الأحد 22 ديسمبر 2024

دكتور عبد الله العوضي يكتب:" المثلية " .. من الآخِر؟!

باور بريس

سقوط الإمبراطورية الرومانية !

قبل أكثر من 2000  عام ، سقطت الإمبراطورية الرومانية ، أو روما العظمى ، سقوطا ذريعا ، و كان أحد الأسباب الرئيسة و القوية الداخلية ، هو انهيار النظام الأخلاقي للمجتمع ، و كان ذلك حريا ليتقدم جميع العوامل الخارجية .
و كان أكبر نظام اخلاقي أصيب في مقتل نظام الزواج ، فقد شرع الملوك و الأعيان و المشاهير فيها بالزواج من الغلمان بدل النساء و الإناث ، حتى لفظت روما أنفاسها الاخيرة حتى قيل بأن روما العظمى ماتت قي غرفة النوم ،  و هي في انحدار أخلاقي لم يمر على البشرية غيره ، فهل ينتظر العالم اليوم ذات المصير أو ما هو أكبر و هل الغرب اعتبر من تاريخه فعلا ؟!

 

تغيير .. الجنس !

 

لم تمر على تاريخ البشرية حالة واحدة لتغيير جنس أي مخلوق رغم قِدم الطب و كذلك العمليات الجراحية منذ ألوف السنين ، قال تعالى :  " وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ۚ " ( النساء 119)
في معظم التفاسير التي تمكنت من الاطلاع  عليها إشارة إلى عملية " الاخصاء " لدى الحيوان فقط و هو أمر منكر بمقاييس حقوق الحيوان اليوم ، و كذلك في شرع الرحمن منذ غابر الأزمان ، و لم يتطرق أحد إلى " اخصاء " الإنسان ، الذي هو  أكثر فحشا مقارنة بالحيوان ، و هو في رأيي المتواضع من ممارسات بعض الملوك في العصور الغابرة الذين ذكرتهم بلقيس " قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوٓاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ " ( النمل / 34 )
و عملية " الإخصاء " هذه جزؤ من هذا الإذلال و يمارس من قِبل البعض  .   
أظن بأنه لم يخطر على بال من فسروا القرآن ، أنه سيأتي يوم و يعبث البشر في أصل الخلقة البشرية .
و كذلك في رأيي أن المفسرين لم يوفقوا في وصف " الإخصاء " على أساس أنه تغيير في الخلق و هو في حقيقة الامر ليس تغييرا ، بل تعطيلا لأداء الذكورة وظيفتها ، و إيقافا لاستمرار الرجولة في تحمل مسؤولياتها الاجتماعية.
و ما يجري على الساحة العالمية هو أصدق تفسير للآية و أصدم لواقع الإنسان الذي يجب أن يكرم و لا يهان بهذا الأسلوب الذي هو أدنى من مرتبة الحيوان . " أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا"  ( سورة الفرقان آية:٤٤ )
و الأفحش  من ذلك اليوم  هو أن تغيير الجنس - إذا استبعدنا التشوهات الخِلقية التي لا بد من تدخل جراحي -  تشرّع له القوانين و تلزم بها الدول تحت بند حقوق الانسان " و هو أكبر عقوق لحقوق الانسان في التاريخ .


كان الشذوذ في السابق  خُلق مرفوض و استثناء أعوج ، انقلب اليوم إلى التزاوج بين الشاذين ذكرانا و إناثا ، و القرآن استنكر ذلك "  وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ۚ قَالَ يَا قَوْمِ هَٰؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ۖ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (  هود /78)
إذا انتفى الرشد عن الإنسان في المعاملات التجارية ، فالقضاء يحكم عليه " بالحجْر"  ، و أما  عن السلوك غير الرشيد أي الشاذ فالقضاء يحكم عليه " بالحَجَر "فكلا  السلوكين مدمرين لعمودي أي مجتمع ، الاقتصاد و الاجتماع أي بمعنى رأس المال البشري و المالي .
هذا السلوك غير الرشيد كلف العالم اليوم في جانبه الاقتصادي 350 تريليون دولار من الديون " الربا " و إن سميت بالفائدة في حين ثروات العالم أجمع لا تتجاوز المائة تريليون من الدولارات .
" أَمْ لَهُمْ شُرَكَٰٓؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنۢ بِهِ ٱللَّهُ ۚ ( الشورى الآية 21 )
هناك فرق شاسع بين انتشار بعض السلوكيات الشاذة في أي مجتمع و بين الشروع في تقنينه على أساس أنه تصرف عادي بدلا من تنقيته من الشوائب ، إذا كان ذلك كذلك فما الذي يفرق بين الصالح العام و الفساد الخاص و المشرَّع  قانونا ، إذا اعترض هذا على ذاك ، بحيث يجرّم الخير و يكافأ الشر الظاهر ، فأين الستر إذن ؟!  " ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (. الروم  / 41)
أين الجهة التي تقف أمام الشواذ من الناس و تمنع البعض من وقف خرق سفينة المجتمع في مثل هذه الحالة السائبة و السائلة ؟!

