دكتور عبد الله العوضي يكتب: بعد طوفان الاقصي...اقسي !
منذ انطلاق عمليات " طوفان الأقصى " في 7 أكتوبر 2023 ، توأم 6 أكتوبر 1973 ، و العالم بقيادة أميركا يبحث عن مخرج لحفظ ماء وجهه السياسي ، لكل من " باي .. دن " و بيبيه " نتن .. يا .. هو " . سيناريوهات الخروج بلا حصر ، لأنها خاضعة لسير وقع الميدان ، و ليس من وراء الجدران ، و إن كان أيضا للجدران آذان صاغية فقط و لكن ليست واعية ، بسبب الأهداف " الخبيثة " التي تحاك للتخلص من شيء اسمه " مقاومة " من أي قناة فكرية خرجت !
لقد استخدمت إسرائيل المحتلة ، و المغتصبة لوطن لا تملكه بشهادة التوراة و الإنجيل و التلمود و القرآن ، إلا ما حكمت به " بروتوكولات حكماء صهيون " و هي ما لا تعترف به كل الأديان ، إلا الملتفين حول طاولة الأمم المتحدة بحكم حق القوة الذي طحن قوة الحق من منذ اعتراف العالم بغرس إسرائيل عنوة في قلب العالم العربي ، و لقد حان و قت العملية الجراحية لاستخراج هذا الزرع الفاسد و لو كلف ذلك حياة الألوف من الشهداء ، فهي عند الرحمن أثمان غالية و ليست تكاليف عالية كما يحسبها أهل الشان في المال و الأعمال و الاقتصاد ، و يحتسبها أهل الإيمان عند ورود الجنان .
ما الذي لم يستخدمه الكيان الصهيونى لإذلال الشعب الفلسطيني و إهانته منذ احتلال أرضه على ملئ من العالم أجمع ، و لكن لم يزده ذلك ، إلا تمسكا بأرضه و لو باستخدام نواجذه و أظافره .
الهدف من طرح كثرة السيناريوهات ، هو دب اليأس في نفوس المؤمنين بطريق المقاومة و الفت في عضدها ، و الضغط عليها لقبول أحلاها و الأمرّ .
و في كل مقترح ، تريد أميركا التسيد و الآمر الناهي لجميع المتعاونين معها ، دون أن يستشيروا أهل القضية في التقدم بطرح أفكارهم لتحرير أرضهم .
جني الثمر .. و أكل الحصرم ؟!
أول سؤال مطروح و بقوة ، بعد و قف " الطوفان " من يجني الثمار ، و من يأكل الحصرم ؟!
من يحكم غزة ؟! " حماس أم عباس ، أم يترك القرار للصندوق ؟!
نقول ، قبل الرفض الإسرائيلي لحماس ، عباس من أكثر المتحمسين للقطع بالرفض ، و هذا الأمر كان جليا منذ اليوم الثاني " للطوفان " ! و موقف عباس يعبر عنه ب " لن ندخلها حتى يخرجوا منها " هذا بصفته الأب الروحي للقضية الفلسطينية ، فكيف لو لم يكن كذلك ؟!
أما إسرائيل ، فإن موقفها طبيعي ، بعد أن " ذاقت و بال أمرها ، و كان عاقبة أمرها خسرا "
أما الشخصيات البديلة ، فهي تتمثل في قائمة بالأسماء التي تدور حولها أميركا و حلفائها ، وقد تم التركيز على الفتحاوي مروان البرغوثي والذي سيلعب دورا محوريا في بلورة النظام السياسي الفلسطيني المستقبلي (أميركا ترشحه لمنصب الرئيس) ، بصحبة احمد سعدات .
و في الفترة الانتقالية تبدأ من يناير 2024 تستمر لموعد أقصاه اكتوبر 2024 ، أميركا ترشح ناصر القدوة(ابن اخت عرفات ) وعماد ابو كشك نائبا له.
و يتولى سلام فياض حكومة تسيير الأعمال و زياد ابو عمرو نائبا له .
مقترح لمنح محمد دحلان دورا استشاريا غير مباشر في الشؤون الأمنية والسياسية ولحساسية حماس بخصوص دحلان ترك الامر للتوافق بين فتح وحماس وسيتولى ملف تحديد مصير ومهام دحلان عن حركة حماس صالح العاروري ( و قد تم اغتياله ) وعن حركة فتح جمال حويل وما يتفقان عليه يكون ملزما للجميع . ( أخباركم أخبارنا - 1/12/2023 )
بلا .. خفي حنين!
هذا السيناريو ، يستبعد ، أن يكون لحماس اليد الطولى في حكم غزة ، و في نفس الوقت يعيد الصراع الفلسطيني- الفلسطيني إلى نقطة الصفر ، لأن الفصائل المقاتلة لن تقبل بأن تعود بعد هذه الحرب الطاحنة بلا " خفي حنين " .
الفصائل التي واجهت المحت لأكثر من اربعة أشهر قادرة أن تبطل مؤامرة الداخل الفلسطيني عليها بكل سهولة ، خاصة و هي تعلم اليوم شعبيتها في وسط الشعب الفلسطيني ، إضافة إلى تخاذل السلطة من حولها ، بل ذهبت إلى دفع إسرائيل للتخلص منها بأي ثمن و لو كان قتل الشعب ذاته للحفاظ على سلطتها التي انتهى مفعولها منذ الاقتتال الأول في 2006 ، و انفصال غزة في الحكم عن السلطة في الضفة .
التدويل ؟!
هذا السيناريو يؤدي إلى تدويل القضية الفلسطينية برمتها و ليست غزة فحسب ، و هذا يعني الابتعاد خطوات عن مشروع إقامة دولة فلسطينية في المدى المنظور .
و الخطة تنص على إعادة انتشار يتضمن تفكيك مستوطنات وتبادل أراضي وحل نهائي للقدس الشرقية يتضمن وجود قوات دولية من 7 دول تتبع الناتو ودول من خارج الناتو تحت إشراف الأمم المتحدة لتكون جهات دولية رقابية وضامنة منها قوات من ثلاثة دول اسلامية هي ماليزيا وتركيا والأردن وقوات ايطالية وفرنسية والمانية وإسبانية.
نقول ، كل ما يطرح اليوم أو غدا من سيناريوهات مشروطة شرطا لازما بموافقة إسرائيل أولا و أخيرا و لا تستطيع أميركا و لا غيرها بإجبارها على أي خطة و القوة الوحيدة القادرة و الحاسمة على إلزام إسرائيل حدها هي " المقاومة " لا غير ، هذه حصيلة خبرة فلسطينية منذ 1936 ، و لا زالت سارية المفعول حتى ساعة " طوفان الأقصى "
و قد قال أبو القاسم الشابي رأيه شعرا :
و لتشهدِ - الدنيا التي غَنَيتَها
حُلْمَ الشبابِ . و روعةَ الإعجابِ
" أن السلامَ حقيقةٌ مكذوبةٌ
و العدلُ فلسفةُ اللَّهيب الخابي "
لا رأي للحقِّ الضعيف . و لا صدى .
الرأيُ . رأيُ القاهر الغلاب
( ديوان العرب - إنعام صيام )
فما دامت الحرب مستمرة ، فكل السيناريوهات تشبه الرمال المتحركة التي تطمس تحتها الاطمار و الأطماع ، و تزيح عن وجه هائل من الأفكار التي يراد من خلالها طمس آثار فلسطين و رمي أعدل قضية في التاريح و راء الكواليس المظلمة و المغرضة و المغرقة في الاجحاف.
السلطة.. احتواء لا استيلاء ؟!
في المرحلة المقبلة ، إذا لم تستطع السلطة الفلسطينية احتواء كل الشعب الفلسطيني و من ضمنهم فصائل المقاومة ، فلن تبقى للسلطة قائمة ، حتى يختار الشعب وحده سلطته الشرعية في عملية ولادة جديدة لفلسطين من رحم " طوفان الأقصى " ، " و سيعلم الظالمون أي منقلب سينقلبون "
السيناريو القائم اليوم في غزة ، هو هذه الحرب التي خرجت عن كل ما يمت إلى الإنسانية بصلة ، الأهم التخلص مما هو متوقع أو يتم رسمه في القادم من الأيام .
لأن فيه تلطخت سمعة إسرائيل في العالم ، تدمير الصورة الذهنية لها ، عن طريق الصورة المرئية أكثر أثرا لدى هذا الجيل الذي لن تمسح من ذاكرته بالمطلق نتيجة هذا التاريخ المرئي على مدار الساعة.
بعد أكثر من اربعة أشهر من الحرب الضارية و المتواصلة ، لقد أسقط أهل غزة سيناريو التهجير القسري في مهده لسببين هامين :
الأول و الأهم يتعلق بتمسك أهل فلسطين بأرضهم حتى آخر فرد ، بل و آخر رمق .
و السبب الثاني هو في موقف دول الجوار الفلسطيني ، رفض هذا الإجراء الإجرامي و آخر ما صرح به وزير الخارجية الأردني في هذا الصدد بأنه : لن يدخل لاجئ واحد إلى الأردن ، و من قبل مصر التي رفضت استقبال اللاجئين في صحراء سيناء .
و عندما لم ينجح هذا السيناريو ، انتقلت إسرائيل و داعميها إلى سيناريو آخر يوزع من خلاله سكان غزة على مجموعة دول منها مصر و تركيا و اليمن و سوريا و لبنان ، و الهدف من ذلك ، تفريغ الأرض من سكانه و ضم غزة لإسرائيل و ليس إلى الضفة ، لم يمض على هذا الطرح أيام حتى سقط على رأسه بين قتلا إسرائيل في وحل غزة .
اليوم .. التالي
إسرائيل حريصة على اليوم التالي في غزة بعد انتهاء الحرب ، أكثر من أهلها ، جاء في القناة 12 الإسرائيلية بأن مجلس وزراء الحرب يناقش للمرة الأولى مسألة اليوم التالي في غزة بعد الحرب ( 28/12/2023 )
و هذا غير دقيق ، لقد تم مناقشة ذلك طوال فترة الحرب ، و الدليل في كثرة السيناريوهات التي خرجت منذ اليوم التالي لشدة خوفها من " طوفان الأقصى " على زوال كيانها .
كان البحث جار عن رجل إسرائيل ، فلسطيني لا ينتمي إلى أي فصيل مقاتل و لا إلى السلطة أو المنظمة لكي يقود المرحلة الانتقالية لغزة منزوعة السلاح مثل الضفة .
سيناريوهات.. فارغة من الدولة ؟!
ما القصة ؟! الملاحظ من الصدمة الأولى ، رغم تزاحم تلك السيناريوهات و تراكم بعضها فوق بعض ، إلا أن جميعها خالية من الإشارة إلى الدولة الفلسطينية.
و الحديث الجاري بين كواليس السياسة الدولية ، عن حكم ذاتي ليس إلا ، بلا أسنان و لا أجنحة .
بل هناك سيناريو آخر يتحدث عن مشروع دولة لا نعرف مسماه ؟! هو شيء وسط ، بين السلطة و الحكم الذاتي ، تتلاعب إسرائيل بمصير الدولة الفلسطينية ، و كذلك بمشاعر ملايين الفلسطينيين في الداخل و الشتات ؟!
