر في قوله بأن : "نتنياهو" غير معني بمحادثات صفقة التبادل ومطالبه أفشلت المفاوضات ( هآرتس - 4 / 8 / 2024 ) 
أما زعيم المعارضة الإسرائيلية فقد صرح قائلا بأن : "نتنياهو" يستمر في تأخير صفقة استعادة الرهائن لأسباب سياسية (  4 / 8 / 20 ) 
و مكتبه يقول كذلك بأن : "نتنياهو" مُصِرّ على إطلاق سراح جميع المختطفين، ويتوقع ألا يتدخل الأميركيون في السياسة الإسرائيلية .

إسرئيل.. أكبر قاعدة عسكرية

نتنياهو يعلم جيدا بأن إسرائيل هي هي أكبر قاعدة عسكرية للولايات المتحدة الاميركية في العالم، و هي البوابة الخلفية لتحركاتها في كل الاتجاهات من إجمالي 800 قاعدة عسكرية منتشرة حول العالم .
و لماذا تتدخل أميركا في السياسة الإسرائيلية و هي في  حالة تماه تام معها ، خاصة في المرحلة الراهنة ؟! 
بل دخلت موجات من الهستيريا، في مناقشات " الكابينيت " حل " الصراخ " محل " العقلانية " و الواقعية البراجماتية ، النقاشات بين "نتنياهو" ورؤساء الأجهزة الأمنية حول صفقة وقف إطلاق النار وصلت لحد "الصراخ في وجه بعضهم البعض" ( صحيفة معاريف الإسرائيلية - 3 / 8 / 2024 ) 
و عن مسؤولين بفريق التفاوض قولهم بأن: تقديرات قادة الأجهزة الأمنية تشير إلى أن "نتنياهو" غير معني بإبرام صفقة تبادل . ( هآرتس 3 / 8 / 2024 )  و ليس من الواضح مدى استعداد "نتنياهو" للتحلي بالمرونة والتخلي عن بعض مطالبه للتوصل إلى اتفاق الرهائن ( القناة ال 13 الإسرائيلية - 9 / 8 / 2024 ) 
أما عائلات الأسرى الإسرائيليين فعندها ما تقول أيضا: التسريبات عن مساعي نتنياهو للانسحاب من الصفقة مخيفة ولن نسمح بإهمال المختطفين (  العربية- 3 / 8 / 2024 )

بايد .. و اليد السفلى

لم تعد ل " بايدن " يدا عليا على " بيبيه " مع كثرة طلباته منذ البداية و لم تصل لخط النهاية بعد .
لقد طلب من "نتنياهو" خلال مكالمة "صعبة" التوقف عن تصعيد التوترات في المنطقة
• "بايدن" أبلغ "نتنياهو" أن هناك حاجة للاستقرار الإقليمي ، بل طلب منه أكثر من ذلك بأن لا يتلاعب بالرئيس الأميركي ، و هل هناك إذلال و إهانة للكرامة الأميركية حسب وصف المحللين الأميركان و ليس الطليان ؟! (  موقع " أكسيوس " - 3 / 8 / 2024 ) .
لقد لبى طلبه هذا باغتيال "فؤاد  شكر " و إسماعيل هنية " لأن من صلاحياته الحصرية ، و أضاف إليهما لاحقا أمين عام " حزب  الله " و من معه في ذلك القبو السحيق و إن كانت هذه السياسة تخالف كل القوانين الدولية التي تحرم قتل السياسيين من أي ملة كانوا أو أي حزب انتموا  أعداء كانوا أم حلفاء ، أصدقاء أو خصوم ، عنيفين أو لطفاء ؟!