الزواج .. أنواع

و ينطبق هذا على زواج " المثليين " ليس هناك في التشريع الإنساني لا أقول الرباني فحسب سند بذلك ، ففي جاهلية الجزيرة العربية و قبل البعثة النبوية ، كان هناك عشرة أنواع من الزواج و ليس منها هذا النوع " المثلي " الذي يجاهر به في الإعلام اليوم بلا استحياء  ، و من أمثلة ذلك في الجاهلية " التيس المستعار " كذلك " الاستبضاع "
مع ذلك جاء الرسول الكريم و ألغى تسعة أنواع منها و أبقى نوعا واحدا و هو المعترف به و المتعارف عليه بإجماع جميع الشرائع السماوية و الأرضية و القوانين السارية و المسيرة لحياة البشر .
و كان بالمقابل في الجاهلية بيوتا عليها علائم معروفة لممارسة " الدعارة " تجارة كانت أم غواية و لكن لم تكن يوما ما بديلا عن مؤسسة الزواج .
فلا يهدم باطلا حقا أبدا ، لا تشريعا و لا قانونا و لا منطقا و لا تفلسفا ، و لا يقوم بذلك إلا من وصفهم الله تعالى " مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء [ إبراهيم: 43]
و ليس للهواء و لا للأهواء حكم في شيء فضلا عن التشريع .
أضرب مثلا بمنطق " الهوائيين " عندما 
سأل الأستاذ العقاد أحد أدعياء الفلسفة في زمنه قائلا : كيف تفسر إذا خيروا أحد الآباء بين أن يكون ملكا بشرط أن يذبح طفله ، و بين أن يظل على حاله ، فإنه يختار أن يبقى على حاله و لا يذبح طفله ؟
قال : ليس كل الناس يا أستاذ ، أنا شخصيا مستعد أن أذبح كل أطفالي لكي أكون ملكا و أتزوج من جديد و يكون لي ما شئت من أطفال !
كان رد العقاد: هذا ما كنت أتوقعه ، فلم أكن أتوقع أن تكون إنسانا ، و لذلك فيا حضرة الحيوان عندما تصير إنسانا ، فتعال إلى مناقشتي !
هذا هو المعنى الحقيقي لقوله تعالى"  فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (  الروم 30)
تخيل أيضا بأن سجانا يقف على رأس السجين و يأمره تحت التهديد بملء كأس منكوس ، أو طاغية يجبر شعبه على تبني فكرة " الفيل من فصيلة الطيور و ليس جنس الحيوان "  .

الجنس .. السادس

في ثمانينيات القرن الماضي ، انتشرت بعض المؤلفات التي تشير إلى ظهور " جنس خامس " من البشر و يبدو أننا لم ننتبه لهذا السبق غير الأخلاقي الذي يصيب العالم ، فالنحصي  هذه الأجناس : جنس الذكر ، جنس الأنثى ، الجنس الثالث ، إلى هنا الأمر طبيعي منذ الخليقة و بالأخص ما ورد عن قوم لوط ، أما الجنس الرابع فيسمى في الغرب " she- male ، و الجنس الخامس " he- female .
و لم يتوصل الكتاب آنذاك ، أو لم يتنبأ  أحد إلى ظهور جنس سادس ، بحيث يتزوج الذكر و ليس الرجل  بالطبع من ذكر مثله   ، و تتزوج الأنثى و ليست المرأة بالطبع كذلك من أنثى مثلها ، فتولد من الزيجتين ، مصطلح " زواج المثليين " بعقد قانوني يتضمن تبني الأطفال و غيرها من الحقوق التي تفوق الخيال في غرابتها و الإغراق في شذوذها .
هذا النوع من السلوك الشاذ غير المسموح  به قطعا في مملكة الحيوان و لا الدواجن فضلا عن الجان .
الاستثناء الوحيد و المغرق في الشذوذ هو لدى الإنسان خارج إطار مملكته.
القرد الذي تطور عند  " داروين " حتى وصل إلى مرحلة " إنسان الغابة " و أنتجت على أساسه أفلام الكرتون الذي يبدأ بعضه بهذا الغناء : في يوم ما سأصبح إنسان ، أصبح هذا القرد الحيوان أغْير على عرضه من بعض بني الإنسان .
فإذا ما تعرضت الأنثى من عالم القردة إلى الخيانة الزوجية ، تجتمع فصيلة القردة  كلها و  تصدر حكم الرجم على الخائن .
هذه القصة رواها الإمام البخاري عن عمرو بن ميمون قال : (رَأَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ ، قَدْ زَنَتْ ، فَرَجَمُوهَا ، فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ) .
حتى فصيلة العناكب ، كالعقارب منتشر بينهم ذات التصرفات في ما هو شاذ ، أنثى العقرب تقتل ذكرها إن خانها بلدغه كما تلدغ بني الإنسان ، و يقال عن النحلة كذلك لا ترضى بالخيانة .. الخ  .

