دكتور عبد الله العوضي يكتب:" غزة " .. المحكمة الجنائية و “ شعرة معاوية "
بين العدالة و الظلم تقع شعرة العدالة الكونية ، و لقد سماها اليهود أنفسهم ب " بشعرة معاوية " منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، فهل من معتبر ، و هل من مدكر ؟!
لقد جاء الوقت الذي فيه يتنكرون لها و يتكبرون على شيء اسمه " العدالة " و يصابون بالهستيريا عند سماع ذكرها لأنها السيف الذي أنقذهم لمئات السنين من بطش أنفسهم و هم يعلمون جيدا بأنهم عاشوا تحت ظلالها قرون عددا ، و حان وقت دفع ثمن الباهظ نتيجة الحيد عنه بدل الدفاع عن حياضها لصالح الجميع .
لماذا يلجأ الناس إلى المحاكم، كلما لاح الظلم على وجوهم كلحه ؟ لأنها ترى بريق شمس العدالة في أحكامهما و لو بعد حين، و كذلك الشأن مع الدول التي تلجأ إلى قاض عادل بعد أن ذاقت ويلات و مرارات السياسي الماكر ؟!
لغة المحاكم .. غير لغة السياسة !
لأن لغة المحاكم قاطعة ، و لغة السياسة خادعة ، هذه اللغة، أفقدت الكلمة الصادقة معناها ، و غلفت مقولاتها بالغموض، إن لغة الديبلوماسية السائدة في العالم الغربي و تلامذته تقول .. و لا تقول .. ظاهرها موقف، و باطنها موقف آخر ، و قد لا تعني شيئا ذا قيمة، و كأن الأحاديث الديبلوماسية لا تعني أي تحديد ، و إذا خرجت عن دائرة " التلميح " إلى مجال " التصريح " فإنها قد تقلب الحق باطلا، أو تلوي عنق الحقيقة لكي تناسب مصلحها و أهواءها ، و تنسجم مع تحالفاتها و مكاسبها. ( المصدر : ص207 " الإسلام و حركة آلحياة " د . نجيب الكيلاني/ 1988 )
عندما استنفدت الدبلوماسية طرقها و السياسة سدت اسرائيل مساماتها ، لم يبق غير الطريق المفتوح إلى محكمة الجنايات الدولية، التي لن تحارب إسرائيل لاستعادة " غزة " من براثن الظلم الصهيوني المتجسد في الحكومة الإسرائيلية و اليهود أنفسهم يتبرأون منها ؟!
مصدر دبلوماسي رفيع يصرح بأن: محكمة العدل الدولية تستعد لإصدار أمر بوقف الحرب في قطاع غزة ( يسرائيل هايوم - 23 may / 2024 )
دول .. منصفة
إذا كان العالم المتقدم استطاع أن يجعل للعدالة مؤسسة تنطق باسمها ، و لا تعدم في الدنيا من يشجع تحقيق هذه العدالة حال صدور القرار الحاسم .
يقول وزير خارجية النرويج: إذا كان هناك مذكرة اعتقال بحق "نتنياهو" و"غالانت" من محكمة لاهاي فسنضطر لاعتقالهما إذا وصلا إلى النرويج و هي أول دولة أوروبية تهدد باعتقال "نتنياهو" و"غالانت" إذا أمرت الجنائية الدولية بذلك ( -هيئة البث الإسرائيلية - 22 may / 2024 ) .
إسرائيل و العدالة.. خصمان ؟!
من الواضح بأن إسرائيل مع العدل لا يلتقيان ، و خاصة عندما ترى بأنه خصمها اللدود .
الحروب ضد الدول لا تقتصر على ميدان العمليات في الأرض فحسب ، فمحكمة العدل الدولية ، غدت إحدى ساحاتها المؤثرة في العالم الذي بدأ في سياسة العزل عنها تدريجيا ، وهي التي كانت لعقود تنشد الاندماج في الشرق الأوسط غصبا و اغتصابا .
بالنظر إلى سلوك إسرائيل تجاه القرارات التي صدرت عن المحكمة الجنائية الدولية ، تدرك حقيقة ما يدور في العقل الباطن الإسرا ئيلي .
نقلًا عن مسؤولين بأن : المخابرات الإسرائيلية راقبت موظفي منظمات فلسطينية كانت تتواصل مع "الجنائية الدولية" ، و مارست هذا الفعل اللامسؤول ، بالتعاون مع " الشاباك" الذي قام بتثبيت برنامج "بيغاسوس" للتجسس على هواتف موظفي منظمات فلسطينية ومسؤولين في السلطة ، و قد استحسن " نتنياهو" هذا التصرف و أبدى اهتمامًا وثيقًا بالعمليات الاستخباراتية ضد المحكمة الجنائية الدولية ، و كذلك استمرت إسرائيل في شن حرب سرية استمرت 9 سنوات ضد المحكمة الجنائية الدولية ( ذا غارديان- 29 / 5 / 2024 )
بل أكثر من ذلك ، عندما طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي قوله بأنه : يجب فرض عقوبات على محكمة العدل الدولية .
