الأربعاء 16 أكتوبر 2024

دكتور عبد الله العوضي يكتب:أوروبا .. و حرب الطاقة !

باور بريس

لقد تعددت الحروب في العالم ، فمن " حرب السلام " إلى "  حرب الزؤام " و حرب التوابل  ، و من ثم " حرب المياه " ، أما في هذه اللحظات فنحن أمام " حرب الطاقة " المشتعلة بين روسيا الاتحادية و دول الإتحاد الأوروبي ، و سندهم الأعظم في ذلك الولايات المتحدة الأميركية و إن لم تدفع بجندي واحد ثمنا لهذه الحرب المسعورة و إن دفعت بمليارات الدولارات سلاحا و عتادا وذخائر تكاد تؤثر على  المخزون الاستراتيجي لأمريكا ذاتها . 
رغم مرور نصف قرن على مناشدات خبراء العلاقات الدولية الأنظمة الحاكمة في العالم لتجنب اللجوء إلى جعل مصادر الطاقة التقليدية من نفط و غاز و فحم أو المتجددة سواء كانت نووية أو شمسية و غيرها سلاحا مشهرا  في وجوه الدول المتحاربة أو المتخاصمة و حتى المتنافسة سياسيا  ، لأنها بذلك تقصم ظهر الاقتصاد العالمي قبل الإقليمي أو المحلي ، فتسييس مصادر الطاقة لا يقل خطورة عن تسييس الأديان لمصالح خاصة .
لقد ظهرت هذه الصورة باندلاع الحرب " الروسية الأوكرانية " بشكل فاقع و لم تسلم من آثارها الجانبية دولة واحدة في العالم ، و لم تتوقف سلبياتها على أوروبا فحسب ، بل الجميع أصابه شيئ من شررها أو دخانها على أقل تقدير .
و هذا الأمر لم يحدث اعتباطا ، بل إن مسؤولين كبار في أوروبا بدأوا يواجهون روسيا بعيدا عن الوسائل الدبلوماسية المعهودة فالاتهامات أصبحت علنية و بأصرح العبارات  كنا ورد في 28/9/2022 بدويتشه فيله على لسان رئيسة الوزراء الدنماركية قولها : بأن "التسريبات في خطوط أنابيب نورد ستريم كانت متعمدة وليست عرضية بطبيعتها " .
و كذلك الأمر بالنسبة لوزير الدفاع اللاتفي في " يو إس نيوز " عندما قال بأنه :  "يتعين على حلف شمال الأطلسي والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التحقيق بصورة مشتركة في تفجيرات خط أنابيب نورد ستريم للغاز" . 
و تأكدا على ذلك جاء في بيان الأمين العام لحلف " الناتو " كما أوردته " رويترز "  و أهم ما جاء فيه حول "خطوط أنابيب نورد ستريم": تشير جميع المعلومات المتاحة حاليًا إلى أن ذلك جاء نتيجة أعمال تخريب متعمدة ومتهورة وغير مسؤولة ، و نحن كحلفاء ملتزمون بالاستعداد والردع والدفاع ضد الاستخدام القسري للطاقة والتكتيكات الهجينة الأخرى من قبل الجهات الحكومية وغير الحكومية ، فأي هجوم متعمد ضد البنية التحتية الحيوية للحلفاء سيقابل برد موحّد وحازم .
لا يمكن التعامل مع " حرب الطاقة " هذه كبقية الحروب الكونية ،،مثل حرب الفضاء أو الحرب الإلكترونية أو حرب الصواريخ البالستية أو حتى طائرات "درون " المسيرة من دون طيار ، لأنها تمس حركة الإنسان في حياته اليومية بلا انقطاع ، خاصة إذا كانت التوقعات تشير إلى إطالة أزمة الطاقة لسنوات ، لأن كافة الحلول المقترحة طويلة المدى و يحتاج من الإنسان صبرا أطول و مصابرة أقوى في تحمل التبعات الناجمة عن النقص الشديد في موار الطاقة المتاحة و لكنها مأزومة في هذا الظرف و ليس في المتناول بالسهولة السابقة .
