الأربعاء 25 ديسمبر 2024

الخبير الدولي في الاستدامة والكربون والمراقب وعضو لجنة بناء القدرات باتفاقية باريس لتغير المناخ بالأمم المتحدة، ورئيس الكرسي العلمي للبصمة الكربونية والاستدامة بالالكسو بجامعة الدول العربية وسفير ميثاق المناخ الأوروبي

السفير مصطفي الشربيني يكتب : التحول الطاقي والطموح المصري كمركز عالمي للطاقة الخضراء

السفير مصطفي الشربيني
السفير مصطفي الشربيني

  شهد العالم في السنوات الأخيرة تحولات جذرية في مجال الطاقة، مدفوعةً بالتحديات البيئية التي يفرضها التغير المناخي والتزامات الدول بتحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ، مع انعقاد مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين  COP29 ، ظهرت توجهات عالمية جديدة نحو تعزيز الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، والتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، هذه التحولات لا تقتصر على دول الشمال، بل تشمل أيضاً الدول النامية التي تطمح للعب دور ريادي في هذا المجال، في هذا السياق، تظهر مصر كمثال بارز لدولة تسعى لاستثمار موقعها الاستراتيجي ومواردها الطبيعية الغنية لتصبح مركزاً إقليمياً وعالمياً للطاقة الخضراء، من خلال خطط طموحة ومشروعات كبرى، تركز مصر على الهيدروجين الأخضر ومصادر الطاقة المتجددة، مستفيدة من دعم دولي وشراكات استراتيجية مع دول الاتحاد الأوروبي.
التحول الطاقي العالمي الذي ناقشه COP29  يهدف إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، لتحقيق ذلك، يجب على الدول تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري بنسبة تصل إلى 50% بحلول عام 2030 وزيادة نسبة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة العالمي إلى مستويات غير مسبوقة، استجابةً لهذه المتغيرات، تعمل مصر على تسريع وتيرة مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر، مستفيدة من مواردها الطبيعية التي تؤهلها للعب دور محوري في خريطة الطاقة العالمية.
مصر تمتلك إمكانات طبيعية هائلة تؤهلها لتكون من أكبر منتجي الطاقة المتجددة في العالم، تقع مصر في الحزام الشمسي، وهو أحد أكثر المناطق المشمسة في العالم، مما يمنحها ميزة كبيرة في إنتاج الطاقة الشمسية، على سبيل المثال، سجلت مناطق مثل أسوان والوادي الجديد مستويات سطوع شمسي تتجاوز 11 ساعة يومياً، ما يجعلها مثالية لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، إضافةً إلى ذلك، تمتلك مصر شريطاً ساحلياً يمتد لأكثر من 3200 كيلومتر على البحرين الأحمر والمتوسط، وهي مناطق تتميز برياح عالية السرعة تصل إلى 10 أمتار/ثانية، ما يجعلها من أفضل المناطق في العالم لإقامة مزارع الرياح، وفقاً لتقديرات هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، يمكن لمصر إنتاج ما يصل إلى 90 جيجاوات من الطاقة المتجددة، تشمل 60 جيجاوات من الطاقة الشمسية و30 جيجاوات من طاقة الرياح.
على المستوى التشريعي، وضعت مصر إطاراً قانونياً يدعم مشروعات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، أُصدر قانون الكهرباء رقم 87 لسنة 2015، الذي أتاح للقطاع الخاص دخول سوق الطاقة بشكل أكبر، كما تم إصدار قوانين ولوائح تنظيمية لدعم الاستثمار في مشروعات الهيدروجين الأخضر، تتضمن حوافز مالية وإعفاءات ضريبية للمستثمرين، من أبرز هذه القوانين "قانون حوافز الهيدروجين الأخضر ومشتقاته"، الذي يهدف إلى جذب استثمارات دولية لتطوير هذا القطاع الواعد، يشمل القانون حوافز مالية مثل الإعفاءات الجمركية وتخصيص الأراضي بأسعار تفضيلية، فضلاً عن تعريفة تغذية تضمن شراء الدولة للطاقة المنتجة من مشروعات الهيدروجين بأسعار تنافسية طويلة الأجل.