الضمائر.. الحية
هذا في الوقت الذي تحدث فيه وزير خارجية هولندا مع نظيره الإسرائيلي ، حيث أوضح له بأنه : على بلاده الالتزام بأمر محكمة العدل الدولية ( 30 / 5 /202 )
لا يعدم العالم من دول محبة للسلام و الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، و هذا أهم ما جاء خلال مؤتمر صحفي لـ"وزير الخارجية النرويجي"، ونظيره السعودي، ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي عندما قالوا بأن :
عدم تطبيق قرارات محكمة العدل الدولية سيزيد من ضعف النظام العالمي ( 25 / 5 / 2024 )
و أضاف وزير الخارجية الإسباني كذلك قوله بأن قرارات العدل الدولية بما فيها وقف الهجوم الإسرائيلي على رفح ملزمة ونطالب بتنفيذها ( 25/ may/ 2024 )
دولة الإمارات ترحب بقرار محكمة العدل الدولية فرض تدابير مؤقتة إضافية على إسرائيل تطالبها بالوقف الفوري لعملياتها العسكرية في محافظة رفح وما يتسبب به ذلك من تفاقم الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة ( وام - 24/may 2024 )
و قد أردف رئيس الوزراء العراقي قوله بأن : قرار محكمة العدل الدولية بشأن "رفح" يعد تعبيرًا عن الضمير الحي للعالم .
حرب .. نتنياهو ؟!
ترى أين موقع الضمير الإسرائيلي أمام العالم كله ، نقلًا عن مسؤولين إسرائيليين قولهم بأن : قرار محكمة العدل لن يوقف عملية رفح.. وهي الآن مستمرة ( يديعوت أحرونوت - 25/ 5 / 2024 )
تحولت حرب غزة إلى حرب نتنياهو ضد الكل بلا تفرقة ، لقد وضع نقسه بين خيارين لا ثالث لهما إما النصر وإما " الإبادة " ، لأنه يعلم مصيره جيدا بأن السجن هو الخيار الثالث لا محال ، هذا إن لم يغتال كما اغتيل رابين بفتوى دينية اليوم أو ينتحر سياسيا ؟!
وصف نتنياهو، قرارات المحكمة الدولية بالفضيحة كما عبر قائلا بأن : هناك فضيحة قد تحدث في المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين ( 5/5 / 2024 )
بل ذهب إلى أكثر من ذلك حيث قال بأنه: يجب فرض عقوبات على محكمة العدل الدولية ( 30 / 5 / 2024 )
و ها قد حدث ، دون أن تعير المحكمة لموقف نتنياهو أي اهتمام ، المحكمة الجنائية الدولية، تطلب إصدار مذكرة توقيف في حق نتنياهو وغالانت و3 من حماس .
أميركا .. و " الأسرلة " ؟!
هل رأيتم في أميركا الحظة ، أكثر " أسرلة " من إسرائيل نفسها ، نلتفت إلى لغة السياسة الغريبة المستخدمة في ردود أفعالها على تلك القرارات من مؤسسات دستورية تخالف بعض نصوص دستورها التي قامت عليها حضارة أميركا و هي التي حملت على كاهلها الدفاع عن الحرية و الديمقراطية و العدالة و المساواة في العالم و ليس الولايات المتحدة وحدها.
هذه ردة فعل الخارجية الأميركية التي صرحت إننا : نؤمن بضرورة محاسبة قادة حماس لكن لا نرى أن الجنائية الدولية لديها الصلاحية للقيام بذلك ، أما رئيس مجلس النواب الأميركي فقد علق بقوله إن : إعلان الجنائية الدولية يجب أن يقابل بإدانة دولية والمحكمة لا سلطات لها على إسرائيل .
يفترض في نظام ديمقراطي ، أن يمثل الشعب ، خاصة و أن الشعب الأميركي انتفض للدفاع عن فلسطين من رجل الشارع و حتى أشهر رؤساء الجامعات الأميركية و على رأسها " هارفرد " الأولى على مستوى العالم ، و قد أعلن رئيسها عن استقالته لصالح القضية الفلسطينية العادلة ، و هي المؤسسة التي خرجت نخبة الساسة في العالم المتقدم ، و رفضت تسييس العلم و بيعه لصالح الصهيونية العالمية من أي دين أو ملة .
أما البيت الأبيض فقد عارض فرض عقوبات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية بسبب سعيها لإصدار مذكرات اعتقال بحق قادة إسرائيليين ( 29 / 5 / 2024 )
و من جانب آخر فقد انهارت المحادثات في مجلس الشيوخ الأميركي بشأن العقوبات ضد المحكمة الجنائية الدولية ( أكسيوس - 11 / 6 / 2024 )
فورة .. التهديد!