في الواقع ، هذه الحرب الروسية الأوكرانية ، حملت في بطنها جنينا أكبر من حجمه الطبيعي ، فكانت الحرب الأولى عبارة عن عملية قيصرية لإخراج الجنين الذي تحول إلى حرب للطاقة أكبر من الأولى ، فخسائر الحرب الأولى أضافت فاتورة إضافية على فواتير الغزو الروسي لأوكرانيا .
من المفيد أن نعرج قليلا على الفاتورة التقديرية للأزمة الأوكرانية حتى هذه اللحظة و هي في مضاعفات التصاعد في كل ثانية و لا نقول كل اليوم .
بالنسبة لروسيا ، في بداية الحرب كانت تنفق يوميا ما يقارب 250 - 300 مليون دولار ، أما و بعد مرور سبعة أشهر على اندلاع الحرب ، فقد بلغت قيمة الفاتورة قرابة العشرين مليار دولار  ، و أما فيما يتعلق بأوكرانيا فإن قيمة فاتورة خسائرها لا تقل عن ربع تريليون دولار ، و هي لا تشمل لكلا الطرفين قيمة البشر الذين لا قيمة لهم في أوقات الحروب و الأزمات .
و في هذا السياق ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" ، نقلًا عن  المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية قوله بأن : التدافع من أجل تأمين الطاقة خلال فصل الشتاء المقبل، سيهدّد بتحطيم وحدة الاتحاد الأوروبي وإثارة اضطرابات اجتماعية .
فالأزمة بالنسبة إلى أوروبا ستستمر حتى عام 2023، نظرًا إلى ركود الإمدادات العالمية واحتمال زيادة التنافس على الغاز الطبيعي المُسال .
لأن خطوط أنابيب النرويج والجزائر وأذربيجان تقترب من بلوغ طاقتها القصوى، ولذلك ستكون الفترة المقبلة مليئة بالتحديات .
من هنا يجب تشييد خطوط أنابيب وتأمين بنية تحتية وخدمات لوجستية في القارة الأوروبية، وهذا سيستغرق 10 سنين على الأقلّ .
هذه رؤية مسؤول يدرك حقيقة و عمق هذه الازمة المستجدة بسبب من روسيا و دخولها خط التماس في أوكرانيا ، و لكن شرارة هذا الفعل لم يتوقف عند البلدين ، فالعالم أجمع مصيره معلق بسرعة وقف هذه الحرب التي قد تخرج من إطارها التقليدي إلى مداها النووي و إطلالة طائرات القيامة لا تبشر بما هو مطلوب على الفور . 
الآن أيهما أكثر ضررا من الآخر في التوازنات الدولية ، حرب قائمة بين روسيا و أوكرانيا لسبعة أشهر متتابعات ، أم حرب الطاقة المصاحبة لأزمة الدولتين اللتين كانتا في يوم ما تحت مظلة واحدة و اليوم لا تطيق إحداهما الأخرى ، فأي الحربين أشد و أنكى  ؟! 
حرب الطاقة لم يطلق فيها رصاصة واحدة ، إلا أنها فجرت العالم كله ، و بالذات أوروبا التي تبحث عن مخلفات مصادر الطاقة القديمة ، من بعد المتجددة للتخفيف من الخسائر أو تعويض النقص الهائل في احتياجاتها الضرورية . 
بعض الدول الأوروبية طرقت أبواب القارة الأفريقية لاستدراك أوضاعها .
إيطاليا مثلا وفق " بلومبيرج “ في تحصل على إمدادات بديلة كافية من الغاز من "شمال إفريقيا"؛ لتعويض أيّ نقص هذا الشتاء في حال قطعت روسيا صادرات الغاز عنها  . 
و لم تمر عشرة أيام على الحرب الروسية - الأوكرانية ، حتى اتضحت بوادر و ملامح حرب الطاقة في قلب الغزو ، و هو ما ذهبت إليه 
وكالة "فرانس 24" في 4/3/2022 ، عندما نشرت تقريرًا بعنوان "دول الخليج تقاوم الضغوط لزيادة إنتاج النفط؛ فهل ارتفاع الأسعار لصالحها؟". جا فيه : لم تلق الدعوات إلى زيادة إنتاج النفط، للحد من ارتفاع أسعاره جراء الغزو الروسي لأوكرانيا، "آذانًا صاغية" لدى دول الخليج التي تسعى لمقاومة الضغوط الغربية ، فهي 
تختبر قدرتها على التمتع باستقلالية استراتيجية للدفاع عن مصالحها؛ حيث لا تظهر الدول الخليجية المنتجة التي عانت من انخفاض أسعار النفط ميلًا للتحرك الفوري، لأنها تستفيد من ارتفاع الأسعار على المدى القصير . 
و هي كذلك تُريد إيصال رسالة إلى واشنطن مفادها أن "هذه الحرب ليست حربنا"، ما يشبه إلى حد بعيد الرسالة التي يرسلها لهم الأمريكيون منذ سنوات عدة حول اليمن .
فالدولتان الوحيدتان في "اوبك+" القادرتان على زيادة الضخ، هما السعودية والإمارات، لكنهما تبقيان بعيدتين عن سد فجوة الصادرات الروسية . 
و قبل اندلاع الحرب بعشرين يوم ، كان الخبراء و المحللون في شؤون الطاقة يشمون رائحة حرب الطاقة المقبلة من خلال منتدياتهم التخصصية ، و التي قد لا يلقي البعض لها بالا أو أهمية خاصة أو كبيرة و من ذلك ما ورد في " رويترز " بتاريخ 4/2/2022 بأن : محللون يرجحون أن تتجاوز أسعار النفط الخام 100 دولار للبرميل، نظرًا لقوة الطلب العالمي، مشيرين إلى حرب محتملة بين روسيا وأوكرانيا كأحد أبرز مخاوفهم على الأسواق في عام 2022. وقال ثلاثة محللين لـ"منتدى رويترز للأسواق العالمية"، إن أسعار النفط سترتفع إذا تعطلت الإمدادات العالمية، وكذلك مع انتعاش الطلب بسبب تصاعد أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا وآسيا، إلى جانب استئناف الأنشطة بعد عمليات الإغلاق التي فرضت للحد من انتشار جائحة "كوفيد-19" . 
و في 16/2/2022 ، جاء ما يؤكد هذا الاتجاه في الدخول إلى مرحلة حرب الطاقة و في وقت مبكر من اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية ، و ذلك أهم ما ورد في تقرير لـ"وول ستريت جورنال"، بعنوان "مع اقتراب النفط من 100 دولار، السعوديون يتجاهلون الولايات المتحدة ويلتزمون بالاتفاق الروسي وسط أزمة أوكرانيا" بأن : 
بايدن دعا مرارًا وتكرارًا المنتجين في الخليج العربي إلى ضخ المزيد من النفط لخفض أسعار الوقود ، و رد السعوديون بأنهم لن يضخوا أكثر مما اتفقوا عليه العام الماضي في إطار اتفاق بين منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك+" وروسيا .
و يسمح هذا الاتفاق بزيادة الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يوميًا كل شهر، لكنه لم يفعل شيئًا يذكر لوقف ارتفاع أسعار النفط ، و بإمكان السعودية خفض 
الأسعار؛ لأنها لا تضخ بكامل طاقتها البالغة حوالي 12 مليون برميل يوميًا . 
و للدلالة على مصداقية التوقعات التي أشرنا إليها قبل قليل ، بعد اندلاع الأزمة في أوكرانيا بستة أيام ، ذكرت " فوربس الشرق الأوسط " في 2/3/2022 بأن : خام برنت" يصعد بأكثر من 9 في المئة، ويُتداول بأكثر من 107 دولار للبرميل، وذلك رغم قرار وكالة الطاقة الدوليّة تحرير 60 مليون برميل من النفط من الاحتياطيات العالمية . 
و بناء على هذه المستجدات المتسارعة ، بادرت بعض الدول في وقت مبكر للسعي إلى ضمانات تقيها مما تعاني منها أوروبا اليوم ، و من هذه الدول جاءت كوريا الجنوبية في المقدمة .
