دكتور عبد الله العوضي يكتب: النفط الإيراني .. توقعات العودة !
ماذا يحدث لو عاد النفط الإيراني إلى السوق العالمية غدا ؟!
مع استمرار الحرب " الروسية الأوكرانية ، و السعي للتوصل إلى الإتفاق النووي ، فإن الأسواق العالمية سوف تصاب بصدمة نفطية حادة ، قد تهبط بالأسعار إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخها المنظور .
لا زال النفط سلعة تتلاعب بها السياسة في الواقع ، مع أنه من المفترض أن يكون للاقتصاد هنا كلمة الفصل .
لا ينكر أحد بأن إيران دولة محاطة بأسلاك العقوبات الدولية منذ أكثر من أربعين عام بسبب عدم إخماد ثوران بركانها السياسي لتصبح دولة طبيعية، و لكن هذا لم يمنعها من التحايل على تلك العقوبات طوال الفترة الماضية و لا زالت كذلك حتى الساعة .
و هذا أهم ما جاء في كلمة ، نائبة وزير الخارجية الأمريكي، في منتدى "آسبن" للأمن :
الاتفاق النووي الإيراني سيعيد نفط طهران إلى السوق ويساعدها في رفع العقوبات .
إيران رغم حزمة العقوبات الدولية التي تطوق عنقها ، إلا أنها قادرة على الالتفاف عليها بطريقة و أخرى ، و بالأخص في تعاملاتها مع الدول التي تناجز أميركا و لا ترضخ للالتزام بتلك العقوبات حيال إيران و على رأسها الصين و روسيا .
و جاء في تقرير لـ"العربية"، بعنوان "الاتفاقية الغامضة المثيرة للجدل بين طهران وبكين تدخل حيز التنفيذ":
وزير الاقتصاد والمالية الإيراني يؤكد أن عقود الاتفاقية الشاملة لمدة 25 عامًا بين طهران وبكين دخلت حيز التنفيذ و هذه الاتفاقية تركز على الأبعاد الاقتصادية التي تعد المحور الأساسي لها، بالإضافة إلى مشاركة إيران في مشروع "الحزام والطريق" ، مما يعززعلاقات بكين التجارية مع آسيا وأوروبا وإفريقيا .
و ذكرت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، بأن الأسابيع الأخيرة شهدت تدفقًا كبيرًا للنفط الإيراني إلى الصين، ما من شأنه أن يضر بجهود تحالف "أوبك+"، الذي يضم مجموعة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، ومنتجين من خارجها، في ضبط الإمدادات، بهدف الحفاظ على التوازن الحالي للسوق .
و يؤكد على ذلك ، مرتضى بهروزي فر، الخبير الإيراني في مجال الطاقة، خلال حوار مع وكالة أنباء "إيسنا" الإيرانية : إن بيع النفط الإيراني زاد بعد التطور الأخير في العلاقات بين إيران والصين .
إيران لم تتوقف يوما عن تصدير نفطها إلى العالم و لو بكميات أقل من سابق عهدها ، على وجه الخصوص إلى العراق الذي يعد قبلة نفوذها من بعد لبنان و سوريا و " الحوثي " في اليمن .
حتى ندرك موقع إيران من خارطة النفط في المعادلة الدولية ، من المهم أن نتطرق إلى نبذة عن ذلك .
إيران واحدة من أكبر الدول من حيث حجم احتياطيات الطاقة، وتلعب الصناعة النفطية فيها دورا هاما .
وهي أهم قطاع يوفر حاليا نحو 5% من الحجم المستهلك في العالم. وفي 2004 أنتجت إيران 5.1 في المائة من إجمالي النفط الخام في العالم (3.9 مليون برميل ) مما أدى إلى إيرادات تتراوح بين 25 و 30 بليون دولار أميركي .
وفي عام 2006، بلغت عائدات النفط نحو 18.7 في المائة من إجمالي الناتج المحلي .
وفي السنة المالية 2009، شكل القطاع النفطي 60 في المائة من إجمالي الإيرادات الحكومية و80 في المائة من إجمالي القيمة السنوية لكل من الصادرات وعائدات العملات الأجنبية.