مشروعات الهيدروجين الأخضر تُعد من أكثر المجالات الواعدة في استراتيجية مصر للطاقة المتجددة، أعلنت الحكومة عن خطط طموحة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، الذي يُعرف بأنه الوقود المستقبلي للقطاعات الصناعية الثقيلة والنقل البحري والجوي، يُستخدم الهيدروجين الأخضر في إنتاج الأمونيا الخضراء، التي تُعد بديلاً مستداماً للأمونيا التقليدية، من أبرز المشروعات الجاري تنفيذها في هذا المجال مشروع العين السخنة للهيدروجين الأخضر بالتعاون مع شركات دولية مثل Scatec النرويجية، هذا المشروع يهدف إلى إنتاج كميات كبيرة من الأمونيا الخضراء باستخدام الهيدروجين الأخضر كمادة خام، ويتوقع أن يُسهم بشكل كبير في تقليل الانبعاثات الكربونية.
تتطلع مصر لأن تصبح من أكبر مصدّري الهيدروجين الأخضر إلى الأسواق الأوروبية، وقّعت مصر عدة اتفاقيات شراكة مع دول مثل ألمانيا وفرنسا لتعزيز صادرات الهيدروجين الأخضر، هذه الشراكات تستفيد من موقع مصر الجغرافي الذي يربط بين قارات أفريقيا وآسيا وأوروبا، مما يجعلها محطة استراتيجية لنقل الطاقة إلى الأسواق الرئيسية، وفقاً لتقديرات وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، يمكن أن يولد قطاع الهيدروجين الأخضر في مصر أكثر من 1.3 مليون وظيفة بحلول عام 2040، بالإضافة إلى توفير إيرادات تصل إلى 18 مليار دولار سنوياً من صادرات الهيدروجين.
مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تُمثل أيضاً ركائز أساسية في استراتيجية مصر للطاقة المتجددة، يُعد مجمع بنبان للطاقة الشمسية في أسوان أكبر مشروع للطاقة الشمسية في العالم، بطاقة إنتاجية تبلغ 1.8 جيجاوات، هذا المشروع يُعتبر نموذجاً للتعاون بين القطاعين العام والخاص، حيث يضم 32 محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، المشروع لا يقتصر على توليد الكهرباء فقط، بل يُساهم أيضاً في خلق فرص عمل، حيث وفر أكثر من 10,000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، على صعيد طاقة الرياح، تعمل مصر على تطوير عدة مشروعات ضخمة في خليج السويس، حيث يتم إنشاء مزارع رياح بقدرة إنتاجية تصل إلى 2.5 جيجاوات، مع خطط لزيادة هذه القدرة إلى 5 جيجاوات بحلول عام 2030.
رغم هذه الإنجازات، تواجه مصر تحديات كبيرة في تحقيق أهدافها الطاقية، ونجد ان تحليل SWOT  للطاقة المتجددة في مصر يُظهر نقاط القوة مثل الموارد الطبيعية الغنية والدعم الحكومي، ونقاط الضعف مثل ضعف تقنيات تخزين الطاقة والتمويل المحدود، والفرص مثل الطلب الأوروبي المتزايد على الطاقة النظيفة، والتهديدات مثل المنافسة الدولية وتقلبات الأسواق، لتجاوز هذه التحديات، يجب على مصر تعزيز شراكاتها الدولية والتركيز على البحث والتطوير في تقنيات تخزين الطاقة والهيدروجين الأخضروتحقيق خطوات كبيرة في سن تشريعات ملزمة لتقارير الشفافية لتخفيض الكربون في تقارير الاستدامة والكربون للشركات وفقا للمعايير الإفصاح الدولية.