أستطيع القول ، بأنه لم يمر يوم على هذا " الطوفان " الذي يقترب من شهره الخامس ، خلا من سيناريو " الخلاص " منه ، بأي ثمن و لو باجتياح " رفح "
بدأت إسرائيل في الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب في غزة العزة و الكرامة ، و هي قد تكون أكثر خطورة من سابقتيها .
لأن الهدف النهائي هو إجبار سكان غزة على التهجير " الطوعي " ، بحجة أن غزة لم تعد صالحة للسكنى ؟!
و لكن نظرا لقصر ذاكرة " إسرائيل " و ليس اليهود بالطبع ، نسيت بأن غزة التاريخ التليد و الضارب في الأعماق لم تفن قط .
و قد ذكر رئيس الوزراء الفلسطيني قائلًا: اعترضنا على الممر المائي الذي اتفقت عليه قبرص وإسرائيل لشكوكنا أن البواخر التي ستشغّلها قبرص قد تصبح بواخر للترحيل .
( 3/1/2024 )
أورد الآن سيناريو عربي ، لكنه غرائبي الطبع ، لم أجده في سيناريو غربي آخر مع كثرته ، هذه نكهة عربية خالصة ، خارج من عقل أحد مراكز الدراسات السياسية ، ملخصه عدم مكافاة المقاومة في غزة المنتصرة على تضحياته و كذلك السلطة في الضفة إلى الأبد .
إذا من يستحق حكم غزة الذي نزع الأرض من أنياب المحتل أم الذي لا محل له من الإعراب " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء ، و " تنزع " الملك ممن تشاء " عملية نزع الملك ليس من صلاحية مراكز الأبحاث ، بل من أقدار ملك الملوك ، ماذا جرى لبعض العرب ، هذا السيناريو لم تطرحه أميركا الداعم القوي لاستمرار الاحتلال و الحرب الطاحنة لكل أحلام السلام و أوهامه ؟!
يبدو أن بعض العرب مع الغرب ، في سباق مرثوني لانتشال إسرائيل من سقطتها المدوية و لا دواء لها غير وحل غزة .
" ناصية .. كاذبة " ؟!
خلال الشهور الماضية لاندلاع " طوفان الاقصى " و متابعتي المتواصلة قراءة و سماعا و مشاهدة ، لم أسمع صوتا واحدا من كافة الاتجاهات الفكرية و الحزبية و الدينية ، يلوم المقاومة الفلسطينية الصامدة أمام جيش رُوّجت عنه الأساطير الصهيونية الكاذبة " نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ، سندعوا الزبانية ، كلا لا تطعه ، و اسجد و اقترب " ( القلم )
طوال فترة الحرب البربرية و إسرائيل تكذب ، أشد من كذب وزير إعلام هتلر ، و مع ذلك يزايد البعض على رغبة إسرائيل في السلام الدائم و الشامل كيف و متى ؟!
لقد قلبت المقاومة ، بجميع فصائلها طاولة " السلام " الذي لا يناسب إسرائيل ، لأنها تؤمن ب " حرب السلام " و ليس ب " حب السلام ، و الفارق بينهما حرف " الراء " و لكن في الواقع الفروقات هائلة .
إذا كان البعض يحمل السلطة الفلسطينية و " حماس " المسؤولية الكبرى عن الفشل في التوصل إلى حل لخلافاتهم القاتلة أيضا ، فهذا لا يعني قبول المذبحة الإسرائيلية العظمى بحقهم جميعا ، فالمحتل لم يفرق في النحر بين " عباسي و حمساوي " فالكل مستهدف الذي يمد يد السلام و الآخر الذي يصوب البندقية من جديد في قلب العدو الذي قتل السلام في معركة غزة و لا يعود السلام إلا بقوة السلاح الذي بإمكانه الحفاظ على استمرار السلام ، بغير ذلك سوف تمتد الحرب إلى دول الجوار بحكم الواقع المفروض من قبل إسرائيل الدولة المحتلة و ليس إلا .
و هل سمعنا يوما عن إسرائيل ، بأنها تبحث لها عن ذرائع لقتلنا جميعا إن استطاعت ، و ليس الفلسطينيين وحدهم .
لماذا البعض يلوم الفلسطينيين وحدهم و كأن إسرائيل الحمل الوديع ، لماذا يتجاهل هذا البعض بأن فلسطين كلها أرض محتلة ، و اختلال الموازين الدولية لن تبني سلاما ، بل واقعا مشوها . "
الحرب في غزة هي الاستثناء الوحيد التي كشفت الغطاء عن ازدواجية المعايير ، ليس لدى الغرب و حده ، بل للأسف الشديد حتى لدى العالم العربي و الإسلامي قاطبة ، فهذا العالم الذي وضع مصالحه بلا تحفظ بيد الغرب لم يستطع بكل دوله أن يتخذ موقفا موحدا كما فعلت جنوب أفريقيا لدى محكمة العدل الدولية ، و هو موقف زمزي في النهاية ، مع ذلك يعتبر خطوة جريئة تجاه إسرائيل التي لها علاقة حميمية أكبر مع جنوب أفريقيا مقارنة مع كل الدول التي لها مع إسرائيل.