وفي 2012 كانت تصدر نحو 1.5 مليون برميل من النفط الخام يوميا، ثاني أكبر مصدر بين منظمة البلدان المصدرة للنفط.
وفي نفس العام، قدّر المسؤولون أن عائدات النفط والغاز السنوية في إيران قد تصل إلى 250 مليار دولار بحلول 2015 عام ومع ذلك، تعطّلت الصناعة بسبب الحظر الدولي من يوليو عام 2015 حتى يناير 2016 .
وتخطط إيران لاستثمار ما مجموعه 500 مليار دولار في قطاع النفط قبل 2025عام .
ففي 12/12/2021 ، ذكرت
وكالة "صدا وسيما" على لسان رئيس الغرفة التجارية الإيرانية-العراقية، بإن طهران تسلمت جزءًا من إجمالي المستحقات الذي يبلغ نحو 7 مليارات دولار نظير تصدير النفط والغاز للعراق، مضيفًا بأن مستحقات إيران من العراق لا تزال في حدود 5 إلى 7 مليارات دولار .
إذا كان هذا وضع إيران النفطي الآن و هي تحت ضغوط العقوبات الدولية لأسباب سياسية ، فكيف نتصور الحال بعد رفع العقوبات المشروطة ضمن أهم بنود الإتفاق النووي ؟
إغراق السوق وفقا لوكالة " تسنيم " في 26/5/2021 عن " سيتي جروب " - أحد أكبر شركات الخدمات المالية الأمريكية، ومقرها الرئيسي في مدينة نيويورك - ، تقول : إن إيران من المحتمل أن تُصدر 65 مليون برميل من النفط المخزن في حاويات بالبحر، و54 مليون برميل أخرى ضمن مخزوناتها الساحلية، في غضون 10 إلى 20 يوم بمجرد رفع العقوبات الأمريكية عنها .
في زخم الصراع الدائر حاليا حول وضع إيران و احتمال عودتها إلى مكانها الطبيعي في السوق العالمي ، حدثت سجالات ساخنة بين الدول الأعضاء في أوبك ، حول أسعار النفط في المستقبل القريب التي وصلت الآن بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية إلى أكثر من مائة دولار ، و خاصة بعض الدول التي تعتمد بشكل كبير على النفط في وضع ميزانياتها ، فهي الأكثر تضررا من وصول أسعار النفط إلى أقل من 60 دولار للبرميل لو ضخت إيران كل حصتها لما قبل فترة العقوبات .
و قد هددت إيران مرة دول الأوبك بأنها على استعداد لبيع نفطها الخام ب 4 دولارات إذا استدعى الأمر ذلك ، لأنها تريد أن تعوض خسائرها السابقة بأسرع وقت ممكن ، و هو أمر بحاجة إلى خطة محكمة لمواجهته لو حدث .
إذا أردنا أن نشم رائحة السياسة النفاذة من خلال النفط الإيراني ، لنلتفت إلى ما صرح به مسؤولين عراقيين لـ"ميدل إيست آي" :
إيران طلبت من السعودية المساعدة في بيع نفطها والالتفاف على العقوبات الأمريكية مقابل الحد من هجمات الحوثيين على منشآت النفط في المملكة .
و الهدف من المحادثات هو إنهاء حالة الصراع والتحريض التي تشنها المؤسسات المرتبطة بالبلدين على جميع المستويات ،
اقترح الإيرانيون جعل الحوثيين "شركاء في الحكم" مع الحكومة اليمنية في صنعاء .
و فيما العالم منشغل بجائحة كورونا التي اتهمت الصين بنشرها من قبل أميركا ، فإن
مصدر مقرب من وزارة النفط الإيرانية قد صرح لمجلة "Petroleum Economist" قوله بأن : الصين ستستثمر 280 مليار دولار لتطوير قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات الإيرانية، و120 مليار دولار لتطوير البنية التحتية للنقل والتصنيع .