كما ان تحليل الفجوة يُظهر أيضاً أن مصر تحتاج إلى استثمارات إضافية بقيمة 196 مليار دولار الذي خلصت ، وتقدّر الدراسة أن مصر تحتاج إلى استثمارات تصل إلى 196 مليار دولار لتطوير هذه المشروعات، بما في ذلك بناء محطات للطاقة الشمسية والرياح، وتطوير التقنيات الحديثة لتخزين وتوزيع الطاقة، بالإضافة إلى بناء بنية تحتية متكاملة لتصدير الهيدروجين الأخضر إلى أوروبا، وذلك وفقًا للدراسة قدمها السفير مصطفي الشربيني والباحثين التي أُجريت أثناء انعقاد مؤتمر COP29 بعنوان "أثر التشريعات الأوروبية على الاقتصاد المصري"، التي تهدف إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، تم تحديد فجوة استثمارية تُقدّر بحوالي 196 مليار دولار. لتحقيق هذا الهدف، يحتاج القطاع الطاقي في مصر إلى تنفيذ عدة مشروعات كبيرة في مجال الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، مع التركيز على زيادة قدرة الإنتاج من مصادر الطاقة النظيفة، والمشروعات المزمع إنشاؤها تشمل مشروعات الطاقة الشمسية، مثل مجمع بنبان في أسوان، من المتوقع أن تُسهم بحوالي 10 جيجاوات من الطاقة المتجددة.
على المدى الطويل، تستهدف مصر إضافة 50 جيجاوات من الطاقة الشمسية، مع تكثيف المشروعات في المناطق الصحراوية، ومصر تهدف إلى زيادة قدرة إنتاج طاقة الرياح إلى 30 جيجاوات بحلول عام 2030، عبر تطوير مزارع الرياح في خليج السويس والمنطقة الشمالية، تشمل المشروعات الكبرى مزارع رياح جديدة بقدرة 10 جيجاوات خلال السنوات الخمس القادمة، بما في ذلك مشروعات مشتركة مع شركات دولية، ومصر تسعى لإنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره إلى أوروبا عبر مشروعات استراتيجية، مثل مشروع العين السخنة للهيدروجين الأخضر. الهدف هو إنتاج 3 مليون طن سنويًا من الهيدروجين الأخضر بحلول 2030 وهذه المشروعات تتطلب استثمارات ضخمة في البنية التحتية لإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر، بالإضافة إلى بناء محطات شحن وتخزين حديثة.
إلى أن هذه الاستثمارات الضخمة ستكون ضرورية لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، كما ستساعد مصر على تقليل انبعاثات الكربون بشكل كبير، مما يتماشى مع أهداف اتفاق باريس للمناخ ويفتح المجال أمامها لتصبح مركزًا إقليميًا للطاقة المتجددة، لتحقيق ذلك، يجب جذب استثمارات أجنبية وزيادة كفاءة استخدام الطاقة في القطاعات الصناعية والزراعية، كما يتطلب الأمر تطوير البنية التحتية للنقل والتصدير لتلبية متطلبات الأسواق الدولية، الصفقة الأوروبية الخضراء تُعد عاملاً محفزاً لمصر لتطوير مشروعاتها الطاقية بما يتماشى مع معايير الاتحاد الأوروبي، خاصةً مع تطبيق آلية تعديل حدود الكربون  CBAM  التي تهدف إلى تقليل انبعاثات الكربون في الواردات.
وبعد هذا التحليل المووجز يمكننا القول إن مصر تمتلك فرصة تاريخية لتصبح مركزاً عالمياً للطاقة الخضراء، والتزام الحكومة بالمضي قدماً في تنفيذ المشروعات الكبرى، إلى جانب الدعم الدولي والشراكات الاستراتيجية، يُشكل أساساً لتحقيق هذا الطموح، مع تسارع وتيرة التحول الطاقي العالمي، يجب على مصر الاستمرار في تعزيز بيئتها الاستثمارية وتطوير تقنياتها لتحقيق أهدافها الطموحة في التحول إلى مركز عالمي للطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر.