الأربعاء 16 أكتوبر 2024

دكتور عبد الله العوضي يكتب: العالم: فاتورة الطاقة فوق الطاقة ؟!

باور بريس

في معركة تركيع الغرب لروسيا ، العالم كله يرفع يديه مجازا قائلا " ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به " .
و قد بدأ العالم المتأثر بنقص النفط و الغاز ، برحلة بحث و تنقيب عن مصادر الطاقة الماضية ، أو التي توقف عن استخدامه ، إما للتلويث بالبيئة و الإضرار بها كالفحم أو لخطورته الشديدة كالطاقة النووية. 
لم تعد هذه الأزمة باتجاه واحد ، أي مع روسيا فحسب ، بل بين دول الإتحاد الاوروبي.
فهذه فرنسا  وفق بلومبيرغ"، تقول إن فرنسا قد تفرض حظرًا لمدة عامين على صادرات الطاقة إلى إيطاليا؛ بسبب انخفاض الإنتاج النووي، ما يؤدي إلى تفاقم أزمة الطاقة مع دخول أوروبا فصل الشتاء. وأفادت المتحدثة باسم وزارة نقل الطاقة الإيطالية إن روما تعمل على خطط للتعويض عن أيّ انقطاع في الإمدادات بعد تلقي إخطار كتابي بالتوقف المحتمل . 
و قررت بعض الحكومات الأوروبية مضاعفة شراء الطاقة ، في يورو نيوز ، : الحكومة المجرية، تُقرر شراء 700 مليون متر مكعب إضافي من الغاز الروسي . 
و ليست أمريكا الغارقة في النفط بمعزل عن هذا الوضع المتأزم ، و قد جاء ذكر ذلك لدى بايدن مع برنامج "60 دقيقة" على قناة "سي بي إس نيوز" ، ، عندما قال بأن  : إدارتي قامت بالكثير لخفض الأسعار على المستهلك الأمريكي، بما في ذلك الإفراج عن مليون برميل يوميًا من الاحتياطي الاستراتيجي . 
و ذكرت " واشنطن بوست" ، نقلًا عن مسؤولين في البيت الأبيض وخبراء اقتصاديين بأن : انقطاع إمدادات النفط الروسي سيلحق أضرارًا فادحة بالاقتصاد الأمريكي .


لا يظنن البعض ، بأن الدول العظمى  لن تلدغ من جحور الآخرين ، فهي أولى أن تكون عظيمة في معانيها أبقى و أصلح للبشرية حتى و إن ملكت سوبر باور ، فلو أصيبت أميركا بالزكام فقد يكون علاجها في الصين و إن كانت خصمًا منافسا لها و العكس صحيح . 


على الرغم من تشابك العلاقات التركية الروسية في أكثر من ملف ، في سوريا و العراق و ليبيا و بعض الجمهوريات المستقلة عن الإتحاد السوفييتي ، إلا أن لملف الطاقة رنين آخر لا يتداخل مع الملفات السياسية.
وكالة "بلومبيرغ"، : تنقل عن مسؤولين أتراك قولهم إن الرئيس التركي يسعى إلى توثيق العلاقات المالية مع روسيا في الوقت الذي يحاول فيه تحقيق الاستقرار في الاقتصاد المضطرب قبل انتخابات العام المقبل. 
و من بين أهداف أردوغان  ، تخفيض الأسعار والدفع بالليرة مقابل واردات الطاقة. 
و كذلك من  المقرر أن تتجاوز فاتورة الغاز الطبيعي لتركيا 50 مليار دولار هذا العام، وروسيا هي أكبر مورد لها للطاقة