في 1/4/2022 أوردت " يونهاب" بأن : الرئيس الكوري الجنوبي المنتخب،التقى بسفراء دول أعضاء مجلس التعاون الخليجي؛ لمناقشة التعاون في مجالات الطاقة والبناء والبنية التحتية في وقت تتزايد فيه التقلبات في سوق الطاقة، حيث تمثل الدول الست 68 في المئة من واردات كوريا الجنوبية من النفط الخام .
و منذ بدايات الحرب الروسية الأوكرانية ، تريد أميركا و من معها إلقاء اللائمة على " أوبك " ، مع  وضوح السبب و تجاهله بالتركيز على العرَض .
و بعد مرور ثلاثة أسابيع من اندلاع الأزمة قامت منظمة "أوبك" حسب وكالة " رويترز " في 21/4/2022 بإبلاغ صندوق النقد الدولي، أن ارتفاع أسعار النفط يرجع إلى حد كبير إلى الأزمة الأوكرانية "أوبك" تقول إن سعر خام برنت القياسي العالمي بلغ في المتوسط ​​98 دولارًا للبرميل في الربع الأول، بارتفاع 18 دولارًا تقريبًا عن الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2021 .
سترفع "أوبك +" الإنتاج بنحو 432 ألف برميل يوميًا في مايو، كجزء من التراجع التدريجي لتخفيضات الإنتاج التي تم إجراؤها خلال أسوأ حالات جائحة "كوفيد-19" .
بالتعمق في تفاصيل هذه الحرب المندسة في شرايين الحرب الروسية الأوكرانية ، و كيفية التغلب على متاعبها و تحدياتها ، لجأت فرنسا كما في " بلومبيرغ " 29/9/2022 , إلى : تجديد مخزونها من "الديزل" عن طريق إعادة الشحنات التي تم تصديرها. 
و يشمل ذلك "7.88 مليون برميل من الديزل" تعهدت بتقديمها أثناء اتفاق بين الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية؛ للمساهمة في عمليات إطلاق النفط بينها .
و نظرا لتصاعد سعر الغاز الروسي كما ذكرنا سابقا ، فإن " رويترز " ذكرت بأن : مفوض الطاقة بالاتحاد الأوروبي، دعا "الاتحاد" إلى وضع حد لسعر صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا . 
لقد وصل حد القلق من أن يمتد نطاق حرب الطاقة إلى قطاع البنية التحتية للإتصالات ، ورد هذا عند مسؤولون تنفيذيون في قطاع الاتصالات الأوروبي، لـ"رويترز" في 30/9/2022  : هناك احتمالات بأن يتسبب "الشتاء القارس" بالتأثير سلبًا على البنية التحتية للاتصالات في القارة، ما قد يعني توقف الهواتف المحمولة عن العمل .
و هو أمر وارد إذا ما أدى انقطاع التيار الكهربائي أو فرض حصص لتوزيع الطاقة إلى تعطيل قطاعات من شبكات الهواتف المحمولة .
و لا توجد حاليًّا أنظمة احتياطية كافية في الكثير من الدول الأوروبية، للتعامل مع انقطاعات واسعة النطاق للتيار الكهربائي . 
و من الآثار الجانبية لهذه الحرب ما ورد في 18/3/2022 ، بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من اندلاع هذه الأزمة ، ذكرت ذا تلغراف بأن : محافظ بنك إنجلترا، حذر من موجة التضخم التي تحقق ارتفاعات حادة مؤخرًا، وسط أضرار بالغة تلحق بالاقتصاد البريطاني جراء أزمة الطاقة، إضافةً إلى الصراع في أوكرانيا .
هذا الوضع بالنسبة لبريطانيا التي تستعد لمرحلة ملكية جديدة من بعد رحيل إليزابيث و تولي تشالز زمام الأمور .
أما على مستوى الأوروبي فوفق  " يورو نيوز " فإن  : التضخم في منطقة اليورو يصل إلى مستوى قياسي جديد بلغ 10 في المئة، مدفوعًا بارتفاع أسعار الطاقة بنسبة 40 في المئة .
هذا الوضع المتفاقم لم يقتصر على منطقة اليورو بل طالت تركيا الجار  بالجنب لأوروبا حيث أوردت " بلومبيرغ " بأن : العجز التجاري التركي يصل إلى مستوى قياسي في أغسطس، مدفوعًا بارتفاع تكاليف الطاقة وزيادة واردات المعادن الثمينة؛ حيث بلغت الفجوة الشهرية إلى 11.2 مليار دولار. كما أن العجز في الفترة من يناير إلى أغسطس بلغ 73.4 مليار دولار، بزيادة 146 في المئة عن العام السابق .
وصل حرب الطاقة إلى حد تبادل الاتهامات بين الأطراف المشتبكة في الأزمة ، و خاصة فيما يتعلق بخط " نورد ستريم " الذي أحدث ضجة كبيرة في الصحافة الغربية بين قائل بالخلل الفني في عملية التسريب و آخر ذهب أبعد من ذلك بالتخريب المتعمد وفق سيناريوهات متعددة .
لقد أوردت " فرانس برس " طرفا من هذا الذي بدأ يشتد غلظة 
و نقلًا عن تقرير دنماركي-سويدي في 30/9/2022 : تسرب الغاز من شبكة "نورد ستريم" سببه انفجارات تعادل "عدة مئات من الكيلوغرامات"، من متفجرات "تي إن تي" 
مع تحرك البيت الأبيض عن طريق مستشار الأمن القومي،  الذي ناقش يناقش الأمين العام لحلف الناتو؛ "التخريب" الواضح لشبكة "نورد ستريم" في بحر البلطيق .
هذا الخط الذي يبلغ طوله قرابة ألف كيلومتر في البحر الممتد مباشرة إلى ألمانيا ، و قد استغرق بناءة وفق دراسات امتدت لأكثر من عشر سنوات ، حتى طالت أصابع الاتهام روسيا و أميركا في ذات الوقت ، هذه مفاجئة من العيار الثقيل في حرب العالم الغربي يكتوي من لظاها منذ أشهر و حتى الآن لا يملك أي طرف الحقيقة التي تفصل في الأمر بدل الاستمرار في كيل الاتهامات جزافا  . 
عبر وكالة "سبوتنيك".. يشرح السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، قوله خلال اجتماع لمجلس الأمن : إن تدمير خطوط أنابيب "نورد ستريم" يعود بالنفع على الموردين الأمريكيين. 
و ليس من المنطقي أن تضر روسيا بخطوط الأنابيب التي استثمرت فيها أموال طائلة .
الولايات المتحدة لا تكترث بأن أوروبا ينتظرها شتاء بارد ، 
و التحقيق الدولي شرعي بمشاركة روسيا فقط . 
عراقيل تدفق الطاقة لا زالت مستمرة حسب " بلومبيرغ " شركة "إيني" الإيطالية للطاقة، تُفيد بأن شركة "غازبروم" الروسية، قد علّقت تسليم الغاز الطبيعي إلى إيطاليا عبر النمسا .
هذا في الوقت تبذل فيه جهودا مضنية بحثا عن البدائل قبل حلول أزمة الشتاء فوق رأس أزمة الطاقة.
وفق " وكالة الأنباء البولندية" في 1/10/2022 : مشغل "غاز سيستم" البولندي، يُعلن بدء ضخ الغاز الطبيعي من النرويج عبر شبكة "بالتيك بايب" إلى بولندا . 
رحلة البحث عن البدائل للتخفيف من حرارة هذه الحرب لا تتوقف ، هذا ما ذكرتها  " الشرق " في 5/10/2022 بأن : المملكة المتحدة تجري محادثات مع النرويج لتأمين عقد غاز طبيعي من المحتمل أن تصل مدته إلى 20 عامًا، في محاولة لدرء مخاطر انقطاع التيار الكهربائي في فصل الشتاء .
بدأت استراتيجية المدى الطويل تأخذ طريقها  إلى التفعيل ، خوفا مما يحمله المستقبل القريب من مفاجآت غير قابلة للتوقع . 
