نزار السيسي يكتب : قضايا 2050
يومياً تطالعنا توقعات بتحولات ما ستطرأ على جزئية ما من عالمنا خلال السنوات المقبلة. العام 2050م وما سيؤول إليه العالم بقضاياه الكبرى آنذاك، في عام 2050م سيصل إجمالي عدد سكان الكرة الأرضية إلى حوالي 9,5 مليار نسمة، منهم 6 مليارات نسمة يسكنون في المدن وحدها. فهل استعدت المدن لهذا الزحف؟ ومن أين للكرة الأرضية بالطعام الذي يحتاجه هؤلاء؟ وكيف يمكن تغطية احتياجاتهم من الطاقة؟وإلى أين ستذهب المخلفات والقمامة التي سيتسبب فيها كل هؤلاء؟
الحل هو تطوير آليات إعادة التدوير، للاستفادة من هذه المخلفات، بدلاً من إنتاج مواد جديدة.وعندما تتطور المعدات الطبية، ويصبح من الممكن اكتشاف خلايا السرطان في بداية تكونها، وقبل انتشارها، والتوصل إلى تشخيص أي قصور في أي عضو في الجسم، من خلال كاميرات دقيقة متناهية الصغر، تسبح في جسم الإنسان. وتتمكن في الوقت نفسه صناعة الدواء من إنتاج عقاقير متطورة، فليس من المستبعد في ظل هذه الأوضاع أن يرتفع متوسط أعمار الأشخاص، وستكون نسبة الأشخاص الذين يبلغون المائة سنة عندئذ، هي نفس نسبة الأشخاص الذين يبلغون السبعين حالياً .لا يمكن تجاهل هذه الملايين أو المليارات من كبار السن، بل لا بد من تجهيز الطرق والمباني والمطارات والفنادق والأندية الرياضية لهم. لذلك، من المتوقع أن تكون هناك سيارات مزودة بكاميرات ومعدات متطورة ذكية،تساعد هؤلاء الأشخاص على القيادة، فتراعي السرعة المسموح بها، وحركة السيارات حولها، والمساحة المتوافرة لركن السيارة في أماكن الانتظار، لأنه من غير الممكن أن توفر لكل هؤلاء الأشخاص من كبار السن من يرافقهم طوال الوقت.
الإنسان الآلي القادر على خدمة كبار السن لم يعد خيالاً علمياً بل تحقق بالفعل فهو يتلقى الأوامر ويلبيها ويحضر المشروبات والأطعمة وكما تخزن ذاكرة الكمبيوتر آخر المواقع التي زرتها في الإنترنت يلاحظ الإنسان الآلي المشروب المفضل لكل شخص وغير ذلك من المعلومات التي تجعله مساعداً جيداً.
يعتقد كثيرون أن نجاح العلماء في التوصل إلى حلول تقنية، يضمن انتشارها وخروجها من معامل الاختراعات إلى الاستخدام اليومي. ولكن هذا الاعتقاد ليس دقيقاً، ونضرب على ذلك مثالاً بالصورة الخيالية التي يصر كثير من أفلام الخيال العلمي على الترويج لها،وهي السيارة التي تقدر أن تطير، بحيث لا تحتاج إلى الوقوف في زحمة السير، وتختصر الوقت، وتجعل قائدها يشعر بالتفوق، وتجاوز كل القيود، التي تعوق حركته وانتقاله.ربما لا يعرف كثيرون أن هذه السيارة التي تطير ليست محض خيال، بل إن هناك شركة أمريكية، اسمها تيرافوجيا (Terrafugia)، تقوم بإنتاجها بالفعل. لكن هل توفرها يعني إمكانية استخدامها؟ وبغض النظر عن سعر السيارة، الذي يبلغ حوالي مائتي ألف دولار أمريكي، فإن إقلاع السيارة لا يمكن أن يتم إلا من أرضية المطار، وبالتالي فإن السائق لا يستطيع أن ينطلق من أي مكان، بل عليه دوماً أن يبحث عن أقرب مطار، والنقطة الأهم هي أن قيادة الطائرة تحتاج إلى رخصة مختلفة عن قيادة السيارة. وحتى لا تحدث حوادث تصادم، لا بد أن تكون هناك مسارات مختلفة في الجو لكل سيارة طائرة، فمن يستطيع تنظيم طيران آلاف أو ملايين السيارات في الجو، وكم ستكون تكاليف التأمين ضد الحوادث؟.
