الدكتور عادل اليماني يكتب : الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ، والْفَوْزُ الْكَبِيرُ ، والْفَوْزُ الْمُبِينُ
طريقُ الْفَوْزِ خُلاصتُه : مَنْ أصلحَ مابينَه وبينَ اللهِ ، أصلحَ اللهُ ما بينَه وبينَ الناسِ ، ومَنْ أصلحَ سَرِيرَتَه ، أصلحَ اللهُ علانيتَه ، ومَنْ انشغلَ بأمرِ آخرتِه ، كفاه اللُه أمرَ دُنياه وآخرتِه.
وأشدُ أنواعِ الخَسارةِ ، أن تكونَ الجنةُ عرضُها السمواتُ والأرضُ ، ولا تجِدُ لكَ مكانٌ فيها !!
يَذْكُرُ اللهُ سُبْحَانَه وتَعَالَى ، ثلاثةَ أنواعٍ من الفوزِ : يذكرُ الْفَوْزَ الْعَظِيمَ ، والْفَوْزَ الْكَبِيرَ ، والْفَوْزَ الْمُبِينَ .
وبترتيبِ قوةِ الفوزِ ، يأتي الْعَظِيمُ أولاً ، ثم الْكَبِيرُ ، وأخيراً الْمُبِينُ .
نبدأُ من الخلفِ للأمامِ ، من الأقلِ للأكبرِ ، فَهَذَا (الْمُبِينُ) والذي يعني فقط ، واحداً من أمرين ، أو كليهما معاً ، يعني صَرفَ العَذابِ ، أو الدخولَ في الرحمةِ ، أو صرفَ العذابِ ، والدخولَ في الرحمةِ مُجْتَمِعَين :
(مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) الأنعام)
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) الجاثية) .
المستوي إلي هَذَا القَدرِ ، يرتبطُ بالنجاةِ من العَذابِ ، وهَذَا فوزٌ ، والتَنَعُّمِ برحمةِ اللهِ تَعَالَى ، وهَذَا فوزٌ آخرُ ، وكلاهُما رائعٌ ، يدعو إلي الفرحةِ والسعادةِ : قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ .
ورَغمَ قوةِ ذَلكَ الفوزِ ، إلا أنَّه يبقي قبلَ الجَنَةِ ، وأقلَ منها ، إذْ هو فوزُ النَجاةِ .
أما ( الْكَبِيرُ ) فقد وردتْ في موطنٍ واحدٍ ، في سورةِ البروج : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)).
مُقامٌ أعلي ، هو مُقامُ الجَنةِ ، التي تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ، ولذلكَ هو فوزٌ أكبرُ من الْمُبِينِ ، هو الْفَوْزُ الْكَبِيرُ .
ويقيناً لا يأتي بعدَ الْمُبِينِ والْكَبِيرِ ، إلا ( الْعَظِيمُ ) : ( قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) المائدة).
ما الزيادةُ عن الْكَبِيرِ ؟
في الْفَوْزِ الْكَبِيرِ : هُناك جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ .
وفي الْفَوْزِ الْعَظِيمِ : هي نَفسُ الجَنَّاتِ ، ونفسُ الأنهارِ ، ومعها أمرانِ غايةٌ في الخُطورةِ والعَظَمةِ والروعةِ : معها الخُلودُ ، ومعها رِضْوَانُ اللهِ تَعَالَى عنهم ، ورضاهم عنه سُبْحَانَه .
جَمالٌ يفوقُ الخيالَ ، واحترامٌ للعقلِ ، يتخطي كُلَ الحدودِ ، فَمِنَ المنطقيِّ ، أنْ تبدأَ رحلةُ المؤمنِ مع السعادةِ من :
الفرارِ من العذابِ ، إلي دخول الجنةِ مع عُمومِ المؤمنين ، ثم إلي دخولِ الجنةِ مع الصَفوةِ المُنتقاةِ .
يعني درجة ثالثة وثانية وأولي ، حتي لو في المكانِ نفسِه !
منتهي السعادةِ ، الراحةُ الأبديةُ .
عشْ مائةَ عامٍ ، عُمْرٌ طويلٌ ، ومع طُولِ هَذَا العُمْرِ ، قد تبقي في قبرِك ألفَ عامٍ ! ماذا لو لم تكنْ من أهلِ الجَنَةِ ؟! لا قدرَ اللهُ ، ثم ماذا تصنعُ يومَ الْفَصْلِ ، عندَ نصبِ الموازينِ ، ونشرِ الدواوين ؟!
إذنْ الفوزُ هدفُك الأوحدُ ، الذي يبقي بعدَ مماتِك ، ولذلكَ : فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ.
ويَبقي السؤالُ ، كيفَ يتحققُ الفوزُ ؟
الإجابةُ بسيطةٌ : في سورةِ الفاتحة التي نقرأُها في كُلِ صلاةٍ :
الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ، تطلبُ الرحمةَ ، أليسَ كذلكَ ؟
من اللهِ وحدَه ، الذي هو مَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ ، فهل أنتَ متيقنٌ من هَذِه الحقيقةِ ؟ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ؟
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ، هل عَبدتَ غيرَه ؟ ولو دونَ أن تدري ؟! بشركٍ خَفيٍّ ؟
هل اعتقدتَ يوماً ، أن هُناكَ غيرَه ، يمكنُ أن ينفعَك أو يَضُرَك ؟
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ، هل هَذِه الهِدَايةُ ، قضيةُ حَياتِك ؟
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ، هل أنتَ من هؤلاءِ ، تُحبُ هؤلاءِ ، تقتفي أثرَ هؤلاءِ ، البعيدين عن الشِركِ والضلالِ ؟
إذا كانتْ إجاباتُك : أنا استجدي رحمةَربي ، لأنَّه الملكُ وحدَه ، لا أرجو غيرَه ، ولا استعينُ إلا به ، ولا أعبدُ سواه ، استقيمُ في الدنيا ، لاستقيمَ علي الصراطِ يومَ القيامةِ ، أُحِبُ الصالحين ، وأفعلُ الخيرَ مثلَهم ، وأكرهُ الشركَ والكُفرَ والضلالَ .
إذا كانتِ الإجاباتُ كذلكَ ، فأنتَ من الفائزين فَوْزَاً مُبِينَِاً وكَبِيراً وعَظِيماً ..