ترى من الملام أكثر في ميزان المعايير الأخلاقية عالمنا المبعثر أم عالم الغرب الموحد ضدنا و على رأس ذلك قضيتنا المركزية إن كانت كذلك ، لأن ضياع المركز يعني إضاعة الأطراف بقطع أوصالها ، إن رضينا بفرض الأمر الواقع دون السعي لتغييره بإرادتنا بالتخلص من النفوذ الغربي تدريجيا و لو بعد قرن من الآن ، هذا الدرس يجب أن نتعلمه من إسرائيل ، إذا أردنا أن نعيش مع أنفسنا بسلام داخلي ، و من ثم إبرام صفقات السلام مع الآخرين من منطلق القوة ليس إلا .
ترتيب.. جديد !
منذ الأيام الأولى للحرب ، نشرت
صحيفة "نيويورك تايمز"، مقالًا بعنوان "السياق العالمي للحرب بين حماس وإسرائيل". جاء فيه:
تُعتبر الهجمات التي قامت بها حماس على إسرائيل دليلًا على بروز ترتيب جديد على المستوى العالمي .
العالم يشهد انتقالًا إلى نظام جديد يطلق عليه "متعدد الأقطاب"، حيث لم تعد الولايات المتحدة القوة المهيمنة كما كانت في الماضي .
الهجمات التي شنتها حماس تهدف إلى منع استعادة القوة الأميركية ودفع العالم نحو تعدد الأقطاب ( 10/10/2023 )
و استمرار أميركا في قيادة العالم عبر القطب الواحد لم يعد فاعلا إيجابيا فيما نشهد من أحداث ، و هو خلاف سنة الكون في تاريخ الشعوب و الدول مهما بلغت عظمتها أو قوة و غلظة عظامها ، فلا بد أن يأتي عليها يوم نخرانها " و تلك الأيام نداولها بين الناس " ، فالاستمرار بالعظمة لا يدوم لأنه خلاف الطبيعة البشرية فتعدد القوى و تنوعها يعطي الحياة معنى آخر من أجل حسن التعايش و ضمان الاستقرار و أمانه
لحظة.. الانكشاف!
رياح " طوفان الاقصى " كشفت الغطاء عن وجه أميركا الذي كان مندسا تحت مكياج الديموقراطية و متدثرا بحقوق الإنسان التي عقتها و متاريس الحرية و العدالة و المساواة ، التي غرزتها في صدور المستضعفين ، بعد أن سرقت منهم المناعة الذاتية ، بترويج الاتكاء على كتفها التي سحبتها عنهم عند الشدة ، و من ثم شدت حول أعناقهم حبال الخذلان و اللامبالاة بأرواح الأبرياء .
و من عجائب الدهر ، عند مجلس الاتحاد الأوروبي أن " دول التكتل" تفرض عقوبات على يحيى السنوار، قائد حماس في غزة ( 16/1/2024 )
و الأكثر غرابة ، نقلا عن وزير خارجية النرويج بأن : أميركا ودول أوروبية تسعى لتشكيل حكومة فلسطينية يمكنها جذب أموال لإعمار غزة . ( ذا غارديان - 16/1/2024 )
نقول من حارب أعتى جيش في المنطقة و أشرس بشر في الوجود الإنساني ، بأسلحة متواضعة ، كانت حجارة في الانتفاضة الاولى ، و مقلاعا في الانتفاضة الثانية ، و صواريخ محلية الصنع في هذه المرحلة ، هل بحاجة إلى وصي و كفيل لتشكيل حكومته .
هكذا الغرب في لحظة انكشافه يبحث عن أسير فلسطيني تم اطلاق سراحه في صفقة معروفة من أجل فرض عقوبات عليه ضعفين لأنه يسعى لتحرير أرضه .
من أعطى الإتحاد الاوروبي و أميركا الحق في فرض العقوبات على من احتلت أرضه ، و ترك المختل الإسرائيلي يعيث في الارض المقدسة فسادا مضاعفا و " يهلك الحرث و النسل " . ؟!
و لن تتوقف إسرائيل عن هذا السلوك الوحشي المدان هذا العام ، بل تريد ممارسة هذه الغريزة التي يأنف منها عالم الحيوان لأعوام مقبلات من الاهلاك الذي صرح به رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه : وفقًا للتقييمات الأخيرة لحرب حماس فإن هذا الصراع قد يستمر حتى عام 2025 . ( 17/1/2024 )
و أميركا حتى اللحظة ، هي التي تدفع بإسرائيل دفعا نحو الاستمرار في هذا العدوان و عدم التوقف لماذا ؟! وزير الخارجية الاميركي يقول : يجب ضمان عيش الإسرائيليين بسلام ولا يمكن تكرار ما حدث في 7 أكتوبر( 17/1/2024 )
أصبحت السياسة الخارجية الاميركية عوراء ترى وجوب السلام لإسرائيل ، مع تركها تمارس الحرب و العدوان كذلك بسلام ؟!
و هذا ما أيده أيضا مجلس الشيوخ الأميركي عندما رفض إجراء يتطلب من وزارة الخارجية إصدار تقرير بشأن سلوك إسرائيل في حرب غزة ( سكاي نيوز عربية - 17/1/2024 )
و ألمانيا من جهة أخرى سادرة في غيها و متناسية أو متجاهلة ما جرى لها و تبحث لها عن شهادة " صك الغفران " لدى إسرائيل ، لذا الحكومة الألمانية تدرس تسليم قذائف مدفعية لإسرائيل ( مجلة " دير شبيجل- 17/1/2024 ) .
للمساهمة في إطالة أمد الحرب ضد من لا يملك حولا و لا قوة و لا حيلة ، لدفع العالم للوقوف أمام أكبر همجية في القرن الواحد و العشرين.
صراصير .. أم دبابير ؟!
تعاملت إسرائيل منذ فرض أمرها على الواقع في احتلالها لفلسطين بصورة لا تخطر على إبليس فضلا عن البشر .