هذا وقد سعى الرئيس التركي خلال اجتماع مع نظيره الروسي في أوزبكستان، للحصول على خصم يبلغ 25 في المئة على أسعار الغاز الطبيعي، واتفاق على أن تركيا يمكن أن تدفع جزءًا من فاتورتها بالليرة التركية . 
سارعت دول الاتحاد الأوروبي في و ضع خطط مالية قاسية للطوارئ وفق ما ذكرت رويترز بأن : المفوضية الأوروبية تضعُ خططًا لجمع أكثر من 140 مليار يورو (140 مليار دولار) لمواجهة أزمة الطاقة التي زادت من احتمالات تقنين الوقود الشتوي والركود الاقتصادي .
و في ذات الوقت أشارت فرانس برس إلى أن : فرنسا ستزيد صادرات الغاز إلى ألمانيا، بدءًا من منتصف شهر أكتوبر   
بل إن بعض المصادر بدأت تشير إلى احتمال وصول " شبح الإفلاس " إلى قلب أوروبا ، و من ذلك ما أوردت صحيفة  " ذا إيكونوميست" قولها  في بأن : أوروبا مهددة بشتاء بارد ومظلم، في ظل أزمة الطاقة التي تمر بها، بسبب وقف الإمدادات الروسية وغلاء الأسعار. مضيفةً أنه على الدول الأوروبية أن تحذر من "شبح الإفلاس" الذي يبدو وشيكًا، إن لم تتوصل إلى معالجة أزمة الطاقة. و هي ستضطر هذا العام إلى تخصيص 1.4 تريليون يورو، لتغطية استهلاك الغاز والكهرباء، أي بواقع 7 أضعاف ما كانت عليه . 
و من المفارقات في هذا الصدد ، أن حزمة العقوبات تشتد و هي لا تساعد على الانفراج  في المدى القريب ، هذا ما أوردته   " فرانس برس بأن : برلين تضع يدها على نشاطات مجموعة "روسنفت" النفطية الروسية في ألمانيا . 
بدأ صوت الشارع يعلو في بعض عواصم أوروبا للضغط على الحكومات من أجل تلبية إحتياجات الشعوب المتأثرة بعد فقدت طاقة صبرها في البيوت ، ذكرت بلومبيرغ عن : اندلاع احتجاجات في العاصمة التشيكية "براغ" ضد الحكومة، شارك بها نحو 70 ألف شخص؛ للمطالبة بمزيد من المساعدات الحكومية مع ارتفاع فواتير الطاقة . 
بل لجأت بعض الدول إلى تشغيل المحطات النووية القديمة و التي أغلقت منذ زمن ، ذكرت  " أسوشيّتد برس  " عن : وزيرة الطاقة الفرنسية، تقول إنه سوف يتم استئناف العمل في كافة المفاعلات النووية في البلاد، بحلول الشتاء المقبل . 
أما ألمانيا التي كانت من أوائل الدول الداعية إلى إغلاق المحطات النووية ، فقد غيرت رأيها في هذه الأزمة المستشرية حسب صحيفة "وول ستريت جورنال " نقلًا عن مسؤولين في الحكومة الألمانية قولهم : 
إن برلين تخطط لتأجيل إغلاق آخر 3 محطات للطاقة النووية في البلاد ، و هذه الخطوة تأتي استعدادًا لنقص محتمل في الطاقة هذا الشتاء، بعد تقليل روسيا إمدادات الغاز .
و من ناحية أخرى جاء في  " فرانس برس  " بأن المستشار الألماني، دعى إلى مد خط أنابيب بين البرتغال وأوروبا الوسطى يمر عبر فرنسا، معتبرًا أن القارة تفتقر إلى الغاز "بشكل كبير" في سياق أزمة الطاقة الناتجة عن الحرب في أوكرانيا .
و لتوضيح الصورة أكثر ، نعود إلى مقابلة لوزير الطاقة الروسي مع وكالة " تاس " على حد قوله بأن : روسيا قادرة على التكيف مع الحظر النفطي الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي، والشتاء القادم سيُظهر مدى حقيقة إمكانية رفض الغاز الروسي .
فهي أعدت إجراءات تُمكن منتجي النفط من تجنب العواقب إذا حظرت الدول الغربية التأمين على النقل البحري للنفط الروسي ، فأوروبا لن تكون قادرة على التخلي عن الغاز الروسي بحلول عام 2027 .
مع التأكيد على أن مواد مشروع بناء خط أنابيب غاز إلى الصين عبر منغوليا جاهزة تقريبًا، ونُخطط لإعادة توجيه موارد الطاقة إلى الشرق الأوسط وإفريقيا .
يتضح من ذلك بأن روسيا لا تقف مكتوفة الأيدي أمام الإجراءات المشددة من قبل الغرب ، فهي ماضية في البحث عن البدائل التي لن توقف موارد الطاقة عند بابها . 
خاصة و أن أميركا لم تطلب من الآخرين عدم التعامل مع النفط أو الغاز الروسي ، وفق ما ورد عن وزارة الخزانة الأمريكية قولها : بأن الولايات المتحدة تفرض حظرًا على استيراد النفط ومنتجاته من روسيا، لكنها لا تمنع الدول الأخرى من القيام بمثل هذه المشتريات . 
الضرب من تحت حزام الطاقة  لدى الجانبين مستمر ، ذكرت “ رويترز “  تحت عنوان "روسيا تؤجل إعادة فتح نورد ستريم، في ضربة لأوروبا المتعطشة للغاز" بأن: روسيا ألغت موعد استئناف تدفق الغاز عبر خط أنابيب "نورد ستريم 1"، أحد طرق الإمداد الرئيسية إلى أوروبا، بعد أن قالت إنها اكتشفت خللًا أثناء الصيانة، ما يُعمق الصعوبات التي تواجه أوروبا في تأمين الوقود لفصل الشتاء .
و كان من المقرر أن يستأنف "نورد ستريم 1"، الذي يمر تحت بحر البلطيق لتزويد ألمانيا وغيرها، العمل بعد توقف لمدة ثلاثة أيام للصيانة .