بعد الغضب الإسرائيلي ، يتبعه على الفور فورة التهديد ، هذا يوسي كوهين، الرئيس السابق لجهاز الموساد، هدد المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية للتخلي عن التحقيق في جرائم حرب ( الغارديان- 21 / 5 / 2024 )
و من المرجح أن يؤدي صدور هذا القرار ضد إسرائيل من أعلى جهة قانونية تابعة للأمم المتحدة إلى زيادة الضغوط الدبلوماسية على حكومة "نتنياهو" ( قناة الحرة - 25 / 5 / 2024 )
و من تلك الضغوط ، الوضع الداخلي الهش في الحكومة الإسرائيلية ذاتها ، حيث تداعى
زعماء المعارضة يائير لابيد وأفيغدور ليبرمان وجدعون ساعر للإلتقاء من أجل مناقشة تشكيل حكومة بديلة لحكومة نتنياهو ( إعلام إسرائيلي - 21 / 5 / 2024 )
ما هو الهدف النهائي لتلك القرارات الدولية ؟ أجابت رئاسة جنوب إفريقيا بقولها أننا : طلبنا من محكمة العدل إصدار أمر عاجل لحماية الفلسطينيين بعد هجوم إسرائيل على رفح ( 11 / 5 / 2024 )
فالغاية هنا نبيلة ، و الوسيلة أكثر نبلا ، عكس ما تصبوا إليه إسرائيل ، عندما تريد تحقيق أهدافها بأقذر الوسائل المتاحة لديها ، و تعاقب شعبا بجريرة طفل متمرد ، نضرب بذلك جدلا .
باسم الحق التاريخي يقوم الصهاينة بذبح العرب في فلسطين، و يبيدون القرى ، و يبذرون الفتن، و يشترون الضمائر و الأقلام و الصحف و الزعامات السياسية العالمية في الشرق و الغرب، و يجدون من يدعمهم بالمال و السلاح و الخبرات المختلفة.
إن اللعبة قد بلغت ذروتها من القمة و الانحطاط و موت الضمير.
بالمقابل كان الرسول و خلفائه، يحذرون جنودهم من قتل الأطفال و النساء و كبار السن، بل يمنعونهم من حرق البيوت أو اقتلاع الأشجار، و يفرضون عليهم معاملة الأسرى بالحسنى .
( المصدر : ص 225- 228 / “ الإسلام و حركة الحياة " د . نجيب الكيلاني/ 1988 )
القاتل الإسرائيلي ، الذي يقتل أسراه بدم بارد ، و مع ذلك يلقي الإتهامات جزافا على كائن من كان .
استمع إلى وزير خارجية إسرائيل و ما يصف به رئيس وزراء إسبانيا بأنه : متواطئ في التحريض على قتل الشعب اليهودي باعترافه بدولة فلسطينية ( 21 / 5 / 2024 )
الوظيفة.. القتالية !
و من أهم وظائف الدولة الصهيونية على الاطلاق هي الوظيفة القتاليّة ( لا التجارية و لا المالية) ، فعائد الدولة الوظيفية الأساسي عائد استراتيجي ، و السلعة أو الخدمة الأساسية الشاملة التي تنتجها هي القتال : القتال في نظير المال ، أي وظيفة مملوكية بالدرجة الأولى . و فيما عدا ذلك ، فإنها ديباجات اعتذارية . ( المصدر : ص 103-104 / “ الصهيونية و الحضارة الغربية " د . عبد الوهاب المسيري- 2019 )
فهي لا تتوانى و لا تتورع عن قتل الرهائن تحت ذريعة مصلحة الدولة العليا ، فها هو الجيش الإسرائيلي يعلن عن : مقتل أربعة رهائن خلال احتجازهم في خان يونس جنوبي قطاع غزة ( 3 / 6 / 2024 )
لغة .. غير محترمة !
ليس لدى اسرائيل لغة محترمة و معتبرة في التعامل مع الدول الأوروبية التي وقفت إلى جانبها طوال العقود الماضية ، فتنفث بأي ترهات فقط لأنها تعد نفسها فوق كل البشر و مرفوع عنها القلم الدولي في الحساب و الكتاب.
نحن أمام مرحلة سياسية " شاذة " و غير طبيعية في العلاقات بين الدول في هذه حرب غزة خاصة ، و يخشى أن يتعدى هذا " الشذوذ " الخارج عن أي منطق مع بقية الدول و التي تعاني من أزمات مماثلة و إن كانت غير متماثلة .
الدول العاقلة و العادلة، تقول ما هو واجب اللحظة المفصلية في السياسة الدولية ، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي يقول بأنه : يجب تفادي المعايير المزدوجة إزاء الوضع في غزة وقرار محكمة العدل الدولية ( 1 / 6 / 2024 ) ، في الوقت الذي أعلنت فيه دولة تشيلي انضمامها إلى جنوب إفريقيا في دعواها ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية ( فرانس برس - 2 / 6 / 2024 )