ما قبل فترة نتنياهو ، اعتبرتهم مجموعة " صراصير " حشروا في زجاجة محكمة الإغلاق ، و عندما قررت هي فتحها بعد مدة ، تفاجأت بأن تلك " الصراصير " تحولت إلى " دبابير " تلدغ إسرائيل من حيث لم تحتسب في انتفاضتين سلاحهما ، المقلاع و الحجارة و رضاعات الأطفال و الطائرات الورقية .
ثم جاء أحد قادة إسرائيل بفكرة جهنمية أخرى ، عندما طلب من حكومته إجازة لمدة ثلاثة أسابيع يختلي فيها ب " غزة " و طلب من الجيش و أجهزة الاستخبارات ، توفير كافة المعلومات عنها بالتفصيل الممل .
و بعد الانتهاء من هذه المهمة التثقيفية " الشريرة " خرج على قادته بفكرة مفادها و خلاصتها ، بأن يبقى وضع " غزة " على الماء ، لا تغرق ، و لا تتنفس بسهولة ؟!
سِفر .. جديد!
و فعلا وصلت غزة إلى هذه الحالة الحرجة بين الغرق و الاختناق ، حتى ساعة وصول " نتنياهو " المدلل إلى الحكم لأكثر من فترة ، و هو صاحب نظرية مختلفة عن سابقيه ذكرها مفصلة في كتابه " مكان تحت الشمس " و في الظلام يمارس في " غزة " كل ما ذكر في ذاك السفر الجديد للصهيونية العالمية .
خلاصة نظريته تقول : يجب معاملة الشعب الفلسطيني كأنه يعيش في حوض مليء بالقروش المفترسة ، و لكنها ليست معه في نفس الحوض ، بل في حوض آخر بينه حاجز زجاجي ، كلما تحرك هذا الشعب في الحوض ، هاجمه القرش ، دون أن يفترسه ، فقط لزرع الخوف و الرعب في قلبه .
و لكن جاء " طوفان الاقصى " ليخلع قلب " نتنياهو " من جوفه و معه قلب الشعب ، في عملية لم تكن في الحسبان ، لأن صاحب هذه النظرية لم يتغير و لم يستمع إلى نصيحة قادة اليهود بأن " من لا يتغير فهو حمار " و ظل محبوسا في حوض نظريته حتى استفاق الآن ، بعد فوات الأوان ، و جاءت مرحلة دفع الأثمان تباعا .
في لحظة استفاقته من غفوته السياسية ، نسي ما خطت يداه في ذاك الكتاب ؟!
غزة .. في الجزيرة ؟!
حتى تأتي إسرائيل اللحظة الراهنة ، لتقترح على الاتحاد الأوروبي "بناء جزيرة للفلسطينيين" في البحر الأبيض المتوسط (العربية - 22/1/2024 )
عادت إسرائيل اليوم لترد على ما جرى على لسان " الشقيري " بعد 1947 ، و قال مأثورته : سنرمي إسرائيل في البحر "
مع تغير الأزمنة ، و لكن ساعة الانتقام الإسرائيلي ، توقفت عند ئلك المقولة المدوية و لم يتحرك عقربها ثانية بل زادت سمية لدغها في غزة ، فخرجت فكرة رمي " غزة " في البحر ، أليست هذه مفارقة حاكها القدر ليهلك من هو أهل لها في بحر أنفاق " غزة " و إن قطع عنها العدو الماء ؟!
منذ إعلان إسرائيل كدولة مفروضة في 1948، تمارس سلوك الاحتلال و ليس المحتل الذي يجب احترام حقوق من قام باحتلاله عنوة ، هي مهووسة بفكرة " الجدار الحديدي ، وصولا إلى " القبة الحديدية " الفاشلة في صد هجمات المقاومة الفلسطينية عنها ، فسقط الأمن الحالم عن معادلة السلام و الاستقرار .
و عندما دقت ساعة " طوفان الاقصى " أجراسها المدوية و الصادمة ، بدأت تخطط لإقامة
منطقة عازلة على طول قطاع غزة " و التي اعتبرتها منظمة التحرير الفلسطينية " مشروع احتلال جديد" ( منظمة التحرير الفلسطينية- 26/1/2024 )
لماذا لم تفكر إسرائيل و لو لمرة واحدة ، بأنها هي العامل الوحيد لطرد الأمن و الاستقرار و الازدهار في الجسد الذي زرعت نفسها فيه و لم يتقبله ، و أصاب الجسد كله بالعطب .
و قد وصلت إلى مرحلة لا تسمع لنفسها ، أو إلى صوت العقل من الداخل .
بانتظار .. " الكابوس " ؟!