و أشارت " رويترز " إلى أن شركة "تشاينا كونكورد بتروليوم" الصينية تصبح لاعبًا محوريًا في توريد نفط إيران وفنزويلا الخاضع لعقوبات، بالرغم من إدراج واشنطن للشركة على القائمة السوداء قبل عامين لتعاملها في الخام الإيراني .
و من ناحية أخرى رد مسؤول أمريكي على ذلك بقوله : إن الولايات المتحدة تدرس تشديد إنفاذ عقوباتها على مبيعات النفط الإيراني إلى الصين، بينما تستعد لاحتمال ألا تعود طهران إلى المحادثات النووية أو أن تتبع نهجًا متشددًا إذا عادت .
و أكدت " رويترز " من مصادر مطلعة تفيد بأنّ فنزويلا وافقت على عقد رئيسي لمقايضة نفطها الثقيل بمكثفات إيرانية، وأشارت إلى أنه من المزمع استمرار الاتفاقية ستة أشهر في مرحلتها الأولى .
و ذهب مقال رأي بقلم "فيليسيتي برادستوك"، بـ"أويل برايس"، بعنوان "صناعة النفط الإيرانية تستعد للحياة بعد العقوبات" إلى أنه :
بينما تستمر المفاوضات حول الرفع المحتمل للعقوبات الأمريكية على إيران، تخطط الأخيرة للاستثمار بكثافة في صناعتها النفطية وزيادة الإنتاج ،
و أكبر استثمار لها هو في مصفاة جديدة بقيمة 220 مليون دولار بجزيرة قيشم الجنوبية مما سيعزز إنتاجها من البتروكيماويات .
و مع استمرار الصين وروسيا في دعم إيران في مواقفها ضد الولايات المتحدة، يبدو من المرجح أن صناعة النفط في البلاد ستزدهر بغض النظر عن العقوبات .
إيران من الناحية العملية ، لم تنتظر حين الانتهاء من توقيع الاتفاقية النووية ، فهي على الأرض ماضية في مشاريعها النفطية بلا توقف .
وكالة "فارس " أوردت على لسان الرئيس التنفيذي لشركة النفط الوطنية الإيرانية، الإعلان عن إبرام عقد بقيمة 500 مليون دولار لتطوير وزيادة معدل الاستخراج من الطبقات النفطية في حقل "بارس الجنوبي" للغاز (المشترك مع قطر)، مع إحدى الشركات الدولية الرائدة وشركة المنشآت البحرية .
و عندما وصل سعر النفط في 5/3/2022 , إلى مستوى قياسي قالت فوربس الشرق الأوسط: "خام برنت" يصل إلى 118.80 دولارًا للبرميل ليسجل أعلى مستوى له منذ عام 2008، وذلك وسط مخاوف من تعطل صادرات النفط الروسية والتوقعات بزيادة إمدادات الخام الإيرانية في حال إبرام اتفاق نووي .
و إصرار المسؤولين في المضي قدما واضح من خلال ما ورد في
وكالة "مهر": عندما ذكر أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، بـ"تويتر": بيع النفط الإيراني والحصول على عائداته أمر لا رجوع فيه .
من ذلك نجاد الرئيس الإيراني الأسبق أعلن عن استيائه في 19/6/2022 لتهاون بلاده في التفريط بمصالحه ، فقد ذكر موقع "إيران فرونت بيج" الإخباري: نجاد يهاجم الحكومة الإيرانية الحالية لما يصفه بإعطاء الأولوية لمصالح روسيا من خلال السماح لها بالاستيلاء على حصة إيران من السوق العالمية، موضحًا أنها لا تقوم بأي شيء يحمي حصتها في سوق النفط العالمي، مضيفًا أن على إيران اغتنام احتكاك العلاقات بين الشرق والغرب؛ لتعزيز مصالحها الخاصة بدلاً من "الانحياز إلى جانب" في التنافس السياسي .
نخلص إلى أن النفط في ساعة الأزمات يرتفع صوته عاليا ، و صداه في العالم مدويا ، لانه يعد لجروح الاقتصاد مداويا ، و هي منزلة لم يسبق إليها أي مصدر آخر منافس للطاقة و إن كانت متجددة .