دكتور عبد الله العوضي يكتب:" غزة "و الضمائر الحية ؟!
منذ انطلاق " طوفان الأقصى " في 7 / 10 / 2023 , و استمراها حتى اللحظة الراهنة ، هناك جزء حر من العالم يمارس حقه في " الإنصاف " بدل الحياد أو الوقوف مع طرف على حساب طرف آخر .
و ذلك لإيمان هذا البعض الحر ، بأن قضية فلسطين، قضية عادلة وفق كل المقاييس الدولية و القانونية و كذلك القيم الإنسانية .
عندما يكون الصراع بين الحق والباطل، فلا بد للأحرار دعم كل الجهود التي تساعد على إزهاق الباطل بكل الوسائل المتاحة و الممكنة .
فليس للحياد السلبي هنا قيمة ، و لا للفرجة على ما يجري في غزة و الضفة و القدس تفريجا لأي كربة .
و لا يخلو زمن من ذوي الضمائر الحية ، و هُم يحمون التاريخ من الوهْم و التزييف ، يقول الحكماء : من لم يدرس التاريخ ، فهو طفل .
ماذا نعني حقا بالتاريخ ؟ هو المرآة الثالثة لقائد مركبة الحضارة الإنسانية .
فهو لا يطيل النظر فيها ، حتى لا يصطدم بالواقع و لا يغض الطرف عنها ، حتى لا تضيع البوصلة من بين يديه فيتيه في صحراء الواقع المقلوب أو المفروض .
الحضارة .. و التقدم المادي
إن التقدم المادي ليس إلا تيسيرا للحياة و تهوينا لصعابها ، و هو و الحالة هذه قضية من الدرجة الثالثة .
أما القضية الحقيقية فهي تلك التي لم يعبر عنها أحد كما عبر عنها " برونتير " الذي قال : إن الحضارة لا تكمن في الغاز و لا في البخار ( و لا في الكهرباء و لا في الآلة التي تسير بالبترول ) و إنما تكمن الحضارة في التكفير عن الخطيئة الأولى .
( ص : 67 من كتاب " فلسطين : إليكم الحقيقة "
لمؤلفه : ج . م . ن . جفريز
الجزء الثالث
الطبعة : 2000
إصدارات دائرة الثقافة و الإعلام
حكومة الشارقة )
أميركا .. لا تخلو ؟!
نقول أميركا التي ينبغي أن تكون راعية للسلام غدت في حرب غزة داعمة للإجرام الإسرائيلي - الصهيوني ، بدون أن تحافظ على ماء وجهها أمام العالم و دون استحياء من أحد .
و هذا ليس كل شيء ، بل في جعبة المجتمع الأميركي خير عظيم و مساندين للحق الفلسطيني أمام الباطل الإسرائيلي المعتمد على قوة البطش .
فهذا السيناتور الأميركي بيرني ساندرز. المرشح الرئاسي السابق ينطق بقوة الحق و ليس بحق القوة و إن كانت دولته تعمل خلاف ذلك : "نتنياهو" مجرم حرب لا تنبغي دعوته للتحدث أمام الكونغرس ( 2 / 6 / 2024 )
هذا على المستوى الرفيع ، و أما على مستوى الجماهير الغفيرة، فحدث عن ذلك و لا حرج .
و لسنا في صدد حصرها ، التي أعجزت وسائل الإعلام عن نقلها ، و لكن نضرب الأمثال لنرعاها حق رعايتها .
بدأت ديموقراطية أميركا بالتآكل من الداخل على الحكومة التي جعلت منها ميزة و إضافة نوعية مقارنة بالنظم الأخرى في العالم .
كانت الاعتقالات " حصرية على العالم الثالث ، فأصبحت مشاعة ليس في أميركا فحسب، بل في العالم الغربي أجمع .
في الولايات المتحدة الأميركية ،
شرطة "سان فرانسيسكو" أفادت : باعتقال 70 متظاهرًا من المؤيدين لفلسطين ، احتلوا ردهة مبنى قنصلية إسرائيل بالمدينة ( 4 / 6 / 2024 )
لا حظوا دقة المصطلح " احتلوا " فهو حرام على الأحرار و حلال على المحتل بفرض الأمر الواقع؟!
رغم أن احتلال هؤلاء المتظاهرين ليس إلا تعبيرا رمزيا عن رفضهم لما تمارسه إسرائيل من مخالفة قوانين الاحتلال و مبادئه ؟!
ضمير .. الداخل !
و المجتمع الإسرائيلي كذلك ليس استثناء من تلك الحالة، حيث جرت
تظاهرات كبيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط نتنياهو وإبرام صفقة مع حماس ( العربية- 25 / 5 / 2024 )
و كذلك عشرات الإسرائيليين يتظاهرون أمام وزارة الدفاع بتل أبيب ويطالبون بإبرام صفقة تبادل ( - هآرتس - 2 / 6 / 2024 )
و أضافت إذاعة الجيش الإسرائيلي: متظاهرون إسرائيليون يغلقون طرقًا رئيسية في "تل أبيب"؛ للمطالبة بإبرام صفقة لتبادل الأسرى ( 20 / 6 / 2024 )
بل إن عائلات المخطوفين تدعو للمشاركة في مظاهرة بتل أبيب ومقابل منزل نتنياهو ( القناة 13 الإسرائيلية - 22 / 6 / 2024 )
و الجيش الإسرائيلي مستمر في حملة اعتقالات أفراد الشعب ، و قد أعلن رسميا عن اعتقال 3 متظاهرين خلال مظاهرة مناهضة للحكومة أمام مقر حزب "الليكود" في "تل أبيب" ( إذاعة الجيش الإسرائيلي - 23 / 6 / 2024 )
و رغم ذلك منظمو الاحتجاجات يقررون التظاهر طوال الأسبوع المقبل وتحويل منزل "نتنياهو" بالقدس إلى نقطة ثابتة للتظاهر ( هآرتس - 23 / 6 / 2024 )
و قادة الاحتجاجات يدعون إلى إضراب عام اعتبارًا من 7 يوليو حتى حل الكنيست وإسقاط الحكومة ( يدعوت أحرنوت - 23 / 6 / 2024 )
لأن الوضع الإنساني بدأ يتحكم في الأوضاع الصعبة لكلا طرفي الحرب، فلا بد من تحرك فاعل يزيل أسباب هذا الصراع الذي دام أكثر من سبعة عقود من المراوحة في ذات المكان و قد تعمقت حفرة النزاع و الشقاق أكثر مما تحتمله اللحظة الراهنة.
حتى زعيم المعارضة الإسرائيلية لم يعد يحتمل هذا الوضع المزري فقال : إذا تراجعت إسرائيل عن الصفقة الآن سيعني ذلك حكمًا بالإعدام على المختطفين وأزمة ثقة مع الأميركيين والدول الوسيطة ( 2 / 6 / 2024 )
و مشى على خطاه تمير باردو، الرئيس السابق للموساد الذي قال : على الشعب الخروج إلى الشارع والقول لـ"نتنياهو" وحكومته "انصرفوا عنا" ( 22 / 6 / 2024 ) .
و عشرات الجنود الإسرائيليين الاحتياط يعلنون أنهم لن يعودوا للخدمة العسكرية في غزة حتى لو تعرضوا للعقاب ( هآرتس- 25 / 6 / 2024 )
* أما والد جندي إسرائيلي أسير في غزة. يقول : "نتنياهو" يفضل موت كل المخطوفين لدى "حماس" ليبقى رئيسًا للوزراء أطول مدة ممكنة ( 26 / 6 / 2024 ) .
هيئة البث الإسرائيلية: محتجون يغلقون شارعًا رئيسيًا في "تل أبيب"، ويطالبون بصفقة تبادل ( 26 / 6 / 2024 )
كل أصحاب الضمائر الحية أمام الآخرين من الضمائر الغائبة أو المجهولة ، لا يدعون إلى حمل السلاح ضد إسرائيل ، بل فقط يدعون لإسقاط الأباطيل التي تروجها عن نفسها ، بعد أن تعرضت لصواريخ " أبابيل " المقاومة بكل فصائلها .
دول .. و مواقف مختلفة
تختلف مواقف الدول و أساليب التعامل مع إسرائيل ، و فقا لمصالحها و مقتضيات الواقع الذي يفرض وضعا يصعب الوقوف حياله كالمتفرج .