فهذا عامي أيالون، الرئيس الأسبق لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشاباك"، خلال حوار مع صحيفة "لوموند" الفرنسيةيقول :
إذا رفضنا السلام فإن ما ينتظرنا أسوأ بكثير من "7 أكتوبر" ، فالحرب في غزة لا يمكن الانتصار بها و يجب الحذر من اندلاع انتفاضة جديدة في "الضفة الغربية"( 26/1/2024 )
و كذلك المؤسسات السياسية في دولة إسرائيل ممثلة في الهيئة العامة للكنيست ، تقدمت للتصويت على مقترح لحجب الثقة عن الحكومة قدمه "زعيم المعارضة" ( 28/1/2024 )
هذا جزء من الضمير السياسي الرافض لأداء حكومة " نتنياهو في أحداث " غزة " التي أيقظت ضمائر شعوب العالم قاطبة و لم يوقظ شيئًا من " نتنياهو "
لم يعد " نتنياهو " يصغي لأحد في مجتمعه و لا لأعمدة الحكم في دولته ، لم تمر إسرائيل بهذه الحالة طوال حكمها ، فهذا نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، خلال مقابلة مع قناة "العربية" يقول : نحن لا نريد أن نحكم " غزة " ( 26/1/2024 )
أما حكومة " نتنياهو " ، فهي تذهب ، حتى ضد رغبة ربتها ، لتجرف أراضٍ شمالي قطاع غزة لإقامة المنطقة العازلة رغم الرفض الأميركي . ( وول ستريت جورنال - 25/1/2024 )
رغم أنه لم يعد بوسع إسرائيل تحقيق إنجازات على المستوى الاستراتيجي أكثر مما حققته بالفعل ، ( جيروزاليم بوست- 24/1/2024 )
لقد بدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية " الحرة " تتنفس الصعداء ، و تنشر بعضا من فتات الحقيقة ، بعد أن ملأت قبل ذلك الأكاذيب تلو الأخرى عن سير الأحداث الدامية في " غزة "
و مع ذلك ، لم تستطع تلك الوسائل ، التأثير على قرارات " نتنياهو " في مواصلة قتل جنوده في المعركة التي لم تحقق إلا هدفا واحدا وصف ب " الإبادة الجماعية " و التي على أساسها رفعت جنوب افريقيا دعواها إلى محكمة العدل الدولية .
تعيش إسرائيل حالة من خبط عشواء ، بل أقرب إلى حاطب ليل لماذا ؟!
نقلًا عن مسؤولين إسرائيليين قولهم بأننا : قد نفقد مكاسب غزة بسبب الافتقار لاستراتيجية ما بعد الحرب و على الجيش الحفاظ على مناطق سيطرته لا السيطرة على أرض جديدة .
و من غير المرجح أن يتم تفكيك شبكة أنفاق "حماس" في غزة بشكل كامل .
أما الوجود الأمني طويل الأمد في غزة "كابوس" رفضه الكثيرون في المؤسسة الأمنية . ( واشنطن بوست- 23/1/2024 )
لا زال الحديث الداخلي مستمر في وصف ما تعانيه إسرائيل في غزة ب " الكابوس " الذي يجب الابتعاد عنه خشية هجوم " الأشباح " الذين لا يملكون إلا " سام القسام " و ليس " توماهوك " أميركا و لا " القبة الحديدية " التي انهارت ، و ظنت صهيون أنها " بلغت أسباب السماوات والارض " . علوا و كبرا ؟!
الصهيوني .. غير اليهودي!
تأمل معي معنى الإسرائيلي عندما لا يكون يهوديا ، بل صهيونيا .
الصهيوني عنصري معتد أثيم ، يغتصب الأرض ، و ينتهك الكرامة ، و يشن العدوان تلو العدوان ، ويبث بيننا الفرقة ، و يستعدي علينا بقية الأمم ، و يلجأ عامدا إلى تشويه عقيدتنا ، و صدق مبادئنا ، و يخطط للقضاء علينا .
( المصدر: ص 40 من كتاب " الإسلام و حركة الحياة " د . نجيب الكيلاني/ 1988 )
و هل لهذا الوصف مكان في " غزة " اليوم الذي قارب طوله أكثر من أربعة أشهر .
أعطى قرار مجلس العدل الفلسطينيين ، بصيص أمل ، لمزيد من العمل في ذات الاتجاه الذي بدأ يكثر حوله الدول من بعد جنوب أفريقيا الذي صب ماء الخجل على وجوه بقية الدول و خاصة العربية و الإسلامية .
و لكن " نتنياهو " الوحيد الذي يصر على قتل هذا الأمل البراق في وجه الجميع ، عندما قال بأنه : لا محكمة العدل ولا غيرها ستوقف حربنا ، بل زاد في غيه ، عندما وجه بتعزيز الصناعات العسكرية وتخصيص برنامج تسلّح .( 28/1/2024 )
فلا دماء الشهداء و الأبرياء ترويه و لا دماء قتلاه من الجنود و المحتجزين ، " فالنازية " أمام جرائمه لا شيء و قد تابت و آبت ، و لكن " نتنياهو " ماض حتى يشهد العالم نهايته القريبة.
و بناء على ذلك طالب المندوب الدائم لفلسطين في الجامعة العربية: بإصدار قرار عربي قرار عربي لدعوة كافة النقابات الحقوقية العربية لمقاضاة مسؤولين إسرائيليين ( 22/1/2024 )
محكمة العدل.. بصيص أمل
بعد صدور قرار محكمة العدل الدولية ، يمكن على كل محاكم العالم المحلية البناء عليه ، لأن حكمها قاعدة ، تبنى عليها الأحكام التفصيلية من ذلك محاكمة أي متورط في حرب الإبادة الجماعية ، حتى بايدن و أعوانه .
و لذلك لا ينبغي أن تظل " إسرائيل " متمادية في عنجهيتها و غلوائها لأنها فقط " مدللة " أميركا التي تعفيها من كل الشروط عندما تقدم لها المعونات ، بعكس الدول الأخرى التي تلف رقابها بشروط مرهقة .
فأما إسرائيل ، كلما مرت بضع سنوات قليلة ، صدر قرار أميركي بإعفائها من الرسوم و الفوائد و غيرها .
( المصدر: ص 24 من كتاب " الإسلام و حركة الحياة " د . نجيب الكيلاني / 1988 )
ندقق في موقف " نتنياهو " من قرار محكمة العدل الدولية ، و نرى حجم الصلف و الاستهتار بشيء اسمه " قانون " و هو ثاني قرار يتخذ ضد إسرائيل طوال تاريخها غير المجيد ، القرار الأول كان حول عدم شرعية بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة .
لبوس .. الباطل !
رئيس الوزراء الإسرائيلي، تعليقًا على قرار محكمة العدل الدولية:
إسرائيل تخوض "حربًا عادلة لا مثيل لها"، وسنواصل الحرب حتى النصر الكامل
و تهمة الإبادة الجماعية الموجهة ضدنا ليست كاذبة فحسب بل "شنيعة"
سنفعل كل شيء للدفاع عن أنفسنا مع الحفاظ على القانون الدولي ( 26/1/2024 )
منذ قرون قال الله سبحانه في كتابه العزيز " و لا تلبسوا الحق بالباطل و تكتموا الحق و أنتم تعلمون "
لقد استخدم " نتنياهو " كلمات أكبر من حجمه في دولته ( العدل ، النصر ، الشناعة ) ، لقد التبست عليه الحقائق ، و اعترف ضمنيا بأنه ارتكب ما هو أشنع من " الإبادة الجماعية " الكاذبة؟!
و في قرار محكمة العدل الدولية ذكر بأن الأدلة التي قُدمت إليها حتى الآن " ترقى إلى مرتبة " الإبادة الجماعية " و لم تقل " تسقط " بل ترقى بمعنى تصعد ، و المحكمة لا زالت في بدايتها و القادم من الأدلة أشنع و ليس أكذب ؟!
و الأيام بدأت تكشف عن وجه " نتنياهو " الكالح ، و تتفجر " مجزرة " سيربينيتشا الثانية " أمامه ردا على إنكاره لها .
لقد طالبت الخارجية الفلسطينية ، بتشكيل فريق تحقيق دولي يزور قطاع غزة لفحص جميع المناطق للاطلاع على حقيقة الإبادة .
بعد اكتشاف مقبرة جماعية بها أكثر من 30 جثة متحللة في شمال قطاع غزة يعكس المأساة التي يتعرض لها المدنيون . ( 31/1/2024 ) ، و مندوب فلسطين صرح قائلا : ندرس الخطوات الضرورية لتطبيق قرار العدل الدولية ( 27/1/2024 )
" حنطة " .. لا حطة ؟!
أما وزير الدفاع الإسرائيلي فقد اتهم محكمة العدل الدولية بأنها ارتكبت " خطئية " بعدم رفض دعوى جنوب إفريقيا .( 26/1/2024 )
هنا لا بد من استحضار تاريخ بني إسرائيل ليس من خلال كتبهم المزورة ، بل من وحي آيات بينات ، لكي ندرك من ارتكب " الخطيئة " في حق الله ، قال تعالى " وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ۚ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58 / البقرة )
عندما نزلت هذه الأوامر عليهم ، استبدلوا الطاعة بالسخرية ، فأصبحوا يقفزون و يضحكون و يغيرون في ألفاظ الكتاب المقدس ، فعندما أمرهم الله بقولهم : " قولوا حطة " كانوا يردون على الله بقولهم : " حنطة .. حنطة " .
تعالوا بنا إلى تفسير ما أراد الله سبحانه من بني إسرائيل
تأويل قوله تعالى : وَقُولُوا حِطَّة , من قول القائل: " حط الله عنك خطاياك فهو يحطها حطة "
قال: الحسن وقتادة: أي احطُط عنا خطايانا.
قال ابن زيد: (وقولوا حطة)، يحط الله بها عنكم ذنبكم وخطيئتكم.
قال ابن عباس: (قولوا حطة) يحط عنكم خطاياكم .
و عنه أيضا قوله: (حطة)، مغفرة . ( تفسير الطبري )
هكذا ترفعوا عن الاستغفار و كأنه عار و شنار ، و هاكم الزمن الذي يثبت فيه ذات الفعل اليوم الذي يعتبر فيه " العدالة " عند إسرائيل " خطيئة " هكذا فسر " طوفان الاقصى " بعض معاني الآيات التي تناسب هذا الزمان لدوام صلاحيتها .
أما إسرائيل التي قامت قيامتها أثناء " الطوفان " فهي تهرب إلى " التوراة " للبحث فيها عن ارتكاب المزيد من الإبادة ، و " نتنياهو " ليس استثناء ، بل غارقا في قعر المجازر و غائص في بحر دمائها .
معاداة بني صهيون ليست حصرا على الشعب الفلسطيني فحسب ، بل للإسلام ذاته المحرك الرئيسي للمقاومة ، إلى درجة أن صحف إسرائيل حذرت من صحوة الإسلام بالضفة و قطاع غزة ، و أكدت أن هذا الإسلام يشكل خطرا كبيرا على الكيان الصهيوني ، و نسيت تلك الصحف أو تناست أن إسرائيل لم تقم إلا على أسس دينية و تاريخية مفتراة ، و لم يكن " بيجن " و هو في أميركا أيام مفاوضات " كامب ديفيد " ، يكف عن التصريح لرجال الاعلام و السياسة بمقتطفات من التوراة حسب تصورهم ، و يتشبث بها كدليل عل خزيه ..
( المصدر : ص50 " الإسلام و حركة الحياة " د . نجيب الكيلاني/ 1988 )
و تقف الإمارات مع العدالة الدولية حيث رحبت الدولة بالقرارات التي أصدرتها محكمة العدل الدولية بشأن فرض تدابير مؤقتة في قطاع غزة ومطالبتها باتخاذ إجراءات وقائية لحماية المدنيين ووقف أية تصريحات أو ممارسات ومعاقبة التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة
( وام - 27/1/2024 )
أميركا .. و الدور المفقود؟!