المحاولات الدولية لوقف تلوث البيئة.
الدول الصناعية الكبرى عاشت سنوات طويلة في رخاء، وتسببت في التلوث الأخطر في تاريخ البشرية، فليس من الإنصاف الآن حرمان دول العالم الثالث، التي استطاعت بعد جهود ضخمة،أن تنهض بالطبقة المحرومة لتصبح طبقة متوسطة، وما يعنيه ذلك من زيادة الاستهلاك من الطاقة. لذلك لابد من البحث عن أفضل السبل للحفاظ على كوكب الأرض. لأن الاستهلاك الحالي يحتاج إلى كوكبي أرض على الأرجح.
ويضرب أمثلة على الحلول المستقبلية لمشكلات البيئة، فالسيارات الكهربائية ستصبح هي القاعدة وليست الاستثناء. والمباني الحديثة لن تحتاج إلى طاقة إضافية، وستكون الإضاءة من خلال ألواح في الجدران. تحتوى على ما يعرف باسم (صمامات الضوء الثنائية العضوية)، وهي قادرة على توليد الطاقة بواسطة الخلية الشمسية المصنوعة من مواد عضوية مضيئة.
وستحدث ثورة في عالم المجسات وهي عبارة عن شرائح متناهية الصغر توضح في أركان المنزل فتقيس كل شيء الحرارة والبرودة وتكشف تسرب أي غازات وتصدر تنبيهاً بأن الموقد مازال مشتعلاً أو أن باب الثلاجة لم يغلق بل تتعرف المجسات أيضاً إلى أي روائح كريهة في المنزل وتعمل على تغيير الهواء. ستدخل هذه الشرائح كل مكان. فإذا كانت الملابس مزودة بها، فإن الغسالة ستتعرف إلى نوع النسيج والبرنامج المناسب للغسيل، وكمية المسحوق المطلوبة، وكمية الماء اللازمة، وفوق كل ذلك يمكن أن تحدد الغسالة الوقت المناسب للتشغيل، تبعاً لاستهلاك الطاقة في المنزل، بحيث لا يكون ذلك مثلاً في نفس الوقت الذي تعمل فيه أجهزة أخرى كثيرة.
ولمواجهة النقص المتوقع في الغذاء، فإن ناطحات السحاب المستقبلية، لن تخصص للسكن والفنادق فقط بل يمكن أن تخصص الأدوار العليا فيها لتكون بمثابة مزارع للمحاصيل الغذائية فيجد سكان المبنى والمنطقة المجاورة الكثير من احتياجاتهم من الطعام، دون حاجة إلى السوق، ودون تكاليف التنقل بعيدا
أما الأبحاث في مجال تنقية المياه، فإنها قد حققت تقدماً هائلاً، بحيث أصبح ممكناً تنقية المياه المستخدمة، لتصبح مياه شرب خالية من أي رواسب أو ميكروبات، وبالتالي تنتفي الحاجة إلى تحلية مياه البحار، التي تكلف كثير من الطاقة والأموال .
وفي مجال التعليم ستكون التقنيات المتوافرة ثلاثية الأبعاد، تجعل الطلاب يعيشون التجارب العلمية بصورة مجسدة. ومن خلال التقدم في مجال الاتصالات، سيكون بديهياً أن يدرس الطالب الجامعي في جامعات في مختلف دول العالم في الوقت نفسه. بعد توفير الأسس القانونية للاعتراف بمادة عند أستاذ في جامعة أمريكية، ومادة أخرى عند أستاذ في جامعة عربية، ومادة ثالثة عند أستاذ في جامعة صينية.
سيحقق التقدم الطبي إنجازات عُظمى في العقود التالية، بحيث يصبح الإنسان الضرير قادراً على الرؤية بتقنيات حديثة، والأصم قادراً على السمع، والمصاب بالشلل قادراً على الحركة من جديد، ومن خلال تطور أبحاث الجينات البشرية، ستُحل شفرة كثير من الأمراض الخطيرة، وستُنتج أدوية تتناسب مع الاحتياجات الفردية للحالة الصحية لكل فرد.