لقد أعطت الحرب في غزة أقوى مبرر للضغط على إسرائيل كل حسب ميزانه الداخلي و نوع العلاقة البينية.
يلجأ البعض إلى الطرق الدبلوماسية مثل سحب السفراء أو استدعائهم، بدلا من سحب السلاح و تهديدهم .
و من ذلك ما ورد عن مصدر دبلوماسي قوله بأن: البرازيل تستدعي سفيرها من إسرائيل ( فرانس برس - 29 / 5 / 2024 )
أما " جزر المالديف " فقد ذهبت إلى استخدام العامل السياحي كورقة ضغط مؤثرة في الفرد الإسرائيلي العادي ، و في ذلك رسالة مبطنة توحي من طرف خفي إلى سوء السياسات التي تتبعها حكومته تجاه الفلسطينيين الأخلياء من الحول و القوة و الحيلة ؟!
هذا ما أوردتها هيئة البث الإسرائيلي عندما ذكرت بأن : المالديف تمنع دخول الإسرائيليين البلاد بسبب الحرب في غزة ( 2 / 6 / 2024 )
و هناك ذراع موجعة لإسرائيل إذا ما استطاعت بعض الدول ليّها باقتدار لنفعت إيجابا و أثمرت ألا و الاقتصاد مع المال و الأعمال و منع الإستثمار و التجارة البينية، و من ذلك القبيل ، الرئيس الكولومبي يأمر بتعليق صادرات الفحم من بلاده إلى إسرائيل "لحين توقف الإبادة الجماعية" ( الجزيرة- 9 / 6 / 2024 ) ، و في ذات الإتجاه قرر
أكبر صندوق للتقاعد في النرويج، بيع حصته من شركة "كاتربيلر"؛ بسبب احتمال مساهمتها بـ"انتهاكات" في غزة والضفة الغربية ( بلومبيرغ - 26 / 6 / 2024 )
و البعض الآخر آثر الحياد الإيجابي ، بمعنى عدم الوقوف مع المحتل و عدم الاختلال بميزان الحل السياسي العادل ، و هو ما صرح به الرئيس القبرصي عندما قال : لسنا منخرطين في الصراع ولا ننحاز إلى طرف ونحن جزء من الحل لا المشكلة ( 20 / 6 / 2024 )
الحلم .. انتهى ؟!
حتى لا نصاب بالاحباط و نستسلم هذا ما جاء في الإفتتاحية لصحيفة " هآرتس الإسرائيلية " بعنوان ( الفلسطينيون أفضل شعوب الأرض في الدفاع عن أوطانهم ) .
هل تُصدِّق أن إفتتاحية أكبر جريدة إسرائيلية اليوم تقول الحقيقة عن الفلسطينيين ، وبأنّهُم شعب مِن أفضل شعوب الأرض الذين هبّوا للدِّفاع عن حقوقهم بعد خمسة وسبعين عاماً ، وكأنهم رَجُلٌ واحِد ؟!.
من أندر ما ينضح به الضمير الحي ، وأجمل ما تزهر به الحُرِّيّة الفكريّة ، وأجوَد ما يُثمِر بهامِش التّمكُّن إقرأ ماذا يقول الكاتب :
( أثناء الحرب على غزة ، وإطلاق صواريخ المقاومة علينا ، خسارتنا كل ثلاثة أيام 912 مليون دولار ( أي قرابة 100 مليار دولار ) من طلعات الطائرات ، وثمن صواريخ الباتريوت ، وتزويد الٱليات بالوقود ، واستهلاك الذخائر والصواريخ على كافة انواعها .
ناهيك عن تعطُّل الحركة التجارية ، وهبوط البورصة ، وتوقُّف مُعظم المؤسّسات وأعمال البِناء ، وشلل تام في جميع مجالات الزراعة وموت الدواجن على أنواعها في المزارع بعشرات ملايين الدولارات ، وتعطُّل بعض المطارات وبعض خطوط القطارات ، وثمن إطعام الهاربين إلى الملاجئ .
ناهيك عن التدمير في البيوت والمحال التجارية والسيارات والمصانع ، بفعل صواريخ المقاومة الفلسطينية !!