منذ بداية الأزمة لم يحصل إجماع في الإتحاد الاوروبي على مقاطعة الغاز الروسي ، تحسبا لدى البعض بما ستؤول إليه الأوضاع فيما بعد ، و قد وقع ما كان في الحسبان من تدفق الطاقة على أوروبا ، فمن تلك الدول كانت المجر كما ذكرت 
" بلومبيرغ "  التي وقعت اتفاقًا مع شركة "غازبروم" الروسية للطاقة في ظل تهديد تكاليف الغاز للاقتصاد، تمنح "غازبروم" خلاله خيار تأجيل المدفوعات خلال أشهر الشتاء . 
فأي تسهيل ييسر على الناس سبل العيش مطلوب في هذه المرحلة من شدة الأزمة التي لم تستثن أي دولة أوروبية كان اعتمادها الأكبر على الغاز الروسي . 
حتى ألمانيا التي لها السبق في إنتاج الطاقة الكهربائية من عمليات التدوير ، قد تلجأ وفق وكالة "بلومبيرغ" و تضطر إلى تقييد صادرات الكهرباء هذا الشتاء؛ لتجنب انقطاع التيار الكهربائي . 
و من ناحية أخرى في " سي إن بي سي " 5/10/2022 : وزير الاقتصاد الألماني، ينتقد الولايات المتحدة بشأن أسعار الغاز "الفلكية"، مشيرًا إلى أن بعض موردي الغاز يستفيدون من تداعيات الحرب في أوكرانيا، والتي أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة عالميًّا . 
إن هذا الاستغلال للوضع لا يساعد على تحجيم الأزمة المتفاقمة ، لأن فيها أنانية المصلحة الخاصة التي تطغى على الصالح العام في أوروبا ، فإذا كانت ألمانيا تئن  من وطأة هذه الحرب و هي تعد أقوى اقتصاد في الإتحاد الاوروبي ، فكيف الحال ببقية الأعضاء ؟! 
ألمانيا في نفس الوقت لا تريد أن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الحالة غير المستقرة للطاقة ، فهي حسب " بوليتيكو " 7/10/2022 : تقترح خطة لخفض أسعار الغاز، من خلال تشكيل تحالف مع البلدان التي تعاني من نقص في الطاقة؛ لإقناع كبار المصدرين بخفض التكاليف .
و في " بلومبيرغ " : انتقادات أوروبية لحزمة المساعدات الألمانية البالغة 200 مليار يورو حيث تشير دول الاتحاد الأوروبي إلى أن الحزمة الألمانية هي "علامة تحذير" لاتخاذ إجراء عاجل لمعالجة الأزمة  .
نلاحظ كيف أن الخطوات تتسارع للبحث عن مخرج آمن لوقف هذا النزيف الدامي في قلب الاقتصاد الأوروبي ، علما بأن دول الإتحاد ليست على قدم المساواة في قدرتها المالية لضخ المزيد من السيولة في هذا المجال الحيوي و في وقت تنتقل الحرب في أوكرانيا نحو التصعيد و خاصة بعد إعلان روسيا عن التعبئة الجزئية و إصدار مراسيم ضم المقاطعات الأربع إلى الأراضي الروسية .
و ما يزيد الوضع تعقيدا هي جملة التناقضات المشتعلة بين جميع الأطراف في الحربين المتداخلة و المتشابكة خيوطها لدى المتأثرين بنيران الميدان أو في مخازن موارد الطاقة الروسية.
الصورة في الميدان أحمر قاني و في حقول النفط غارق في السواد ، فقط لدى أميركا يزداد اخضرار الدولار . 
أين نقطة التناقض في موضوع حرب الطاقة التي بدأت آثارها تظهر تدريجا على بثور اقتصادية في أوروبا ؟!
لدى أميركا و من خلفها اوروبا سلسلة من العقوبات تضيق الخناق عل روسيا كلما زادت حدة المعارك في الحرب الأوكرانية ، و من بينها ما سببت أو ولّدت من ثناياها حرب الطاقة.
روسيا ممنوعة من صرف موادها في سوق الطاقة الأوروبية ، في الوقت الذي لا توجد بوادر قريبة لوقف الحرب الدائرة هناك ، مع ازدياد الحاجة لمصادر الطاقة الروسية على وجه الخصوص. 