أما أميركا الآمرة الناهية ، و على لسان رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الاميركي يدعو جنوب إفريقيا إلى سحب قضيتها ضد إسرائيل من محكمة العدل الدولية ( الشرق - 27/1/2024 )
و المفارقة الصارخة هنا ، بأن رئيسة لجنة القضاة التي أصدرت الحكم أميركية .
لقد ذابت لأول مرة الفروقات الجوهرية ، بين البرلمان و الكونجرس و الحكومة الأميركية ، بل نستطيع القول ، بأن النظام الديمقراطي بدأ يفقد أهم ميزاته السياسية ، في خلق التوازنات بين المؤسسات الدستورية في المجتمع الاميركي.
لقد تنبه بذلك الوضع الأميركي
وليام بيرنز، مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي آي أيه"، في مقال له بمجلة "فورين أفيرز"، حول "التنافس الإقليمي وتراجع دور الولايات المتحدة". جاء فيه بأن:
صعود الصين والنزعة الانتقامية الروسية يخلقان "تعقيدات جيوسياسية خطيرة" في عالم يتسم بالمنافسة، التي لم تعد الولايات المتحدة تتمتع فيها بـ"التفوق" ، و لم أشاهد منذ 4 عقود "أوضاعًا قابلة للانفجار" بالشرق الأوسط كما هي اليوم، ومخاطر التصعيد على جبهات أخرى في الشرق الأوسط "قائمة"
و مفتاح أمن إسرائيل والمنطقة هو التعامل مع إيران، والنظام الإيراني مستعد للقتال حتى آخر وكيل إقليمي لديه .( 31/1/2024 )
و هذا الكلام بحد ذاته يدل على أن أميركا لن تمس إيران بسوء ، من أجل سواد عيون " غزة " .
و أن جري البعض وراء التصريحات الإيرانية " النارية و العنترية " أضاعت البوصلة، فمنذ الثورة لم تطلق رصاصة واحدة على طهران ، بل كل أطنان السلاح الأميركي أمطرت اليمن و العراق و سوريا و لبنان و السودان و ليبيا و أكثرها نزفا و تدميرا في " غزة " المكلومة ، بدل أن تكون " كليمة " المقدس .
أكد وزير الخارجية الإيراني: بأن الحرب في غزة ليست الحل ويمكن أن تزعزع الأمن وفي هذه الحالة سيتضرر الجميع ( 28/1/2024 )
هذه اللهجة في السياسة الخارجية الإيرانية لا تنم عن أي تصعيد بيني ، بل هو نهج متوافق مع مطالب العالم الحر .
كلمة .. " لن " ؟!
ما يدور في رأس العسكر ، لا علاقة له بالسياسة التي تريد الحل السلمي للحرب ، و هو خلاصة ما ذكره وزير الدفاع الإسرائيلي في مؤتمره الصحفي قوله : حماس" لن تحكم غزة، والجيش سيحتفظ بحق العمل داخل القطاع ( 5/2/2024 )
و هذا يخالف شروط الهدنة المرتقبة و التي من ضمنها خروج الجيش من غزة ، لأن بقاءه يعني الاستمرار في زعزعة الاستقرار السياسي و الأمني حتى إذا استلمت السلطة الحكم ، فلن يختلف الوضع عن الضفة الغربية ، إن لم تصبح أسوأ ، خاصة ، إذا استعصت الوحدة الوطنية على حل الخلاف الفلسطيني بين الجانبين ، فضلا التوتر كذلك مع إسرائيل على طول الخط عند الإصرار للبقاء في " غزة " فما قيمة التضحيات التي لم تسفر دحر إسرائيل عنها ؟!
لا يمكن غرس شجرة الاستقرار في أرض متحركة غير قابلة للحياة الطبيعية. كلما اقترب الوسطاء من الهدنة ، كانت كلمة " لن " الإسرائيلية لهم بالمرصاد!
هذا باستخدام رئيس الوزراء الإسرائيلي: لن نطلق سراح آلاف الإرهابيين ولن يغادر الجيش غزة "نحن نعمل على صفقة ولكن ليس بأيّ ثمن" ( 1/2/2024 )
تبادل الكلمتين " لن و لكن " في هذا الموقف المتصلب يعقد الأمور أكثر ، فما بعد هدنة السبعة الأيام قد جرت الحرب من قفاها حتى اللحظة ، فكيف بما هو أقرب و أطول ، من الضامن الذي يمكن الوثوق به دون تكرار الإبادة من جديد في " رفح " المخطط لها في النوايا الإسرائيلية غير الصادقة من وقع التجربة المطولة .
ما هو الثمن المطلوب ، بعد كل هذا الدمار المتعمد لإرضاء غرور شخص واحد حياته السياسية على المحك ، و حياته العادية بانتظار احتكاكه بالأغلال و الأصفاد و إلباسه سرابيل من قطران بين جدران السجون ؟!
و يتمادى " نتنياهو " أكثر ليصر على أنه : لن نقبل بشروط "حماس" بشأن المحتجزين ( 6/2/2024 )
إنه طريق الإذعان في المماطلة ، لإطالة زمن الحرب التي تعاني منها إسرائيل كذلك ، دون تحقيق أي هدف غير الإمعان في الإبادة ، و لم يكتف بهذا القدر بل يريد " نتنياهو " أن يملأ قدور سكان رفح بالضحايا الذين هربوا إليها بحثا عن مكان آمن في زوايا النسيان ؟!
قرابة 76 عام من الاحتلال الاحلالي و الاستيطاني ، بضم الأراضي و قضمها ، لطمس معالمها و حدودها ، ألا يكفي كل ذلك ثمنا لوقف نهَم إسرائيل في المزيد من " شُرب الهيم "