إننا نتعرض لحرب نحن مَن بدأها وأوقد نارها وأشعل فتيلها ، ولكننا لسنا مَن يُديرها !
وبالتّأكيد لسنا مَن يُنهيها ،
ونهايتها ليست لمصلحتنا ،
خاصّة وأن المُدن العربية في إسرائيل فاجأت الجميع بهذه الثّورة العارمة ضُدنا ، بعد أن كنا نظُن أنهم فقدوا بوصلتهم الفلسطينية !!
هذا نذير شُؤُم على الدولة التي تأكّدَ سياسيُّوها أن حساباتهم كانت كُلها مغلوطة ، وسياساتهم كانت تحتاج لأُفُق أبعد مِمّا فكروا فيه .
إنهم فعلاً أصحاب الأرض ، ومَن غير أصحاب الأرض يدافع عنها بنفسه وماله وأولاده بهذه الشراسة ، وهذا الكبرياء والتحدي ؟؟
وأنا كيهودي أتحدى أن تأتي دولة إسرائيل كلها بهذا الإنتماء وهذا التّمسُّك والتجذُّر بالأرض .. ولو أن شعبنا مستمسِّك بأرض فلسطين ، لما رأينا ما رأيناه مِن هجرة اليهود بهذه الأعداد الهائلة في المطارات ، يسارعون للهجرة منذ أوّل بدئ الحرب ، بعد أن أذقنا الفلسطينيين ويلاتنا ، من قَتل وسِجن وحِصار وفصل ، وأغرقناهم بالمخدرات وغزونا أفكارهم بخُزعبلات تُبعدهم عن دينهم ، كالتحرُّر والإلحاد والشَّك بالإسلام والفساد والشذوذ الجنسي !!
لكن الغريب في الأمر ، أن يكون أحدهم مُدمِن مخدرات ولكنّه يهُب دفاعاً عن أرضه وأقصاه ، وكأنه شيخ بعمامة وصوته يصهل الله أكبر !!!
هذا إضافة الى أنهم يعلمون ما ينتظرهم مِن ذُل وآهانة واعتقال البعض ، ولم يتردّدوا يوما عن الذهاب لأداء الصلاة في المسجد الأقصى !!
جيوش دول بكامل عِتادها لم تجرُؤ على ما فعلته المقاومة الفلسطينية في أيام معدودات ، فقد سقط القِناع عن الجندي الإسرائيلي الذي لا يُقهر .. وأصبح يُقتل ويُخطف !!
وطالما أن تل أبيب ذاقت صواريخ المقاومة ، فمِن الأفضل أن نتخلّى عن حِلمنا الزائف بإسرائيل الكبرى .. ويجب أن تكون للفلسطينيين دولة جارة تُسالمنا ونُسالمها ، وهذا فقط يُطيل عمر بقائنا على هذه الأرض بضع سنين ..
وأعتقد بأنه ولو بعد ألف عام ، هذا إن استطعنا أن نستمر لعشرة أعوام قادمة كدولة يهودية ، فلا بُد أن يأتي يوم ندفع فيه كل الفاتورة !!
فالفلسطيني سيُبعث مِن جديد ، ومِن جديد ومِن جديد ، وسيأتي مرّة راكباً فرسه متجهاً نحو ( تل أبيب ) !!
قتل في غزة .. و في البرتغال ؟!
رسم للفنان البرتغالي ) فاسكو غار غالو ) نشره في مجلة ( سابادو ) البرتغالية بعنوان: المحرقة و قد أثار حفيظة الصهاينة و غضبهم ، فشنوا على صاحبه حملة شعواء و طالبوا رئيس الصحيفة بطرده و يمثل الرسم صورة " نتنياهو " و هو يزج بتابوت يمثل الشعب الفلسطيني في أتون فرن و كأنه يقول للعدو الإسرائيلي إذا كنتم تدعون أنكم تعرضتم لمحرقة على أيدي النازيين فإنكم ترتكبون مثلها أو يزيد بحق غزة و أهلها و كل فلسطين. لقد تم قتل هذا الرسام منذ أيام في لزبن بالبرتغال مع أنه نصراني ؟!