مهما حاولت أميركا التي و صفت تخفيض انتاج " أوبك " بمليوني برميل يوميا بأنها " إجراء عدائي " فإن ذلك لا يوقف الحربين المشتعلتين في آن واحد ، و ما جاء في ختام إجتماع اوبك الأخير خير شاهد على ما نقول من خلال أهم ما جاء فيه على لسان وزير الطاقة والبنية التحتية في الإمارات قوله بأن : أسعار الغاز أكثر تأثيرًا في الاقتصاد العالمي مقارنة بأسعار النفط ، لأن أوروبا تعاني مسألة أمن طاقة وليس فقر طاقة .
أما نائب رئيس الوزراء الروسي فقد ذكر بأن : موسكو ستواصل إمداد النفط فقط للمستهلكين الذين يوفرون آليات تسعير للسوق ، و وضع سقف لأسعار النفط الروسي سيكون له "تأثير ضار" على السوق العالمية . ( 5/10/2022 )
و تعبير وزير الطاقة في الإمارات دقيق و عميق في وصف الأزمة بأنها المسألة هي في " أمن الطاقة و ليس في فقر الطاقة "
أي بمعنى لماذا تتجه أوروبا للتأصيل لحرب أخرى باسم " حرب الطاقة " و هي ليست فقيرة منها ، بل غير آمنة ، هنا آليات الحل يجب أن تختلف عما يدور في الحرب بين روسيا و أوكرانيا ، فالإسراع للتوصل إلى وقف هذه الأزمة أهم و أولى من صناعة آليات جديدة للتعامل مع مفهوم حرب الطاقة . 
هذا و قد ألقى مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي الأسبق باللائمة على إدارة بايدن في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" أهم ما جاء فيه :
اتفق مع عادل الجبير، وزير السعودية للشؤون الخارجية، حول إهمال الولايات المتحدة المصافي لديها، وعدم الاستثمار في الطاقة الأمريكية .
أما توجيه أصابع الاتهام إلى "أوبك" أو السعودية خطأ فادح وإلقاء اللوم على الآخرين يأتي بنتائج عكسية ،  فالتحالف "الأمريكي-السعودي" مهم جدًّا لمصلحة الشعب الأمريكي؛ ولذلك يجب أن تكون هناك علاقات عميقة ومهمة مع السعودية .
و إدارة بايدن مسؤولة بشكل مباشر عن مشاكل الطاقة في الولايات المتحدة، وما يحدث هو فشلٌ للسياسة الأمريكية .( 10/10/2022 ).
بعد اجتماع " أوبك " هرول قادة أوروبا إلى عقد " قمة براغ " التي خرج فيها عشرات الألوف في مظاهرات حاشدة تطالب بالإسراع في حل هذه الأزمة الخانقة . 
و أهم ما جاء في ختام هذه القمة غير الرسمية للقادة الأوروبيين ، حيث ذكر الرئيس الفرنسي قوله : الشتاء القادم سيكون صعبًا على الأوروبيين من حيث إمدادات الغاز ، و نعمل من أجل بناء شبكة "ربط كهربائي" أوروبية، لمواجهة أزمة نقص الطاقة .
و من ناحية أخرى أشار المستشار الألماني إلى أنه : سنجري محادثات مع النرويج والولايات المتحدة؛ لخفض أسعار الغاز .
و أما رئيس المجلس الأوروبي فقد صرح بأن :  روسيا تستخدم الطاقة كـ"سلاح" ضد أوروبا و الاعتداء الروسي له انعكاسات خطيرة، ونتجت عنه أزمات في الغذاء والطاقة . ( 7/10/2022 ) 
أصبحت ألمانيا في هذه الأزمة في فم المدفع الأوروبي و هي الملامة من دون الأخريات ، نرى ذلك في 
" دويتشه فيله " التي أوردت في ، بأن : قادة دول الاتحاد الأوروبي، يفشلون مجددًا في تحديد سقف أسعار الغاز وحزم الإنقاذ في كل دولة، حيث اتهمت بولندا ألمانيا بـ"الأنانية" في طريقة تعاملها مع أزمة الطاقة المتوقعة في الشتاء .
