الأحد 22 ديسمبر 2024

دكتور عبد الله العوضي يكتب: مصر .. و التحديات المتوازية

دكتور عبد الله العوضي
دكتور عبد الله العوضي

لقد تشرفت بحضور قمة الحكومات من النسخة الأولى ، إلى النسخة العاشرة ، ما عدى الانقطاع الظرفي في فترة " كورونا  " 
و لدي تصور شامل عن مختلف الدورات ، و لكن في الدورة العاشرة ، كانت قامت مصر عالية ، و قد فازت بجائزة المستقبل عن بناءها للعاصمة الإدارية الجديدة التي ستوفر خمسة ملايين فرصة عمل في خمسة آلاف شركة سوف تساهم في نهضة مصر المستقبلية .


و حديثي هنا ليس عن الجائزة ، إنما عن كلمة الرئيس السيسي المميزة و التي أضافت نكهة ماء النيل إلى هذه القمة . 
حديث شفاف كالماء الرقراق ، و الزجاج الذي يكشف عن صفاء الماء فيه ، بلا شوائب و لا معكرات . 


أما الجمهور الذي كان هدفا هم الناس العاديين ، و ليس الأفراد المتخصصين ، لأنهم إذا تحملوا مسؤولية المرحلة ، تستطيع الدولة النهوض بهم و ليست الحكومة ، لأن الدولة إذا سقطت أو انهارت عودتها صعبة  . 


حديث من العيار الثقيل ، و مصدر ذلك من ثِقل مصر في ميزان الأمة العربية و الإسلامية على خط واحد .
ما هي التحديات الحقيقية التي تواجهها مصر في مرحلتها الراهنة و المفصلية ، و قد أطلق عليها السيسي بالتحديات المتوازية ، بحيث لم تترك للدولة فرصة للنظر في الأولويات كما هي متعارف في طرق علاج المشكلات وفقا لسلم الأولويات الأكثر أهمية أو الأهم ثم المهم و هكذا !


فقد تعاملت الدولة المصرية مع كل الاحتياجات الملحة للشعب في ذات الوقت ، كان انقطاع الكهرباء لمدة سبع سنوات متتالية ، أمرا مزعجا ، فقد أسرعت الحكومة لحلها في سنة واحدة بعد ان وضعت لها ميزانية تقارب تريليوني جنيه ، و لم تعد هذه المشكلة قائمة  . 


و تزامن اصلاح الكهرباء في خط متواز مع ضرورة إعادة تأهيل البنية التحتية و خاصة مشكلة الزحام التي يقدر قيمة الوقت الضائع و التلوث الصادر من الوقوف الطويل للمركبات و الهدر في حرق الوقود بما يقارب عشر مليارات دولار سنويا ، تمكنت الحكومة من توفيرها للصرف على تجديد البنية التحتية . 


و على ذات الخط كان على كاهل مصر مواجهة غول التطرف و الإرهاب الذي أراد اقتلاع الدولة من الجذور ، فقد أعادت إليها وحي الآية الكريمة " ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين " ( يوسف / 99 ) 
و بما أن الصحة تاج  على الرؤوس  ، كذلك يصعب تأجيل البت فيه هذا القطاع الذي بحاجة إلى كادر للتدخل السريع ، فكان مشروع التأمين الصحي له بالمرصاد ، لكل الشعب ، و لكن تطبيقه بحاجة إلى مزيد من الصبر و المصابرة من ذات الشعب ، لأنه مشروع استراتيجي مخطط لخمسة عشرة سنة من الآن ، و يدخل على الخط كذلك التعليم و وسائل المواصلات  ، و غيرها من القطاعات التي يصعب حصرها على عجالة .


كل هذه المتطلبات الملحة ، لم تترك فرصة  للأولويات أن تأخذ مكانها من الإعراب ، فقد تطلب الوضع التعامل معها في خطوط متوازية و خاصة أن بعض القطاعات لا يمكن تأجيل العمل على تطويرها من هنا جاءت فكرة العاصمة الإدارية الجديدة لتخفف العبء عن وسط القاهرة التي اكتظت بالسكان و ضاقت طرقاتها عن تحمل المزيد من المستقبلات .
و لم تقف هذه التحديات عن حد تلك المتوازيات ، بل هناك تحديات مصيرية تتعلق بالأمن القومي المصري .


و في هذا الصدد تشرفت بحضور محاضرة أمنية في قلب شمال سيناء ، و كان فارس هذا المكان لواء كريم خاض امتحان حرب أكتوبر بجدارة و ساهم عمليا في استعادة " طابا " إلى أهلها الأصلاء .


و خلاصة تلك المحاضرة القيمة علما و معرفة و وعيا قبل كل شيء ، بأن مصر الدولة و العمق العربي مستهدفة من الجهات الأربعة ، من الشمال " إسرائيل " رغم عقد اتفاق سلام معها منذ عقود و مع ذلك لا نأمن جانبها ، و لا بد أن نكون على أهبة الاستعداد لأسوأ السيناريوهات . 


و لو ألقينا نظرة سريعة و فاحصة جغرافيا ، نجد بأن الحدود البرية المصرية فلكية هندسية، وتتجاور مصر مع 4 دول هي : فلسطين (قطاع غزة) وإسرائيل جهة الشمال الشرقي، وليبيا جهة الغرب، والسودان جهة الجنوب.
و الإشكالية في هذه الحدود ، أنها ليست " جغرافية " فحسب ، فهي أقرب من " الجيوسياسي " إلى الجغرافيا الخالية من رائحة السياسة . 


من جهة السودان هناك المصير المشترك في قضية " سد النهضة "

و هي ليست على خط مستقيم مع دول حوض النيل الشريان الذي يمتد على طول مليون كيلومتر مربع ، لم يصل جميع الدول المطلة على هذا الشريان الحيوي إلى حل وسط يرضي جميع الأطراف المتضررة من قيام أثيوبيا بملء السد دون أدنى اعتبار لمصالح الدول الأخرى التي لا يمكن تجاهل احتياجاتها ببساطة ، فقد تندلع أزمات اخرى بسبب حالة عدم استقرار الأمن المائي . 


و من جهة ليبيا ، فلا يخفى عن أحد الصراع السياسي الدائر حتى الساعة على السلطة ، بين حكومتين لم يتوصلا لقرار الاستقرار على يد رجل واحد ، ينهي هذه الحالة التي تؤثر على مصر و غيرها من الدول المجاورة سلبا .
و من ذلك البيان الذي صدر عن الخارجية المصرية في 17/2/2023 ، بعد اختطاف 6  مواطنين  مصريين   في ليبيا بمدينة الزاوية  و التي تؤكد فيه متابعتها مع أجهزة الدولة المعنية موقف المحتجزين في أحد مراكز الهجرة غير  الشرعية في غرب ليبيا ، و الذي لا يخضع للسلطات .


أما هناك و في أعماق شرق البحر المتوسط ، فالصراع على الثروات على أشده حيث استكشافات النفط و الغاز بين أكثر من دولة تتشابك و تتداخل و أحيانا تتصادم حدودها البحرية مع تركيا و اليونان و ليبيا و إسرائيل التي لا تؤمن بشيء اسمه " الحدود " ، فهي الوحيدة التي تتعامل مع العالم من حولها على أساس أنها دولة " اللاحدود " . 

  
هذه المعضلات جعلت من مصر الأمة أكثر صلابة و مرونة في ذات الوقت ، و على العالم العربي أن لا يدير ظهره منها ، فالعالم أجمع مدرك بأنه عند النائبات ، فإن مصر هي الدرع الواقي و الأخ الوافي .