أما شركة "غازبروم" الروسية فقالت : إنها لم تعد قادرة على توفير جدول زمني لاستئناف عمليات التسليم بعد اكتشاف تسرب نفطي، ما يعني أن توربين خط الأنابيب لا يمكن أن يعمل بأمان . 
و من الآثار الاقتصادية الناجمة من داخل أزمة الطاقة ما أشارت إليه
وكالة "بلومبيرغ" قولها :  في تقريرٍ إن التضخم في منطقة اليورو تسارع إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، مما يعزز موقف "البنك المركزي الأوروبي" للنظر في رفع ضخم لأسعار الفائدة .
و أن الحكومات تحاول تعويض صدمة أسعار الطاقة من خلال عددٍ لا يحصى من الإجراءات بما في ذلك التخفيضات الضريبية، والمدفوعات المباشرة للأسر، وإعانات للشركات . 
و قد تصل الزيادة المتوقعة لأسعار الغاز الروسي كما ذكرت  " رويترز  " عن شركة "غازبروم" الروسية قولها  : إن أسعار الغاز قد ترتفع بنسبة 60 في المئة، لتصل إلى أكثر من 4000 دولار لكل ألف متر مكعب هذا الشتاء، وذلك وسط العقوبات الغربية على روسيا .
هذه الزيادة المفاجئة ، أوصلت بعض دول أوروبا إلى الاعتداء على المحميات من الأشجار النادرة في الغابات من أجل استخدامها وقودا للتدفئة و استقبال الشتاء القارص بذلك .
أما بعد استدعاء روسيا لثلاثمائة ألف من جنود الاحتياط الجزئي لاجتياح أوكرانيا ، مع وجود قرابة 200 ألف جندي نظامي  منذ اندلاع الحرب هناك في 24/2/2022 ، و كذلك استعداد كلا من بلاروسيا و الشيشان للمشاركة في هذه العملية الخاصة كما تسميها روسيا ، فمعنى ذلك بأن هذه الأزمة سوف تتجاوز حدود هذا العام للقفز على العام المقبل في 2023 .
و هذا يعني مما أشارت إليه صحيفة "فايننشال تايمز" ، نقلًا المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية قوله إن : التدافع من أجل تأمين الطاقة خلال فصل الشتاء المقبل، سيهدّد بتحطيم وحدة الاتحاد الأوروبي وإثارة اضطرابات اجتماعية .
لأن الأزمة بالنسبة إلى أوروبا ستستمر حتى عام 2023، نظرًا إلى ركود الإمدادات العالمية واحتمال زيادة التنافس على الغاز الطبيعي المُسال .
فخطوط أنابيب النرويج والجزائر وأذربيجان تقترب من بلوغ طاقتها القصوى، ولذلك ستكون الفترة المقبلة مليئة بالتحديات ، بحيث يجب تشييد خطوط أنابيب وتأمين بنية تحتية وخدمات لوجستية في القارة الأوروبية، وهذا سيستغرق 10 سنين على الأقلّ .