جرائم .. ضد الإنسانية

هذه الدعوة الشاذة تحوي في باطنها على مجموعة من الجرائم الكبرى ، و أعظمها قطع أرحام البشرية ، بحيث تهون أمامه قطع الرحم لأسباب مؤقتة مهما طالت المدة و هي كبيرة و لكن في هذا التوجه الشاذ أكبر .
تحطيم العلاقة الفطرية بين البشر ، و اقدسها الأمومة و الأبوة و البنوة  ، بل و إلغائها تماما بطريقة " مثلية  " ذكرانا و إناثا .
" فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ سورة محمد[22]
و من ثم  الأخوة حتى الإنسانية منها التي منها  نظام الأنساب و الأصهار  ، فكل هذه العلاقات لا يمكن أن تتأصل و تتم عبر الطرق الملتوية و المطبات العالية و العائقة لانسيابية التعايش اللائق بالإنسان السوي " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم "  ( التين / 4 ) .
فلماذا يسمح للبعض و بمبررات هالكة و واهية تغيير هذا التقويم الأحسن "    .. قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير "  ( البقرة 61 )، " ألا ساء ما يحكمون " ( النحل 59 )
إضافة إلى ذلك ، في باطن هذا الشذوذ ، إهلاك للنسل ، قال تعالى " وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِى ٱلْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ " ( البقرة 205 )
أي إذا أعطي هؤلاء السلطة على البشر يقومون بمنع الإنسان من استمرار نسله أي جنسه و إفقاره من أسباب الحياة عبر اختلاق المجاعات ، بهدم الاقتصاد الزراعي و غيره  من مصادر الرزق عبر اختراع آليات المصادرة .
و هذه الطرق أشد فتكا و أثرا مما دعى إليه " داروين " في نظريته عن " أصل الأنواع " و أخطر من نظرية " مالتوث "  حول تحديد النسل أو تنظيمه لكي يتجنب " الانفجار السكاني " الذي لم يتحقق . 
ترتكب هذه الجرائم ضد الإنسانية من قِبل شريحة ضاقت عليهم قوانين الأرض و ضاقت عليهم أنفسهم ، و كسرت طوق المألوف لتعيث فسادا فيما اتفق عليه البشر منذ الأزل ، فضربت عرض الحائط المَبكي عليه قواعد الفكر الحضاري و المبني على مسلمات المنطق و العقل الرشيد .
كيف ينكر " المثلي " بأنه مولود من أمه الأنثى و والده الذكر ، و من  يغير ذلك ، فلا يقر الكون كله بذاك . 
من يملك السلطة في منح " الشواذ " ممارسة سلوكهم المرفوض أمام الشاشات ، و يمنع الاسوياء التعبير عن رفضهم لكل ما هو شاذ قولا أو عملا  و تضيق قنوات الحوار للإعلان عن وجهة نظرهم بكل حرية و أريحية . 
هؤلاء " الشواذ " ، أيضا يرتكبون جريمة مخالفة قوانين الطبيعة و نواميسها في الرياضيات و الفيزياء و الكيمياء و البيولوجيا ، فكل عناصر الكون الستة عشر عمودها الرئسي التزاوج بين الذكر و الأنثى ، لولادة عنصر آخر ذا نفع عام للبشرية ، و أبرز مثال على ذلك قوانين الذرة التي يستخرج منها طاقة مدمرة و أخرى عامرة بالحيوية و النشاط الإيجابي ، و توأمها الطاقة " الذُرية " التي تخرج من الكرموسومات مولود متجانس و متوائم مع كل قوانين الطبيعة يمضيان معا في بناء هذا الكون البديع ممن أبدع خلق السماوات و الأرض ، " فتبارك الله أحسن الخالقين "  ( المؤمنون / 14 ) .