التهديد.. بالإقالة

و من يتجرء على مخالفته و لو كان من طاقم حكومته فإنه يفكر بلا أدنى تفكير في إقالته كرئيس الأركان ورئيس "الشاباك" إلى جانب وزير الدفاع (  هيئة البث الإسرائيلية - 3 / 8 / 2024 ) 
لم يبق في إسرائيل مسؤول مرموق ، إلا و له تحفظ معلوم على إدارة نتنياهو لحكومة تضر الدولة و هي الأهم في أي مجتمع ، فليس هناك حكومة تضحي بمصالح الدولة لرغبة شخص يريد أن يتهرب من دفع ثمن قراراته الأحادية الجانب .
فهذه المستشارة القانونية للحكومة الإسرائيلية تتهم "نتنياهو" باتخاذ قرارات "تضرّ بأمن الدولة" (  الحدث - 7 / 8 / 2024 )
هل هناك أمر أهم من قضية أمن دولة ، التي يتعامل معها نتنياهو كأنها ملك خاص ، و لكن دون السعي للحفاظ عليه . 
ننظر قليلا إلى سياسة رغائب نتنياهو التي يعبر عنها بما يلي : 
نواجه محورًا إيرانيًا متكاملًا، وعلينا تنظيم أنفسنا للدفاع على نطاق أوسع  ، و اتساع رقعة الحرب في غزة لتتحول إلى صراع إقليمي مخاطرة أدركها، لكنني مستعد لخوضها . 
أرغب في رؤية إدارة مدنية يديرها سكان غزة، وربما بدعم من الشركاء الإقليميين و كذلك أرغب بعد خروج "حماس" من السلطة في "تجنيد الدول العربية للمساعدة بتنصيب كيان لا يهدد إسرائيل" (  مجلة تايم- 8 / 8 / 2024 )
نتنياهو يعلن عن إدراكه لكل شيء، و لكن يقوم بممارسة عكس ذلك الإدراك، كل عملية تفاوض بحاجة إلى نقاط إلتقاء ، و هذه النقاط التي يريدها نتنياهو غير قابل للتحقيق، حماس أيضا ترغب في إطلاق سراح البرغوثي ليدير غزة في المرحلة المقبلة، أما نتنياهو يبحث عن عميل لها يدير غزة .
خروج حماس من السلطة شأن داخلي، و الفصائل توعدت أي دولة تتدخل في شأنها ، تعتبرها عدوا أو خصما، قد تتعقد بها الأمور أكثر  .
كيف لدول عربية القيام بتنصيب " كيان " و ليست حكومة  لا يهدد إسرائيل ، و لكن بالمقابل الكيان الصهيونى له مطلق الحق فى ترعيب و تركيع من تشاء و متى تريد؟!

وريث .. " هرتزل " ؟!

من خلَّف ما مات ، هكذا قيل في الأمثال و الحِكم ، يبدوا في الحُكم الحالي ساري المفعول .
نتنياهو الذي صنف نفسه ، أي أعطى لنفسه الحق أن يزكيها ، دون أن يدفع زكاتها ، بأنه أقوى قائد لبني اسرائيل من بعد موسى ، و أفضل من " جيمس بوند " في هذا العصر .
لقد سبقه إلى ذلك المرتبة " هرتزل " الذي صدق نفسه بأنه نبي لأن نبوءاته في قد تحققت من بعده في ثلاث: الهجرة ، الإستيطان و أخيرا دولة الاحتلال الإسرائيلي .
حتى ساعة احتضاره كان يهذي بذلك ، ففي يوليو 1904 ، مات " تيودور هرتزل " و هو يضرب اللحاف بيده في هذيان الموت كما لو أنه يضرب على مائدة الاجتماعات معتقدا أنه لا يزال يترأس المؤتمر الصهيوني، أو وهو يتصور أنه في أرض الميعاد يشتري الأرض من أصحابها " يجب أن تشتري الثلاثة فدادين هذه، هل دونت ملحوظة بذلك: الثلاثة فدادين هذه " ( المصدر : ص 166 من كتاب " الصهيونية و الحضارة الغربية " - د . عبدالوهاب المسيري/ 2019 )
أما نتنياهو فنبوآته مختلفة عن الأب الروحي للصهيونية  التي لا دين لها ، و تحمل في أحشائها نبوءة " زوال دولة إسرائيل " و هذا لا علاقة له باليهود ، لأنهم هم أصحاب هذا الرأي المستند إلى نصوص التوراة و التلمود و إن كانا محرفين .