تراشق الاتهامات لا تعجل بالحل ، فأوروبا اليوم على المحك أكثر من تورط روسيا في حرب أوكرانيا ، فما يجري في اللحظة الراهنة مؤشر خطير لما يحاك للاتحاد الأوروبي و هاجس التفكيك من بعد "  البريكست "  البريطاني ، و هو ما فتح الباب لدول أخرى بالتفكير في ذات الاتجاه . 
و قد أشار إلى الاتجاه في تطاير حدة الاتهامات ، الصحفي ماثيو  كار نيشنيغ في مقال له بمجلة " بوليتيكو " بعنوان " رسالة أولاف شولتز إلى أوروبا : إن  المستشار الألماني  يثير  غضب قادة الاتحاد الأوروبي الآخرين، عندما يركز على شؤون بلاده ويتجاهل متطلبات بقية دول الاتحاد الأوروبي، موضحًا أن حكومة ألمانيا تتعامل بنفس النهج مع النقص الوشيك في الغاز والكهرباء هذا الشتاء، وتركز بالكامل على "ألمانيا وليس على أوروبا" . 
بدأت أوروبا تتجه نحو القارة السمراء لتبييض وجهها بالغاز ، و حل لغز الطاقة المحير ففي "أسوشيّتد برس " : دول الاتحاد الأوروبي تتجه إلى إفريقيا في محاولة لاستبدال الغاز الروسي، حيث أنه من المتوقع أن يكتمل مشروع جديد للغاز الطبيعي المسال قبالة الساحل الغربي لإفريقيا .
و في " بلومبيرغ " :  أوروبا تسارع لتأمين الإمدادات الشتوية من الغاز، ما أحدث ارتفاعًا قياسيًا لأسعار ناقلات الغاز .
و قد أردف ذلك المستشار الألماني، خلال مؤتمر صحفي، حول أزمة الطاقة قوله : 
وقعنا عقودًا لاستيراد الغاز مع دول عدة ونواصل التوقيع مع دول أخرى لتأمين الاحتياجات خلال الشتاء ، و علينا أن نتحرر من التبعية للغاز الروسي وندعو مواطنينا لترشيد استخدام الطاقة . 
و قد دخلت أوروبا في استحداث إجراءات مالية غير مسبوقة لتلافي حدة الأزمة ، فمن ذلك كما ورد في 
بلومبيرغ: هيئة الرقابة على الأسواق في أوروبا، تعتزم السماح باستخدام الضمانات المصرفية لتغطية احتياطي رأس المال في أسواق الطاقة . 
حتى دولة بحجم الصين دخلت على خط هذه الأزمة و كأنها تقف مع روسيا ضد أوروبا و هذا ما أفادت به أيضا وكالة "بلومبيرغ" : بأن اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في الصين طلبت من كبرى الشركات المملوكة للدولة التوقف عن إعادة بيع الغاز الطبيعي المسال للمشترين في أوروبا، فضلاً عن دول آسيوية أخرى، لضمان موسم التدفئة في فصل الشتاء في البلاد . 
و تبعتها اليابان ، و لكن بإجراء آخر أشارت إليه أويل برايس: الحكومة اليابانية تدرس إطالة عمر أسطول محطات الطاقة النووية في البلاد لمواجهة أزمة الطاقة . 
وصلت هذه الحرب إلى مرحلة " متلازمة دون " سياسي لا تنتهي إلا باستئصال المرض ، بوقف الحرب بأي ثمن ، لأن استمرارها أكثر كلفة وفق كل المقاييس ، أما الانشغال بالعرض و هو متمثل في " حرب الطاقة " فإنها مضيعة للوقت أي مضيعة و هدر للطاقات بدلا من وفرها .
معظم الحروب تنتهي بالمفاوضات السلمية و المباحثات الثنائية أو الجماعية ، و بوادر ذلك بدأت بالظهور من ضغوط الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة  ، لعلها بارقة أمل يخرج العالم من خلالها في أفضل وضع للمستقبل القريب.